1
بالقات. وفعلا تحققت أمنيتك، وكان يومك الأخير يوم أن سقطت في سوق القات صريعا وأنت تشتري دفعة أخرى من القات. لكنك لم ترحل وحيدا في تلك اللحظة، فقد رحلت معك أنفس كثيرة.
كنت طاحون قات كغيرك من الناس، لكنك كنت الأكثر إدمانا فيهم. سألتك ذات مرة: كيف ستعيش يا زربة لو منع القات من البلاد؟ فضحكت ضحكة هستيرية، وحين توقفت عن الضحك قلت لي: لا تحلم كثيرا، من يحاول قلعه سيقلع هو أولا. لقد تأخرت ثلاثين عاما عن كتابة قصتك، بعد أن شق كل منا طريقه في الحياة. وجدت دنياك وجنتك حول شجرة القات، وأنا هجرت مهنة الطب بعد أن أخل الطبيب بقسمه العظيم، وذهبت لشحذ أقلامي لأكتب عن أوجاع الآخرين، وأبث فيها وجعي أنا أيضا. سأروي حياتك للناس من أول يوم بكيت فيها حقا، يوم أن عرفت بمقتل صديقك ناصر.
الضحى
تستوي قامة الشمس ضحى؛ لتحتضن العالم بفرح طفولي غامر. ***
1
كان زربة هو وعمال آخرون يقومون ببناء منزل في الضاحية الغربية من صنعاء مع المقاول عبد المجيد العريقي، في تلك الساعة المشئومة من يوم الأربعاء الثاني من يونيو (1976م) سمع زربة بمقتل ناصر أخي المقاول، على يد أبيه بجنبيته (خنجر) في القرية. تفاجأ بالخبر وبقي برهة شارد الذهن ودموعه تنهمر دون أن يتوقف عن العمل. أخرج قطعة الشمة المحشوة تحت شفته السفلى، وأخذ يحدث نفسه والحزن يدمي قلبه: «الآن عمل وفي المساء نداوي الحزن بالكأس.» وأخذ يردد بصوت مسموع: الله يرحمك يا ناصر ...
في الساعة الخامسة مساء أخذ يتحسس جيوبه تتقمصه سحابة من الحزن يحدث نفسه «ستكفي لشراء قارورة جان ويكر؛ أطفئ بها حزني على صديقي، فالقات لن يكفي لذلك.» ذهب واشترى قارورته المفضلة من بقالة تبيع الخمر خفية ... ثم تناول وجبة العشاء: خمس «كدم»، مدرة
1
فول، كوب شاهي، فلفل أحمر. ثم ذهب هو ورفيقا السهرة سعيد النجار ومحمد مدهش إلى سكن ثابت ناجي، وهو دكان إيجار في شارع ترابي قريب من عمله، فغالبا عمال البناء يسكنون في أطراف المدن. كان الدكان دون حمام، ضيقا ومنخفضا قليلا عن مستوى الشارع، بابه الخشبي حفر الزمان فيه آياته، فيه ثقب يمكن للمرء أن يتلصص من خلاله. أربعتهم من قرى متجاورة من جبال الحجرية، وقد سمعوا بمقتل ناصر على يد أبيه، تلك الجرائم التي لا تحدث إلا نادرا في قراهم المسالمة.
ناپیژندل شوی مخ