وهبت من الجنوب الشائعات بالنذر؛ فلقد ازدادت الدعوة إلى الانسحاب من الاتحاد، وإلى إعلان التمرد والعصيان إذا قدر أن ينتخب لنكولن رئيسا للولايات، ونمى إليه فيما نمى من الأنباء أن أهل الجنوب يطاردون بالقوة كل من يدعو إلى تحرير العبيد في ولاياتهم، وكتبت صحف الجنوب تندد بدعاة التحرير من أهل الشمال، وقد غاظ الجنوبيين أن ينظر خصومهم إلى الرق نظرة خلقية؛ إذ إنهم بذلك يعرضون بهم ويريدون أن يقولوا إنهم قوم بعيدون عن الإنسانية، وأخذت تلك الصحف الجنوبية تنكر على الشماليين ما يزعمون لأنفسهم من نبل؛ فهم في رأيها قوم يتظاهرون بالسمو في حين أنهم أجلاف ليس فيهم إلا كل متكلف كثير الادعاء.
على أن أعظم ما أزعج أبراهام يومئذ ما أفضى به إليه قائد من القواد من أنهم في الجنوب يعدون معدات القتال! لقد ارتاع أبراهام لسماع ذلك وأحس بميل شديد إلى معرفة كل شيء، ولكنه يشعر، ولم ينتخب للرياسة بعد، أن ليس له أن يسترسل فيما هو فيه من استطلاع، فيطلب إلى محدثه أن يتبين قبل أن يزيده علما، فإذا لم يكن في الإفضاء بما يعلم خيانة فليفض به وهو يترك له تقدير ذلك.
ولم يقتصر الأمر على الجنوب؛ فإن في الشمال قوما يخيفهم أن ينتخب أبراهام، ويرون أن المسألة لم تعد مسألة الرق فحسب، بل هي اليوم مسألة الاتحاد، وهل يظل قائما أم ينهار بناؤه، وإنهم ليخافون ما تنذر به الأيام؛ فها هم أولاء بعض المدينين من تجار الجنوب يرفضون أن يدفعوا ما عليهم لدائنيهم من أهل الشمال، والأسعار في جميع عروض التجارة آخذة في الارتفاع، وكثير من الناس يكرهون أن يسمعوا ما يقال عن الرق ويضيقون بقضيته ذرعا، حتى لقد فض فريق من أهل بوستن بالقوة اجتماعا عقده بعض أعداء الرق، وبعض ضباط الجيش يعلنون في غير حرج أنه إذا انتخب لنكولن رئيسا للاتحاد فسوف يتخلون عن مناصبهم ويذهبون إلى الولايات الجنوبية.
ولا يخفي كثير من كبراء الجمهوريين أنفسهم مخاوفهم من اختيار لنكولن في مؤتمر شيكاغو، ويرون في ذلك نذرا سوداء تقض مضاجعهم وتقلق بالهم، كتب أحدهم في ذلك يقول: «أذكر إذ وقعت عيناي لأول مرة على ذلك النبأ مكتوبا على لافتة انتخابية في أحد شوارع فيلادلفيا؛ أني أحسست لحظة بألم جثماني شديد، وكان حالي يومئذ حال من أصيب بضربة قوية فوق رأسه، ثم خانتني قوتي وشعرت أن قضيتنا قد منيت بفشل لا رجاء معه.»
وكان نفر من الجمهوريين في الولايات الشرقية يرون أن سيوارد قد ذهب ضحية الغفلة والجهل، وأنه أحق من أبراهام بالرياسة، وذهبوا في ذلك إلى حد أنهم نصحوا له أن يتجاهل قرار مؤتمر شيكاغو ويتقدم لمنافسه أبراهام في معركة الانتخاب، ولكنه رفض أن يستمع إلى ذلك.
وبات أنصار أبراهام من الجمهوريين موضع استهزاء الجنوبيين وسخطهم؛ فهم أجراء حقيرون، وهم قوم لا يدرون معنى الاجتماع، وهم سذج بلهاء مخبولون، وإن الواحد منهم في أحسن حالاته لا يصلح لأن يكون ندا لخادم من خدم سيد من أهل الجنوب!
وتصل أنباء هاتيك النذر جميعا إلى أبراهام وهو في سبرنجفيلد فينكدر لها خاطره، ولكنه ينتظر ما عسى أن تأتي به الأيام، ولكم استمع إلى نذر العاصفة في الغابة وهو في كوخه، ولكم أنصت إلى دويها وهي هوجاء مجنونة تحطم الفروع وتقتلع الجذوع، فما مثله من ينخلع فؤاده من عاصفة وإن كانت اليوم تنذر بالنار والدم. إنه يكرهها ولكنه ليس يحس تلقاءها شيئا من الخوف.
الرئيس أبراهام لنكولن!
تأهبت البلاد في شهر أكتوبر من عام 1860 للمعركة الانتخابية، وما من أمريكي ذي صلة ولو قليلة بالسياسة إلا وكان يدرك ما كانت تنطوي عليه تلك المعركة يومئذ من خطورة بالغة، ولعله لم يسبق في تاريخ الاتحاد أن عظم اهتمام الناس بما عسى أن تكون نتيجة المعركة كاهتمامهم بذلك في عامهم هذا؛ فإنه إما أن يبقى بناء الاتحاد، وإما أن ينصدع فإذا هو اتحادان.
وأخذ كل حزب يسعى سعيه وينشر في البلاد ما وسعه من أساليب الدعوة، وأخذ اسم فالق الأخشاب ينتشر في طول البلاد وعرضها، وأخذت صورة هاتيك الأخشاب فوق الصناديق والعلب وغلايين الطباق، وصار الناس يتغنون بأغنيات تدور حول النجار فالق الأخشاب، ووضعت قطعتان من هاتيك الأخشاب في مقر الحزب في نيويورك على أنها من صنع أبراهام نفسه، كما ادعى ناد من الأندية السياسية أن لديه المعول الذي استعمله في فلق الأخشاب فتى الغابة أبراهام لنكولن.
Неизвестная страница