أولا:
أن لا يتخطوا السلطة المخولة لهم إلى ما هو من اختصاص الوزير ووكلائه فيما يتعلق بتعهدات تربط الحكومة أو باتخاذ قرارات، أو إبداء آراء قاطعة في مسائل خطيرة.
ثانيا:
أن لا يستعملوا السلطة المخولة لهم ضمن دائرة اختصاصهم فيما قد يكون فيه مساس بالسياسة العامة.
ولما كان يصعب تحديد هذه المسائل بتفاصيلها منذ الآن، فإنه يحسن برؤساء المصالح أن يكونوا على اتصال بوزير المالية - إما شخصيا وإما كتابة - ليأخذوا رأيه في المسائل الهامة التي تعرض لهم.
أتريد المعارضة بعد هذا دليلا على أن الوزارة قد تولت الأمر بنفسها، وقبضت على أزمة الشئون ودفة الأعمال؟ أم تطلب المعارضة برهانا بعدما عرفه الملأ أجمع من قيام معالي وزير المالية إسماعيل صدقي باشا عقب تأليف الوزارة الحالية بفحص ميزانية هذا العام قبل إصدارها ببضعة أسابيع وبحثها وتمحيصها ودرس أصولها، وفروعها وفصولها، على ضيق وقته وفادح أعباء واجباته الأخرى مما لم يعهد في وزير مصري قبله.
وعلى هذا النحو يسير سائر الوزراء في وزاراتهم؛ إذ يأخذون في فحص أعمال تلك الوزارات، ودرس شئون ما يتبعها من المصالح بجد وحد، وهمة لا تعرف الكلل، ولا يعرفها السأم والملل، ليضعوا من خطط العمل وبرامجه ما يمكنهم من الاستقلال التام بأعباء العمل دون أدنى احتياج إلى معونة الموظف الأجنبي مهما علا قدره وسمت رتبته.
أجل، لقد سار الوزراء شوطا بعيدا، وجروا شأوا واسعا مديدا في تولي الأمور بأنفسهم، وإدارة دولاب الأعمال وتدبير دفته - كل في مجاله وميدانه - إدارة الناهض بالثقل، المستقل بفادح العبء والحمل، المحتمل كل ما عسى أن تسوقه إليه عواقب أعماله من التبعات والمسئولية .
وما لنا لا نعلن الحق ونعترف بالواقع، وذلك أن الشعب عامة وموظفي الحكومة الوطنيين خاصة قد أخذوا يشعرون في عهد الوزارة الحالية بأن يدا حديدية بطاشة كانت تأخذ بمخنقهم قد انسحبت من حول أعناقهم، ووطأة ثقيلة باهظة كانت تضغط على متنفسهم قد رفعت عن صدورهم، وأن كابوسا فادحا كان يجثم على قلوبهم قد رنق جناحيه للمطير ثم حلق، وجذوة حامية كانت تأتج فوق أكبادهم قد خمدت فأطفئت؟ كيف لا وقد كان الموظف البريطاني مهما صغر قدره وانحطت رتبته في العهد السالف المندثر ربما غلب رأيه على رأي الوزير فنفذ برغم إرادة الوزير مشيئته. لقد كنا في ذلك العهد نجزع من أمثال هذه البلايا، ونأسف ونطأطئ ذلة وانكسارا فنسيغ الشجى، ونغضي على القذى، ونتقلب على جمر الغضا. أترانا اليوم لا نزال على هذه الحال أم ترانا نتيه إدلالا، ونشمخ عزة وجلالا، ونرنح الأعطاف فرحا، ونمشي في الأرض مرحا؟ وكيف تجوز المقارنة بين حال كنا نختنق فيها اختناقا مكبلين بأغلال الرق في أضيق سجون الاستبداد الأجنبي، وبين حال أصبحنا ننشق فيها نسيم الحرية في فضاء الاستقلال الرحيب؟ وأين الضعف من القوة، والمهانة من العزة، والوثبة من الركود، والنهضة من الجمود.
شتان ما يومي على كورها
Неизвестная страница