مرجعه إلى تربية الأسرة:
فقد كان أبوه وأمه من ذوي الوجاهة والصلاح، وكان آل أبيه يتوارثون القضاء في بلده ويعيشون بين الناس كما يعيش رجال الدين ورجال الحكم على شعائر المروءة والتعفف والأنفة من غشيان مواقع الشبهات، وعلى الهيبة التي لا غنى عنها لمن يسوسون الرعية باسم الله واسم السلطان.
ومرجعه إلى الخليقة العربية:
فقد كان أبو العلاء عربي النجر عربي الطبيعة، يفهم أن العرض قوام الشرف والعزة، وأن الابتذال هو الهوان الذي ما بعده هوان، وأن الرجل الذي يجترئ عليه المجترئ بمذمة أو سخرية هو حمى مستباح، وأن من لا حياء له لا حياة له ولا خير فيه، وأن السنة ما سنه الآباء وجرى عليه العرف وسارت به الأمثال وحسنت به القدوة.
ومرجعه إلى فقد بصره:
فإن الضرير قد يصيبه السخر والملام لأمور يواقعها البصير ولا من يسخر به أو يلومه، وإن البصير قد يمارس من الشهوات ما يأمن الفضيحة فيه، لأمانه من أن يطلع عليه أحد غيره، وليس ذلك في مقدور الضرير؛ فإما الفضيحة والعار وإما الزهد والوقار.
ومرجعه إلى كبريائه وعزة نفسه:
فإن الأعمى قد تهون عليه الفضيحة في سبيل الشهوة، إلا أن تكون له كبرياء تأبى له المهانة والابتذال، فيهون عليه فقد الشهوات واقتناء الكرامة.
ولقد رأينا أن أبا العلاء كان لا يرضى من الدنيا إلا بالسيادة عليها أو بالإعراض عنها، فإما الملك وإما الرهبانية ولا توسط عنده بين الأمرين، فلا يحسبن أحد أن «فكرة الملك» عارضة في ذهنه كما يعرض الخاطر في خلد الشاعر، فإن «للمجد الدنيوي» لنزعة مكبوتة في قرارة ضميره يدل عليها شعره ونثره، ولا تزال غالبة عليه في جمحات الأهواء وفلتات اللسان. فسرعان ما يثب إليها كلما عرضت لها لمحة ظهور، وله في ذلك أبيات تعد بالعشرات منها:
لا ملك لي وأرى الدنيا تحاصرني
Неизвестная страница