قيل أراد الكلب، وقيل غير ذلك، والعرب تقول: لا خير في بقع الكلاب. وترى التبقيع هجنة فيها، وخير الكلاب عندها ما كان لونه يذهب إلى لون الأسد، وخير كلاب الصيد البيض. وفي المخصص: البقع بياض في صدر الكلب الأسود، وهي البقعة، وكلب أبقع والجمع بقعان. والوازع الكلب لأنه يزع الذئب عن الغنم ، أي يكفه، ويقال له ابن وازع أيضا. والكلب كل سبع عقور، ثم غلب على هذا النابح، كما في القاموس. وقال شارحه: قال شيخنا: بل صار حقيقة لغوية فيه لا تحتمل غيره، ولذلك قال الجوهري وغيره: هو معروف، ولم يحتاجوا لتعريفه لشهرته. انتهى. وهو من الأسماء التي تسمت بها العرب؛ فمن مشهوريهم في ذلك: كليب بن ربيعة من بني تغلب بن وائل، وهو الذي ضربوا به المثل، فقالوا: أعز من كليب وائل، وقامت الحرب بسببه بين بكر وتغلب. وكان اسمه في الأصل وائلا، وإنما سموه كليبا؛ لأنه بلغ من عزه أنه كان يحمي الكلأ فلا يقرب حماه، ويجير الصيد فلا يهاج. وكان إذا مر بروضة أعجبته، أو غدير ارتضاه، كنع كليبا ثم رمى به هناك، فحيث بلغ عواؤه كان حمى لا يرعى، فلما حمى كليبه المرمي الكلأ قيل: أعز من كليب وائل. ثم غلب هذا الاسم عليه حتى ظنوه اسمه؛ كذا في مجمع الأمثال للميداني. وقوله: كنع، هو بمعنى بضع وكوع، أي ضربه فصيره معوج الأكواع. ومنهم كليب بن حبشية بن سلول في خزاعة. وكلب بن عمرو بن لؤي في بجيلة. وبنو كلب، وبنو أكلب، وبنو كلبة، وبنو كلاب، قبائل معروفة، منها في قريش كلاب بن مرة، وفي هوازن كلاب بن ربيعة بن صعصعة. أما ذو الكلب فهو عمرو بن العجلان أحد شعراء هذيل، لقب به لأنه كان له كلب لا يفارقه. وعائد الكلب هو عبد الله بن مصعب، كان واليا للرشيد على المدينة، لقب بذلك لقوله:
ما لي مرضت فلم يعدني عائد
منكم ويمرض كلبكم فأعود
وهو أحد من نطقوا في الشعر بكلمات غلبت شهرتها عليهم، فلقبوا بها، وربما جمعت ما وقفت عليه من ذلك في رسالة مستقلة. والسبب الذي دعا العرب إلى تسمية أبنائها بمثل هذه الأسماء المستكرهة كالكلب والذئب والحجر والصخر، هو ما ذكره الراغب وغيره أن أعرابيا سئل: لم سموا أبناءهم بالأسماء القبيحة، وعبيدهم بالحسنة؟ فقال: لأن أبناءهم لأعدائهم، وعبيدهم لأنفسهم. قلت : وقد فصل الإمام شمس الدين محمد بن أبي بكر المشهور بابن قيم الجوزية مذاهب العرب في تسمية أبنائها تفصيلا ترتاح إليه النفس ويثلج به الفؤاد، فقال في آخر كتابه «مفتاح دار السعادة ومنشور ولاية العلم والإرادة» عند الكلام على الفأل والطيرة، ما نصه: وكانت لهم مذاهب في تسمية أولادهم: فمنهم من سموه بأسماء تفاؤلا بالظفر على أعدائهم، نحو: غالب وغلاب ومالك وظالم وعارم ومنازل ومقاتل ومعارك ومسهر ومؤرق ومصبح وطارق. ومنهم من تفاءل بالسلام كتسميتهم بسالم وثابت ونحوه. ومنهم من تفاءل بنيل الحظوظ والسعادة: كسعد وسعيد وأسعد ومسعود وسعدي وغانم ونحو ذلك. ومنهم من قصد التسمية بأسماء السباع ترهيبا لأعدائهم، نحو: أسد وليث وذئب وضرغام وشبل ونحوها. ومنهم من قصد التسمية بما غلظ وخشن من الأجسام تفاؤلا بالقوة: كحجر وصخر وفهر وجندل. ومنهم من كان يخرج من منزله وامرأته تمخض، فيسمى ما تلده باسم أول ما يلقاه، كائنا ما كان، من سبع أو ثعلب أو ضب أو كلب أو ظبي أو حشيش أو غيره. انتهى المقصود منه.
وأما ما سمي بالكلب أو أضيف إليه من البقاع والسيوف والأنهار وغيرها، فقد تركنا ذكره طلبا للاختصار، ونقتصر منها على قرية بحلب تسمى جب الكلب، تعد من العجائب لاشتهارها ببئر فيها إذا شرب منها المكلوب قبل أن يأتي عليه أربعون يوما برأ. كذا ذكر صاحب القاموس في مادة «ج ب ب».
وقال ياقوت في معجمه: حدثني مالك هذه القرية ابن الإسكافي، وسألته عما يحكى عن هذا الجب وأن الذي نهشه الكلب الكلب إذا شرب منه برأ، فقال: هذا صحيح لا شك فيه. قال: وقد جاءنا منذ شهور ثلاث أنفس مكلوبين يسألون عن القرية، فدلوا عليها، فلما حصلوا في صحرائها اضطرب أحدهم وجعل يقول لمن معه: اربطوني لئلا يصل إلى أحدكم مني أذى، وذلك أنه كان قد تجاوز أربعين يوما منذ نهش، فربط، فلما وصل إلى الجب وشرب من مائه مات. وأما الآخران فلم يكونا بلغا أربعين يوما، فشربا من ماء الجب فبرآ. قال : وهذه عادته، إذا تجاوز المنهوش أربعين يوما لم تكن فيه حيلة. إلى أن قال: وهذه البئر هي بئر القرية التي يشرب منها أهلها. انتهى. قلت: ولا أدري ما فعل الله بالقرية والبئر، وإنما خصصتها بالذكر دون غيرها تنبيها لأطباء هذا العصر، لعلهم يتوفقون للبحث والتنقيب عنها، حتى إذا وجدوها امتحنوا ماءها، فربما كان فيه من الأملاح أو غيرها ما من خاصيته شفاء هذا المرض، وعسى ألا تأخذهم حمية جاهلية فيضربوا بهذا القول عرض الحائط بغير حجة سوى ما اعتادوه من احتقار أقوال علمائنا المتقدمين. فلولا تجربة هذا الماء وظهور نفعه في المصابين قبل أن يجاوزوا أربعين يوما، أي قبل استفحال الداء وتمكنه منهم، لما استفاض خبره، ونقله هؤلاء الأعلام، ولا فائدة لمثلهم في التواطؤ على الكذب في مثله.
والزارع، بتقديم الزاي على الراء: الكلب. وفي القاموس: زارع اسم كلب، ومنه قيل للكلاب: أولاد زارع، وفيه أيضا في مادة «ذرع» بالذال المعجمة: أولاد ذارع. وذراع بالكسر: الكلاب. وفي المخصص: قال علي بن حمزة: ابن زارع وابن ذراع وابن وازع: الكلب، وربما سمي وازعا أيضا. انتهى. (2) الخيطل بفتح الخاء المعجمة وسكون الياء المثناة التحتية وفتح الطاء المهملة وبعدها لام: الكلب. والسحام بضم السين المهملة، وبعدها حاء مهملة، مأخوذ من السحمة وهي السواد، والذي يؤخذ من نصوص كتب اللغة أنه علم على كلب معين لا اسم جنس للكلاب. قال الجوهري: سحام اسم كلب، واستشهد بقول لبيد:
فتقصدت منها كساب فضرجت
بدم وغودر في المكر سحامها
ووافقه في ذلك شراح المعلقات، وهو ظاهر من سياق البيت. وفي لسان العرب: سحيم وسحام من أسماء الكلاب، ثم أنشد بيت لبيد. وذهب صاحب القاموس إلى أن صوابه بالمعجمة، قال: ووهم الجوهري. قلت: لا وهم؛ فقد ذكر بعض شراح المعلقات أنه يروى بهما، ووافقه الميداني في مجمع الأمثال عند تفسير قولهم: «هنيئا لسحام ما أكل»، فإنه أورد البيت ثم قال: ويروى سخامها بالخاء. وهذا المثل يضرب في الشماتة بهلاك العدو. وقول الزوزني في شرح المعلقات إنه اسم كلبة ، يخالف ما أجمعوا عليه من أنه اسم كلب ذكر، والله أعلم. والأسد لم أعثر في كتب اللغة على أنه يطلق على الكلب، وإنما الذي فيها أن الكلب من أسماء الأسد. والعربج بضم العين المهملة وسكون الراء وضم الباء الموحدة وبعدها جيم: الكلب الضخم، كما في القاموس، أو كلب الصيد، كما في اللسان. والعجوز بفتح العين المهملة وضم الجيم وبعدهما واوا ساكنة وزاي: من أسماء الكلب. والأعقد بالعين المهملة، والقاف، والدال المهملة: الكلب؛ لانعقاد ذنبه، جعلوه اسما له معروفا، قال جرير:
Неизвестная страница