18
ذات يوم تفاجأ زربة برجل يقف بجانبه، لحيته طويلة، يلبس ثوبا أبيض اللون ومعطفا وعلى رأسه شال. في البداية لم يعرفه وكان ذلك الرجل هو محمد مدهش، اليساري المتطرف. ضحك زربة وقال: أيش جننت، مو هذي اللحية؟! أحسبك
55
في سجن الأمن الوطني ... ههههه.
فقد كان من السائد عند الأهالي في منطقة الحجرية، أن أي شخص يطلق لحيته فجأة يظنون أنه أصيب بحالة نفسية أو بالجنون، ففي تلك الفترة كانت هذه المنطقة مناهضة لحركة الإخوان المسلمين.
سار مدهش يدعو أصدقاء الماضي؛ زربة، ثابت ناجي، وسعيد النجار إلى التوبة إلى الله، ونصحهم بالصلاة. كان زربة مندهشا من هذا التغيير المفاجئ، يفكر «كيف حدث هذا، وهو الذي كان يكره الإخوان، هل أجبره الأمن الوطني سابقا بالعمل معهم؛ لينقذ نفسه من الهلاك؟ هل كان إخونجيا وجاسوسا ضد الجبهة واليسار؟» أمر حير زربة تماما. الأمر الذي يكرهه ويدعو إلى الدهشة، هو أن مدهش راح يسمي أصدقاءه القدماء ومنتمي الجبهة الوطنية بالكفرة، كان يردد ذلك كثيرا في المسجد، ويحافظ على صلاته في الصف الأول. ذات يوم سمع زربة مدهش يخطب في مسجد الحي، يدعو الناس إلى الجهاد في سبيل الله، وعلم أنه تزوج زوجة أحد الشهداء. حين التقى به سأله: عادك
56
ضابط؟ - نعم، ترقيت، لكني فضلت الدعوة إلى دين الله.
بقي زربة يتتبع كغيره تفاقم المعارك، وخاصة في صيف عام (1980م) في منطقة خبان محافظة إب، بين مقاتلي الجبهة الوطنية من جهة، وأنصار الإخوان المسلمين والجيش من جهة ثانية، وإسناد قيادة الإخوان إلى أشخاص ينتمون إلى نفس المناطق التي فيها المواجهات. كان محمد مدهش يغيب عن المسجد أياما، فيسأل زربة نفسه: «ترى هل يقاتل مع أصدقاء اليوم ضد أصدقاء الأمس؟ وهل حصل على لقب شيخ بعد إعلان المشايخ انضمامهم إلى جانب فرق الجبهة الإسلامية، التي أدت إلى تسريع هزيمة الجبهة الوطنية؟»
كان زربة يرى أن السياسة لعبة قذرة، خصوصا بعد أن رأى نديمه وصديقه الذي علمه أشياء كثيرة عما يدور في البلاد، قد تلون بلون آخر. شعر زربة كغيره بارتياح كبير، حين انتهى الحوار بين الرئيس علي عبد الله صالح وممثلي الجبهة الوطنية، إلى بحث مشاركة الجبهة في إدارة البلاد، ووافق الرئيس على ضم عناصر من الجبهة في الحكومة، على ألا يأخذ ذلك طابع التمثيل الرسمي للجبهة. لم يأت منتصف يونيو (1982م) إلا وقد انتهت الحرب بين الحكومة والجبهة الوطنية، التي حصدت آلاف الأرواح على مدى خمس سنوات، وهي المدة الزمنية نفسها التي دارت فيها الحرب بعد ثورة (1962م) بين الملكيين والجمهوريين.
ناپیژندل شوی مخ