كان ذلك اليوم حافلا بالضحك، كل يتحدث عن نفسه عما جرى له من الثور، ويضحك على سلوك الآخرين وهم يفرون مذعورين منه.
10
عاد زربة إلى داره يحمل حزمتين كبيرتين من القات مجانا من الجزار، الذي وعده بخمسة كيلو من لحم الثور مجانا يوم الجمعة. أثناء دخول زربة المطبخ اصطدم رأسه بأعلى الباب فسقطت عمامته، وكرر عبارته التي يقولها كلما اصطدم رأسه بالباب: سأرفع سقف المطبخ. وجد اللحم على النار، سكب ملء جفنة قدر كيلو ليطعمه. وبعد نصف ساعة قدمت صفية ما تبقى من اللحمة مع الفتة وتبقى قليلا للعشاء، ثم تناول كمية كبيرة من الحلاوة. ذهب يتفحص القات ثم رتب مجلسه المعتاد، أمام المداعة التي توضع في كوة داخل الجدار طولها متر ونصف، ومد قصبتها طولها حوالي أربعة أمتار لتصل إلى أطراف الغرفة. حضر والده ووالدته والحطاب وزوجته مريم وجلسوا معا، أتت صفية تشاركهم وقد أحاطت حول خديها بمشقرين
31
من زهور النرجس. جلست كل زوجة بجوار زوجها، وأخذوا يمضغون القات ويناولون المداعة من شخص إلى آخر. كان زربة يشعر بالنشوة حين يعلو صوت المداعة، يمج دخان التبغ وينفثه سحابة كبيرة من فمه وأنفه كتنين. لا يستطيع أحد في القرية أن يخرج كمية ذلك الدخان من أنفه مثله. كان يراهنهم ويكسب الرهان، فلم يعد أحد يراهنه على شيء، ففي أحد المرات أكل ثلاثة كيلو حلاوة. ومرة التهم عشرة علب من الخوخ، ومرة شرب عشرين بيضة دجاج. في أحد المرات قال لمنصور النحال: أيش
32
رأيك تراهنني على شرب رطلين عسل من عسلك؟ شدفع ضعف القيمة لو ما قدرتش.
33
رفض منصور فهو يعرف مقدرة زربة. قامت صفية من جوار زربة بعد أذان العصر مثقلة بحملها، فلحقت بها بقية النساء، ولم يشعر زربة بانصرافهن؛ فقد كان يحلق في سموات القات، يضع حجر الأساس لقصر على أرض واسعة ، ويزرع حوله الفواكه والقات الهرري الذي طال حتى أخذ يقطف منه وهو مطل على النافذة. ذلك القات الذي تذوقه ذات يوم، ولم ينس طعمه، فتمنى أن يأخذه بساط الريح إلى الحبشة. سعل بقوة بعد أن مج كمية كبيرة من دخان النارجيلة، فأخرجه من التحليق في عالمه. خرج والده والحطاب عند غروب الشمس، وذهب هو يتناول عشاءه، ثم صعد إلى سطح الدار مرتديا ثيابا خفيفة ليتأمل النجوم. نزل بعد ساعة وقد جهزت له صفية النارجيلة مرة أخرى وبدأ سهرته الليلية.
حضر سعد الوطواط ليسمر معه، هذا الرجل لا توجد مشكلة في القرية إلا وله يد فيها. يجد سلوته في زرع الفتن بين الأهالي. وحضر أيضا سعيد فارع، الرجل الطيب الملقب بالإبرة، لحيائه الذي يمنعه من المطالبة بما يتبقى له من أجرة عمله عند أرباب العمل، وهو بناء ممتاز، وعبد القوي قارئ الموالد، وناجي أحمد المقشش، وثابت المداح أتى بدفه؛ ليطرب زربة بعد غيابه الطويل عن القرية بمديحه للرسول، والتغني بسيرة الزير سالم وعنترة بن شداد، وغيرهم من أبطال العرب القدماء، وكذلك حضر عبده راجع ومنصور النحال، وعلي الدحان. تحدثوا بأشياء كثيرة ثم دار الحديث عن اللص «عبادة»، وسرقاته خلال الشهرين الماضيين، وعن المتعاونين معه من أبناء القرية، كخالد ابن المرحوم عبده ناصر الذي يقدم له الطعام والماء، حين يمر على القرية ليلا، لكنه ينكر تعاونه معه.
ناپیژندل شوی مخ