بقي زربة في القرية شهرين دون عمل حتى جاءه المقاول نعمان دحان من قرية الأثاور، وفاجأه بخبر حصوله على عطاء لبناء مدرستين لتحفيظ قرآن للفتيات في قرية القرن وقرية الدقم القريبة منهم، وأوكله في بناء المدرسة التي في قريته، وحدثه عن قيامه ببناء العديد من مدارس تحفيظ القرآن في مناطق عدة: تعز، أبين، لحج ... قال زربة: سبحان الله مقسم الأرزاق. كان حظي بناء المساجد في المنطقة، وحظك أنت مدارس تحفيظ القرآن.
بلغ زربة الخمسين من العمر، وقد فقد متعته التي يحبها وهي الحلاوة. لم يعد يجد أقراص الساريدون متوفرا، فراح يخفف ألمه بأقراص بروفين بكميات كبيرة. حين سافر إلى تعز ساعد ناجي المقشش في حمل زوجته جليلة إلى طريق السيارات؛ لعلاجها من مرض سرطان الثدي، بعد مضي خمس سنوات على وفاة ابنتها الأولى بنفس المرض.
تغيرت الأحوال وأصبح تجار تعز يشترون البضائع من صنعاء وريدة، بدلا من المخا والحديدة. وجد زربة سائق الناقلة عبد الملك في شارع عصيفرة متوجها إلى صنعاء؛ لنقل بضاعة إلى تعز فاصطحبه معه؛ ليسليه بحكاياته في الطريق. اشترى عبد الملك قات صهباني من مدينة القاعدة. تفاجأ زربة وهو يشاهد مزارع القات على جانبي الطريق التي حلت محل الذرة والدخن. مضغ القات ثم راح يسرد حكاية من حكايات عمه قاسم، حين تمثل جنيا في الليل لأهل قرية الشرف، بعد أن دخل خلسة بيتا حديث البناء لم يسكنه أحد، وأخذ يرميهم بالجمر والرماد، فاعتقد أهل القرية أن الجن سكنوا البيت قبل دخول مالكها عبد الرحيم. خرج قاسم خلسة وبعض أهالي القرية جالسون حول الدار يقرءون القرآن، أحدهم نصح عبد الرحيم أن يقيم مولدا لابن علوان؛ فبيته فوق ضاحة الجن. لامه بعضهم على عدم ذبح أضحية عند تأسيس البيت. في اليوم الثاني ذبح عبد الرحيم ثورا وعمل مولدا لمدة ثلاثة أيام في البيت لطرد الجن.
وصل السائق جبل سمارة ونزل يشتري قات مريسي، ولما وصلا إلى بيت الكوماني توقف في السوق، واشترى ثلاث حزم كبيرة من القات العنسي هدية لأصحابهما في صنعاء. وصلت الناقلة إلى مشارف صنعاء وزربة يشاهد القات على شمال ويمين الطريق، وهو مغطى بشباك لحمايته من الصقيع. قال: يا عبد الملك، بلادنا أرض الجنتين من صدق، القات على يميني وشمالي، أحمد الله أنه خلقني في اليمن. - لو تشوف منطقة أرحب، شيعجبك أكثر. قلعوا العنب وزرعوا قات؛ لكن قات مليح!
وصلت الحافلة الحي السياسي في صنعاء، سمع زربة صوتا يناديه باسمه الحقيقي: يا أحمد صالح ... ناداه عدة مرات فلم يلتفت زربة إليه، ثم قال: يا زربة ... مو قدك
21
أصنج؟
22
كان ذلك الرجل أحد أصدقائه القدامى، نسي زربة اسمه الحقيقي؛ فزوجته تناديه بزربة وكذلك أولاده دلالا فيه. في صباح اليوم التالي أخذ السائق حمولته، وتوجها إلى الحديدة وهما في منطقة مناخة اشتريا قاتا حرازيا، الذي بدأت هذه المنطقة تتخلص من زراعته تحت تشجيع منظمات دولية لاستبداله بزراعة البن. وصلا باب الناقة قرب مدينة باجل والصمت يسود بينهما ثم بدأ السواق يبكي. سأله زربة: ليش تبكي يا عبد الملك؟! - ذكرت أبي، الله يرحمه.
مسح السائق عينه وأخذ القات ليرمي به، فهتف زربة: لا، لا أعطيني القات أنا شنتقم لك منه. قده مثل القات السامعي بكاني مرة في عدن.
ناپیژندل شوی مخ