Дисциплина по терминологии хадисов
دورة تدريبية في مصطلح الحديث
Жанры
دورة تدريبية في مصطلح الحديث [١]
ظهر علم مصطلح الحديث للذب عن سنة رسول الله ﷺ، والحفاظ عليها من وضع الوضاعين، ولقد اهتم العلماء بهذا العلم فوضعوا قواعده وأصوله وأسسه التي قام عليها، واعتنوا بذلك أشد العناية، حتى غدت قواعده أسسًا انبنت عليها العلوم الأخرى.
1 / 1
فضل طلب العلم
1 / 2
طلب العلم طريق إلى الجنة
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وسلم.
وبعد: مرحبًا بكم وأهلًا وسهلًا، ونسأل الله تعالى أن يجمعنا على مائدة الكتاب والسنة إلى يوم نلقاه.
روى الحافظ ابن عبد البر رحمه الله تعالى في كتابه القيم جامع بيان العلم وفضله بإسناده إلى رسول الله ﷺ أنه قال: (ما من رجل يسلك طريقًا يلتمس فيه علمًا إلا سهّل الله له طريقًا إلى الجنة).
وهذا يبين فضل العلم وعاقبته في الدنيا، ولم يقل ﷺ: إنه سهّل له طريق طلب العلم، وإنما سهّل له طريقًا يقابل ويزيد عن هذا الطريق، ألا وهو طريق الجنة.
(ومن أبطأ به عمله لم يسرع به نسبه).
والحديث صحيح، وهو عند الإمام مسلم في صحيحه وغيره.
فلو أن إنسانًا تقاعس في عمله ولم يكن هدفه فيه ابتغاء مرضاة الله ﷿، فإنه لا يرتفع بهذا العمل عند الله حتى وإن كان مرفوعًا في نسبه بين الناس، لكونه لم يبتغ به وجه الله.
ويقول ﷺ: (وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله)، أي: في مسجد من مساجد الله ﷿ (يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم، إلا حفتهم الملائكة).
ومطلع هذا الحديث يدلنا على أدب من آداب طالب العلم، وهو ألا نتبعثر ونتفرق في المجلس، فالحديث فيه: (ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله).
فلا يجلس واحد في زاوية، وآخر في زاوية، وثالث في الشارع، ورابع في بيته، فكل هذا ليس من آداب العلم، بل من أتى درس العلم فينبغي عليه أن يزاحم حتى يجلس في الصفوف الأول، أو في الأماكن الأول.
قال: (وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه)، أي: يتفقهون في كتاب الله ﷿، وليس المقصود بالكتاب القرآن فقط، وإنما المقصود به مصادر التشريع من كتاب وسنة وإجماع وقياس، (إلا حفتهم الملائكة)، وهذا في مجلس العلم، فمجالس العلم تحفها الملائكة وتغشاها الرحمة، (وغشيتهم الرحمة).
وتتنزل عليها السكينة والطمأنينة والأمان، (وذكرهم الله فيمن عنده)، أي: في الملأ الأعلى، أو بين ملائكته.
1 / 3
درجات العلم من حيث الانتفاع به وفضله
وقد جاء هذا الحديث بروايات وطرق كثيرة.
يقول ﷺ: (مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم كمثل الغيث الكثير).
والغيث هو المطر، فالنبي ﷺ يشبّه ويمثّل العلم بالمطر، أي: بغزارته ونفعه للناس.
(مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم كمثل الغيث الكثير أصاب أرضًا)، أي: نزل هذا المطر بأرض، (فكانت منها بقعة قبلت الماء فأنبتت الكلأ والعشب)، يعني: كانت هذه الأرض التي أصابها الماء والمطر صالحة استفادت من الماء، وأنبتت ما فيها من العشب والكلأ وغير ذلك.
(وكانت منها بقعة أمسكت الماء)، أي: هي صالحة تمسك الماء في بطنها.
(فنفع الله به الناس فشربوا وسقوا وزرعوا).
فالأرض لم تكن سيئة، فقد ابتلعت الماء كله وحفظته في بطنها فانتفع به الناس.
(وكانت منها طائفة لا تمسك ماء ولا تنبت كلأ).
فالعلم على ثلاث درجات: علم ينفع الله به صاحبه فقط، وعلم ينفع الله تعالى به صاحبه وينفع به الناس، وعلم لا ينتفع به صاحبه وإن كان الناس ينتفعون به.
فأما العلم الذي ينتفع به صاحبه فهو العلم الذي تعلمه ثم عمل به.
وأما الذي ينتفع به صاحبه وينتفع به الناس فهو العلم الذي يعمل به ويعلمه الناس فيعملون به.
وأما العلم الذي ينفع الناس ولا ينفع صاحبه فهو العلم الذي لا يعمل به صاحبه، ولكنه يعلمه الناس فينتفعون به.
(وذلك مثل من فقه في دين الله ونفعه ما بعثني الله به فعلم وعمل وعلم الناس، ومثل من لم يرفع بذلك رأسًا ولم يقبل هدى الله الذي أرسلت به).
1 / 4
العالم يستغفر له كل شيء
يقول ﷺ: (معلم الخير يستغفر له كل شيء، حتى الحوت في البحر)، وفي رواية (يستغفر له من في السماء ومن في الأرض، حتى الحيتان في البحر).
وقيل في سبب استغفار الدواب والحيوانات والأشجار والحيتان في البحر للعالم: أنه يوصي بالإحسان إليها، وعدم اتخاذها غرضًا، إلا إذا كان غرضًا شرعيًا وغير ذلك، فإذا وجد رجلًا يسوق حمارًا أو فرسًا أو غير ذلك ويضربه ضربًا شديدًا قال له: ارحم من في الأرض يرحمك من في السماء، وهذه دعوة لرحمة الحيوانات، وإذا وجد رجلًا يصطاد حيتانًا أو أسماكًا بالكهرباء أو غيرها، أو يصطادها ويرميها ولا ينتفع بها نهاه عن ذلك؛ لأن هذا الصيد فيه نهي شرعي؛ لأن النبي ﷺ نهى عن اتخاذ الحيوانات والطيور أغراضًا، فلا يصطاد الشخص إلا بقصد الانتفاع.
1 / 5
العلم ينفع صاحبه في الدنيا والآخرة
يقول ﷺ: (إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: من صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح).
فكلما جرت هذه الصدقة على المتصدق بها عليه دعا للمتصدق فينتفع الميت بهذا الدعاء، وهذه هي الصدقة الجارية، وذلك مثل رجل اشترى كتب علم أو مصاحف أو غير ذلك ووزعها على الناس يقرءون بها، أو رجل بنى مسجدًا ليصلي فيه الناس، فكلما سجد رجل أو ركع فلا شك أن ذلك في ميزان من بنى ذلك المسجد، وهذا في الصدقة وليس الهدية؛ لقول النبي ﷺ (صدقة جارية).
ولم يقل: هدية.
ثم يقول: (أو ولد صالح يدعو له).
وقيد الولد بالصلاح.
والشاهد من هذا الحديث هو (أو علم ينتفع به)، أي: في حياته وبعد مماته، والعلم النافع هو العلم الشرعي في الدرجة الأولى، مثل القرآن والعقيدة واللغة وعلوم الآلة التي تساعدنا على فهم العلوم الأصلية.
1 / 6
العالم يدل غيره على الخير
يقول أبو مسعود الأنصاري ﵁: (جاء رجل إلى رسول الله ﷺ فقال: يا رسول الله! احملني)، أي: جهّزني للقتال بفرس ودرع وغير ذلك، (فإنه قد أُبدع بي، فقال النبي ﷺ: ما أجد ما أحملكم عليه، فأت فلانًا)، يعني: اذهب إلى فلان فإنه صاحب مال وخيل وغير ذلك، (فأتاه فحمله)، أي: قضى له وطره وحاجته، (فأتى رسول الله ﷺ فأخبره)، أي: بأنه قد حمله فلان، (فقال النبي ﷺ: الدال على الخير كفاعله)، أي: في الأجر.
وما أعظم ما يدل عليه العالم! فهو يدل الأمة كلها على سبيل الله ﷿، وعلى طريق الهداية، ويحذرهم طريق الغواية والضلال، ولا شك أن العالم هو أحسن من يدل على الخير، و(الدال على الخير كفاعله)، وفي رواية بزيادة: (والدال على الشر كفاعله).
وهذا من باب المقابلة.
1 / 7
الغبطة على العلم
يقول النبي ﷺ: (لا حسد إلا في اثنتين: رجل آتاه الله مالًا فهو ينفقه على هلكته في الحق) وفي رواية: (آناء الليل وآناء النهار، أو وأطراف النهار) (ورجل آتاه الله علمًا) وفي رواية (ورجل آتاه الله القرآن فهو يعمل به ويعلمه الناس آناء الليل وأطراف النهار).
فلا شك أن الحسد وهو الغبطة في هذا الحديث، بمعنى: أن يتمنى الإنسان أن يكون في مثل مقامه دون أن يتمنى زوال هاتين النعمتين عن صاحبهما، وهما المال الصالح للرجل الصالح، وكذلك العلم النافع عند الرجل الذي ينفعه الله تعالى به -أي: بهذا العلم- وينفع به الناس.
1 / 8
لعن الدنيا وما فيها سوى ذكر الله وما والاه وعالم ومتعلم
ويقول ﷺ: (الدنيا ملعونة ملعون ما فيها).
وتفصيل بعد إجمال.
(إلا ذكر الله وما والاه).
وهذا تخصيص بعد عموم، يدل على أنه ليس كل الدنيا ملعونة؛ لأن فيها أشياء نافعة يتخذها العبد قنطرة وعبورًا إلى دار الآخرة، ألا وهي (ذكر الله وما والاه، وعالم ومتعلم).
والنبي ﷺ يقرن هنا بين ذكر الله وما والاه وبين العالم والمتعلم، وفي رواية عن النبي ﷺ أنه قال: (العالم والمتعلم شريكان في الأجر).
1 / 9
الملائكة تحف بطالب العلم وتظله بأجنحتها
في حديث صفوان بن عسال أنه أتى إلى رسول الله ﷺ وهو في المسجد متكئ على برد له أحمر، قال: (قلت: يا رسول الله! إني جئت أطلب العلم).
وهذا فيه إثبات الرحلة في طلب العلم.
(قال: مرحبًا بطالب العلم).
ولذلك يقول العلماء: يُسن للعالم أن يرحّب بمن يتعلم منه، وأن يقول: مرحبًا بطالب العلم، أو يقول: مرحبًا بوصية رسول الله ﷺ.
ثم قال: (إن طالب العلم لتحف به الملائكة وتظلله بأجنحتها).
وهذا فضل عظيم، وشرف كريم، (فيركب بعضها فوق بعض)، أي: هذه الملائكة التي تحف طالب العلم يركب بعضها فوق بعض، (حتى تعلو إلى السماء الدنيا من حبهم لما يطلب، فما جئت تطلب؟) يسأل النبي ﷺ صفوان بن عسال (قال: قلت: يا رسول الله! لا أزال أسافر بين مكة والمدينة، فجئت أسأل عن المسح على الخفين).
واليوم لو سألنا في أساسيات المسح على الخفين لم نجد من يريحنا بجواب، فدل ذلك على أن كل مسألة وإن بدت لك صغيرة أو لا تستحق الرحلة والسؤال والطلب فاعلم أن ذلك من الجهل وليس من العلم.
ويقول ﷺ: (نضّر الله امرأً سمع منا مقالة)، أي: حديثًا، وفي رواية (فحفظها وبلغها، فرب حامل فقه ليس بفقيه)، أي: ورب حامل فقه في عقله وفي صدره ولكنه ليس بفقيه، وهذا مثل من يتحمل الحديث ولا يفقه معناه، فإذا قصه ورواه إلى غيره انتفع ذلك الغير به أكثر من انتفاع صاحب الحديث به.
1 / 10
الإخلاص في طلب العلم
وقال ﷺ: (ثلاث لا يغل عليهن قلب مسلم: إخلاص العمل لله، ومناصحة ولاة الأمر، ولزوم الجماعة؛ فإن دعوتهم تحيط من ورائهم).
وقال رسول الله ﷺ: (من كانت نيته الآخرة جمع الله شمله، وجعل غناه في قلبه، وأتته الدنيا وهي راغمة، ومن كانت نيته الدنيا فرّق الله عليه أمره، وجعل فقره بين عينيه، ولم يؤته من الدنيا إلا ما كُتب له).
إلى غير ذلك من الأحاديث التي تحض على طلب العلم، وما ذكرنا فيه كفاية وغنية.
1 / 11
إطلاق اسم المصطلح على مباحث علوم الحديث
(علم مصطلح الحديث) اشتهر بهذا الاسم، والصواب أن يسمى: علم أصول الحديث؛ لأن كل علم شرعي له أصول، فعلم التفسير له أصول، وعلم الفقه له أصول، وعلم النحو له أصول، وهي قواعد اللغة.
والأصل أن يقال: إن علم قوانين الرواية هو أصول الرواية، أو أصول الحديث، والمتعارف بين الناس من الخواص والعوام أن هذا العلم يطلق عليه مصطلح الحديث، ولكل فن وعلم من العلوم الشرعية بل وغير الشرعية مصطلحات، فالفقهاء لهم مصطلحات، والأصوليون لهم مصطلحات، واللغويون لهم مصطلحات، فلو قلنا: (مصطلح) وسكتنا لم نفهم المقصود؛ لأن المصطلحات كثيرة، ولزمنا أن نسأل أهو مصطلح المحدثين أم الفقهاء أم الأصوليين أم غيرهم؟ ولو قلنا: أصول، لانصرف الذهن إلى أصول الفقه، في حين أن بقية العلوم أيضًا لها أصول، فكل العلوم الشرعية وغير الشرعية لها أصول وقواعد وضوابط تحكمها وتضبطها، فالأصل أن نقول: أصول كذا، ومن هنا نعلم أن تخصيص كلمة مصطلح بعلم الحديث من باب التحكم، كما أن وقف كلمة أصول على أصول الفقه أيضًا من باب التحكم؛ لأن المقصود هي القواعد الكلية أو الجزئية التي تحكم أي علم في ذاته.
فعلم أصول الحديث هو المشهور والمشتهر على ألسنة الناس بمصطلح الحديث.
1 / 12
مبادئ علم مصطلح الحديث
إن كل علم له مبادئ، وهذه المبادئ عشرة، جمعها البعض في قوله: مبادئ أي علم كان حد وموضوع وغاية مستمد وفضل واضع واسم وحكم مسائل نسبة عشر تعد فالأصول والمبادئ العشرة لأي علم في هذين البيتين وهي: الحد، والموضوع، والغاية، والاستمداد، والفضل، والواضع، والاسم، والحكم، والمسائل التي فيه، والنسبة.
والحد هو التعريف، والأصل في الحد أن يكون جامعًا مانعًا، أي: جامعًا لشتات المسائل التي تدخل في هذا الموضوع، مانعًا من دخول غيرها عليها.
1 / 13
تعريف مصطلح الحديث
علم المصطلح: هو العلم بقواعد وأصول يُعرف بها حال الحديث سندًا ومتنًا من حيث القبول والرد.
ولو أتينا بألفاظ زائدة على ما في التعريف فستكون زائدة وليس لها داع، ولو أخرجنا منها كلمة واحدة لظهر في التعريف خلل، وهذا ما نعنيه بأن يكون الحد جامعًا مانعًا.
1 / 14
موضوع علم المصطلح
موضوع هذا العلم: سنة النبي ﷺ من حيث أقواله وأفعاله وتقريراته وصفاته الخلقية والخُلُقية، هذا الشق الأول، وهو ما يُطلق عليه علم الرواية.
والشق الثاني وهو علم الدراية، وهو الذي ينصب على السند، من حيث شروط الرواية والتحمل والأداء، ومن حيث المعايب والمحاسن التي تلحق الأسانيد سواء كانت راجعة إلى الراوي أو إلى الإسناد، فإن كان الراوي ضعيفًا في نفسه أو سيء الحفظ أو كذّابًا، فلا شك أن هذا عيب يلحق الراوي نفسه، وأما إن كان الحديث فيه انقطاع وسقط، فهذا السقط يطعن في عموم الإسناد.
والمقصود بالدراية الإسناد، والرواية هي المتن.
1 / 15
غاية علم المصطلح
غاية علم مصطلح الحديث: هي تمييز الصحيح من السقيم من الآثار والأخبار، سواء كان ذلك من المرفوع أو الموقوف أو المقطوع.
والمرفوع هو ما كان من كلام النبي ﷺ وأفعاله وتقريراته وصفاته الخلقية والخلُقية.
وما كان من الأخبار أو الآثار موقوفًا فإنما هو من قول الصحابي أو فعله أو تقريره.
وأما ما كان مقطوعًا فهو ما كان موقوفًا على من هو دون الصحابي، أي: التابعي ومن دونه.
ولا يقال لإسناد إنه إسناد إلا إذا كان فيه ثلاث طبقات، وهذا أقل ما يُطلق عليه مصطلح الإسناد.
والصحة والسقم حقيقة في الأجسام ومعنى في غيرها، ويقال: فلان صحيح وفلان سقيم، ولكن استعير هذا المعنى من حقيقته فكان مجازًا في غيره من الأشياء، فعندما نقول: هذا حديث صحيح، أو قوي، أو جيد، أو حسن؛ فإنما هو من باب المعنى لا من باب الحقيقة.
والشق الثاني من غاية هذا العلم هو الفوز بسعادة الدارين: دار الدنيا ودار الآخرة، ولا شك أنه لا يفوز في الدنيا بهذا الحديث إلا من عمل به، ومن كان من العاملين بعلمه في الدنيا فلا شك أنه من الفائزين بفضل الله ورحمته، وإن كان غير ذلك في الدنيا فهو في مشيئة الله ﷿ إن شاء عذبه وإن شاء عفا عنه وأدخله الجنة.
فغاية هذا العلم من شقين: الأول: التمييز بين الصحيح والسقيم.
والثاني: الفوز بسعادة الدارين.
1 / 16
استمداد علم مصطلح الحديث وفضله
استمد هذا العلم من الكتاب والسنة، فأصله موجود في الكتاب والسنة.
والسنة عند الإطلاق يقصد بها أقوال النبي ﵌، ومنها حديث: (نضّر الله امرأ سمع منا مقالة فوعاها -أو فحفظها- فأداها كما سمعها)، أي: لم يزد فيها ولم ينقص، وسواء كان هذا الأداء باللفظ أو بالمعنى على خلاف بين أهل العلم.
ويقول النبي ﷺ: (من حدّث عني بحديث يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبِين، أو الكاذبَين).
ويقول النبي ﷺ: (تسمعون ويُسمع منكم).
ويقول الله ﷿: ﴿إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا﴾ [الحجرات:٦].
وفي قراءة: (فتثبتوا)، وهذا أمر بالتثبت، وما أكثر ما حض الله ﷿ على اتخاذ شهود عدول في القرآن الكريم، ووصفهم بالعدول، وشرط العدل في الرواية.
ولذلك أجمع أهل العلم إلا الأحناف -وقيل أبو حنيفة على وجه الخصوص- أنه يشترط في الشاهد العدالة، أبو حنيفة أجاز شهادة الفاسق، وقال: لعموم البلوى، وانتشار الفساق في القرن الثاني، فما بالكم بالقرن الذي نحن فيه، نسأل الله العافية! وفضل هذا العلم قد ذكرناه في بداية المحاضرة.
1 / 17
واضع علم مصطلح الحديث
وأما واضعه فأول من جمع قواعد الرواية أبو محمد الرامهرمزي في كتاب المحدث الفاصل، ولكن كتابه مبعثر وغير مرتب، فأحيانًا تجد المصطلحات البسيطة التي نأخذها في البداية موجودة في آخر كتابه، ومسائل من آخر العلم موجودة في بداية كتابه، وغير ذلك.
وأتى بعد ذلك ابن الصلاح فقنن القوانين وأصّل الأصول وقعد القواعد في مقدمته، ولكنه لم يستوعب جميع مسائل هذا العلم، ثم اشتغل العلماء بعد ذلك بشرح وترتيب وتصنيف وتبويب هذا الكتاب، حتى اشتهرت مقدمة ابن الصلاح، بحيث إنك لو سألت طلبة العلم: من أول من وضع هذا العلم؟ لقال لك: ابن الصلاح، ونسي الرامهرمزي؛ لأن كتابه في الحقيقة قليل النفع إذا قورن بكتاب مقدمة علوم الحديث لـ ابن الصلاح.
وليس معنى أنه قليل النفع أنه لا ينتفع به أبدًا، بل بالعكس، ففيه مسائل لا تجدها في غيره، ويكفي أنه كتاب في قوانين الرواية مسندًا، يعني: يرويه بإسناد، وهذه ميزة لا تتوفر في أي كتاب صُنف في أصول الرواية مطلقًا، فلم يصنف أحد في أصول الراوية كتابًا مسندًا إلا أبا محمد الرامهرمزي.
ثم بعد ذلك تتابع العلماء وتكاثروا في التصنيف في هذا الفن وفي هذا الشأن.
ومنهم من اهتم بقوانين الرواية، ومنهم من اهتم بالآداب التي ينبغي على الراوي والمستمع أن يتحليا بها، وبرز في هذا الشأن الخطيب البغدادي رحمه الله تعالى، فإنه صنف في كل فن يمس الرواية، سواء من حيث القوانين أو من حيث الأدب، وأشهر كتاب له وأجمعه في قوانين الراوية كتاب الكفاية، وقوانين الرواية هي: الأصول العلمية والقواعد الكلية لعلم مصطلح الحديث، وصنف كتابًا عظيمًا غزير الفائدة في أدب الرواية، أي: فيما ينبغي على العالم والمتعلم أن يتحليا به من أخلاق وآداب، سواء كانت هذه الأخلاق والآداب مع الله ﷿، أو مع طلبة العلم، أو مع الكتب التي يتعامل معها؛ سواء العالم أو المتعلم.
اسم هذا العلم هو: أصول الحديث، ومصطلح الحديث، وأصول الرواية، ومصطلح أهل الأثر.
1 / 18
حكم تعلم مصطلح الحديث
تعلمه فرض كفاية، إذا قام به البعض سقط الإثم عن الباقين، فإذا لم يقم به أحد أثم من كان بإمكانه أن يتعلم فتقاعس.
وحكم أي علم فرض كفاية، ولكن الشروع فيه يجعله فرض عين، فإذا تعلمت علم أصول الفقه مثلًا أو شرعت في تعلمه، ثم آنست من نفسك الرشد والتقدم في الطلب في هذا الباب، وزكّاك من كان أهلًا للتزكية بأنك كفؤ لهذا العلم؛ فإن تقاعست ورجعت مرة أخرى فأنت آثم.
ولا يجوز لك في هذه الحالة أن تقول: سأتركه، فإنما هو فرض كفاية، نعم كان فرضًا كفائيًا عليك قبل أن تشرع فيه، ولكن بشروعك فيه وجب عليك أن تستمر فيه.
1 / 19
مسائل علم مصطلح الحديث ونسبته إلى غيره من العلوم
مسائله: هي المسائل المتعلقة بالسند والمتن من حيث القبول والرد.
وأما نسبته فهذا العلم مباين للعلوم الأخرى تمامًا؛ لأن له قواعده وأصوله الخاصة به، فهو مباين للعلوم الأخرى ومخالف لها، فمسائله غير مسائل أصول الفقه، وغير مسائل الفقه، وغير مسائل اللغة العربية.
1 / 20