قال ثيو: «لا أعتقد أنكم ستبدءون ثورة من أجل قضية العمال الوافدين، أو حتى فعاليات الراحة الأبدية؛ فالناس لا يبالون بالقدر الكافي.»
قالت جوليان: «نحن نريد أن نساعدهم على أن يبالوا.» «ولماذا سيفعلون؟ إنهم يحيون بلا أي أمل على كوكب يحتضر. كل ما يريدونه هو الأمان والراحة والمتعة. وحاكم إنجلترا بيده أن يعد بتحقيق المطلبين الأول والثاني، وهذا أكثر مما تقدر معظم الحكومات الأجنبية على الوفاء به.»
كان رولف يستمع إلى حديثهم المتبادل دون أن يشارك به، ثم قال فجأة: «كيف هو؟ أقصد حاكم إنجلترا؟ أي نوع من الرجال هو؟ لا بد أنك تعرف، فقد تربيتما معا.» «لكن هذا لا يمنحني إمكانية الولوج إلى عقله.» «كل تلك السلطة بين يديه، سلطة تفوق أي سلطة حظي بها أي شخص يوما، على الأقل في ذلك البلد. هل يستمتع بها؟» «على الأرجح. فهو لا يبدو متلهفا للتنازل عنها.» ثم أضاف قائلا: «إن أردت ديموقراطية، فعليك إيجاد طريقة لإعادة الحياة إلى المجلس المحلي. فهي تبدأ من هناك.»
قال رولف: «وهناك تنتهي أيضا. فهذه هي الطريقة التي يفرض بها الحاكم سيطرته على ذلك المستوى. هل رأيت رئيس مجلسنا المحلي ريجي ديمسديل؟ إنه رجل متذمر جبان في السبعين من عمره، يقوم بذلك العمل فقط لأنه يتلقى مقابله ضعف حصة الوقود، وبضعة عمال من الأوميجيين الأجانب ليعتنوا بمنزله اللعين الضخم ذي المزرعة، وينظفونه إن أسلس البول. لن يضطر للمشاركة في الراحة الأبدية.» «لقد جاء للمجلس بالانتخاب. جميعهم جاءوا بالانتخاب.» «من انتخبهم؟ هل أدليت بصوتك؟ لا أحد يبالي. ارتاح الناس لمجرد أنهم وجدوا من يقوم بذلك العمل. أنت تعلم كيف تسير تلك الأمور. لا يعين رئيس المجلس المحلي إلا بموافقة مجلس المقاطعة، الذي يحتاج بدوره إلى موافقة المجلس الإقليمي. الذي يجب أن يوافق عليه مجلس إنجلترا. يفرض الحاكم سيطرته على النظام من أوله إلى آخره، لا بد أنك تعلم ذلك. ويفرض سيطرته عليه كذلك في اسكتلندا وويلز. كلتا الدولتين لهما حاكم منفصل، لكن من يعينه؟ بوسع زان ليبيات أن يطلق على نفسه لقب حاكم بريطانيا العظمى لولا أن ذلك اللقب ليس له نفس الوقع الرومانسي على نفسه.»
خطر على بال ثيو أن تلك ملاحظة تنم عن بصيرة ثاقبة. استحضر إلى ذهنه حديثا قديما مع زان. «لا أظن أن لقب رئيس الوزراء سيكون مناسبا. فأنا لا أريد أن أستولي على لقب شخص آخر، بخاصة إن كان لقبا له وزن في كفة التقاليد والالتزامات. فقد ينتظر مني أن أجري انتخابات كل خمسة أعوام. ولا لقب «اللورد الحامي» كذلك؛ فآخر شخص حمل ذلك اللقب لم يحقق نجاحا باهرا. سيكون لقب «الحاكم» مناسبا جدا. لكن هل هو لقب «حاكم بريطانيا العظمى وأيرلندا الشمالية»؟ ليس له الوقع الرومانسي الذي أنشده.»
قالت جوليان: «لن نصل إلى شيء مع المجلس المحلي. أنت مواطن تعيش في أكسفورد مثلك مثل الجميع. وأنت حتما تطلع على الأمور التي ينشرونها بعد الاجتماعات بخصوص الأمور التي يناقشونها. صيانة ملاعب الجولف والبولينج. وما إذا كانت مرافق مبنى النادي كافية. وقرارات بشأن توزيع فرص العمل، وشكاوى حصص الوقود، والطلبات المقدمة للحصول على عامل وافد. وتجارب الأداء لجوقة الهواة المحلية. وإذا ما كان عدد الذين يطلبون دروس العزف على الكمان يستدعي أن يعين المجلس مدربا محترفا بدوام كامل. أحيانا يناقشون حتى تأمين الشرطة للشوارع الذي لم يعد ضروريا الآن بعد أن أصبح خطر الترحيل إلى مستعمرة مان العقابية يتهدد اللصوص الذين ينوون السرقة.»
قال لوك برفق: «الحماية والراحة والمتعة. لا بد أنه يوجد ما هو أكثر من ذلك.» «تلك هي الأمور التي يأبه لها الناس ويحتاجونها. فما الذي يمكن أن يقدمه المجلس أكثر من ذلك.» «الرحمة والعدل والحب.» «لم تعن أي دولة من قبل بالحب، ولا يمكن أن تعنى به يوما.»
قالت جوليان: «لكن يمكن أن تعنى الدولة بالعدل.»
قال رولف وقد نفد صبره: «الرحمة والعدل والحب. إنها مجرد كلمات. ما نتحدث عنه هو السلطة. الحاكم ديكتاتور يلبس رداء القائد الديموقراطي. يجب أن يحمله أحد على الاستجابة لإرادة الشعب.»
قال ثيو: «إرادة الشعب. تلك عبارة لها وقع حسن. لكن يبدو في الوقت الحالي أن إرادة الشعب تتلخص في الحماية والراحة والمتعة.» ثم قال في نفسه: أعرف ما يضايقك؛ أن زان يتمتع بتلك السلطة، وليس الطريقة التي يمارسها بها. لم يكن ثمة وجود لأي ترابط فعلي بين أفراد تلك الجماعة الصغيرة وتوقع عدم وجود أي غاية مشتركة بينهم. فما كان يحرك جاسكوين هو السخط من استئثار الحاكم بفرقة حرس الجرينادير، أما ميريام فقد كان يحركها دافع لم يتضح له بعد، أما جوليان ولوك فقد كانا مدفوعين بالمثالية الدينية، وأما ما كان يحرك رولف فهو الغيرة والطموح. كونه أستاذ تاريخ كان بإمكانه أن يسمي عدة نظراء تاريخيين لهم.
Неизвестная страница