فاقتعدت كرسيا دون أن تخلع ملاءتها وقد ارتاح جسمها إلى مسنده ومقعده الطريين، وتمتمت بلهجة تنم عن التحذير: ينبغي ألا أتأخر!
فمضى إلى مائدة أنيقة وسط الحجرة قام عليها «ترموث» وفض سدادته وأفرغ منه في قدحين (شراب الليمون المثلوج)، وقدم لها قدحا وهو يقول: سيعود بك التاكس في دقائق.
وشربا معا حتى رويا، ثم أعاد القدحين إلى المائدة، وفي أثناء ذلك استرقت إليه نظرات فاحصة، سبرت بها جسمه الفارع الرشيق، وثبتت عيناها غير قليل على يده، فراعها جمالها وجاذبيتها .. كانت جميلة التكوين، رشيقته، سبطة الأنامل، توحي بالقوة والجمال معا، فنالها منها تأثير عجيب لم تجده لغير نظرته من قبل. وجعل يطيل النظر إليها مبتسما ابتسامة رقيقة كأنما يطمئنها ويشجعها، ولكنها لم يداخلها ظل من الخوف؛ وإن توترت أعصابها قليلا من الحذر والتوجس والتوثب، وذكرت الأصوات التي سمعتها حال دخولها الشقة، فعجبت كيف نسيتها؟! وسألته: ما هذه الضوضاء في الشقة؟
فأجابها قائلا وكان لا يزال واقفا قبالتها: بعض الأهل، وسوف تعرفينهم في الوقت المناسب .. لماذا لم تخلعي ملاءتك؟
وكانت ظنته يقيم بمفرده حين دعاها إلى بيته، فعجبت كيف يقودها إلى بيت مأهول؟! وتجاهلت سؤاله الأخير، ولبثت ترنو إليه بسكينة وتحد، ولم يعاود سؤاله، ولكنه اقترب منها حتى مس حذاؤه شبشبها، ومال نحوها قليلا ثم مد يده إلى يدها فشد عليها، وجذبها برقة وهو يقول: هلمي نجلس على الكنبة.
ولم تمانع .. فنهضت قائمة إلى حيث جلسا جنبا لجنب على كنبة كبيرة. وكانت تتقاسمها في تلك اللحظة مشاعر الميل إلى الرجل الذي تحبه، وأحاسيس التحدي للرجل الذي قد تمنيه نفسه بأنه قادر على الضحك على ذقنها. واقترب الرجل منها رويدا حتى لاصقها، ثم أحاط خاصرتها بذراعه، وهي مستسلمة ساكنة لا تدري متى يحق لها المقاومة .. ومد يسراه إلى ذقنها فرفع ثغرها إليه وهوى بفمه متمهلا كأنه ظمآن يكرع من جدول، حتى التقت الشفاه .. وطال التقاؤهما كأنما أخذتهما سنة من الغرام. وأما هو فكان يستجمع حرارته وقوته في شفتيه لينفذ بهما إلى ما يريد، أما هي فكانت تسكر وتثمل، إلا أن توثبها أفسد عليها رقية السحر التي تحرق شفتيها فظلت متنبهة متربصة، وأحست يده تسترخي عن خاصرتها، وترتفع إلى منكبها، ثم تهفو الملاءة عنه، فخفق فؤادها بعنف، وتصلب عنقها مبتعدا عنه، وأعادت الملاءة بحركة عصبية إلى موضعها وهي تقول بجفاء: كلا!
ونظر إليها بدهشة فوجدها تطالعه بنظرة جامدة تنطق بالإباء والعناد والتحدي، فابتسم متبالها وهو يقول لنفسه: «هي كما ظننت متعبة؛ بل متعبة جدا.» .. ثم خاطبها قائلا بصوت منخفض: لا تؤاخذيني يا عزيزتي فقد نسيت نفسي.
وأدارت وجهها عنه لتخفي ابتسامة ارتسمت على شفتيها سرورا بالظفر، ولكن ذلك لم يطل أمده، فقد وقع بصرها اتفاقا على يده، فأدركت لأول وهلة الفارق الكبير بين يده الجميلة ويدها الخشنة، وتولاها الحياء، ثم قالت له باستياء: لماذا جئت بي إلى هنا؟ .. هذا شيء سخيف!
فقال معترضا بحماس: هذا أجمل شيء فعلته في حياتي! .. لماذا تستوحشين من بيتي؟! أليس هو بالتالي بيتك أيضا؟!
ولاحت منه نظرة إلى شعرها وقد انحسرت عنه الملاءة، فأدنى رأسه ولثمه قائلا: لله ما أجمل شعرك! .. إنه أجمل شعر رأيته في حياتي.
ناپیژندل شوی مخ