فكيف تكون عائشة حاضرة في الثلاثة الأمكنة لتروي الكلام بتمامه أوله وأوسطه وآخره، وهي امرأة مأمورة بالبقاء في بيتها، ومستبعد دخولها بيت علي واطلاعها على ما يجري فيه من المحاورة، ومستبعد في ذلك الحين تدخلها في السياسة ومسايرة الأحداث والتنقل للبحث عما يجري، ومخالطة الأجانب مع هيبة أبيها وقرب العهد برسول الله وبعهد صيانة نسائه وسترهن ووقورهن في بيوتهن وبعدهن عن مخالطة الأجانب وحضور مجالسهم لغير حاجة، بل لمجرد الفضول والتعاطي لما هو من شأن الرجال خاصة.
رابعا: إن الإعتذار بأن يقول: إنا قد عرفنا فضلك وما أعطاك الله، يكون إقرارا بأن تخلفه عن البيعة مع علمه بأن الحق لأبي بكر دون علي عليه السلام وبذلك يكون واجب الطاعة يحرم التخلف عنه ثلاثة أشهر، في معنى الخلاف والشقاق، كما تشعر به الرواية هذه نفسها، فيكون ذلك إقرارا من علي عليه السلام بأنه كان مخطئا في التخلف عن البيعة في تلك الأشهر الماضية.
وهذا لا يتصور من علي عليه السلام لأن همه إرضاء الله تعالى ورغبته فيما يرضيه، ولا يلتفت في جنب ذلك إلى أمر دنيوي، ولا يصده عن الحق ما يصد غيره من الأغراض النفسية، حاشاه.
وهذا واضح عند من يعرف عليا عليه السلام، وإنما ينفق مثل هذه الرواية عند الأموية وأضرابهم وشيعتهم.
مع أن أبا بكر لو كان في الفضل على علي إلى هذا الحد لكان يحتج عليه عند ابتداء تخلفه عن البيعة أو يسأله: لم تخلف؟ فإذا أجاب بأنه استبد، اعتذر عن الاستبداد في أول الأمر قبل أن يطول الاستبداد أو تطول مدته، وحذرا من أن يسبب تخلف علي عليه السلام لريب في قلوب بعض الناس، فإن عليا كانت له المكانة العظمى، وإذا سارع إلى البيعة كان أقوى لأمر أبي بكر.
مخ ۳۰