ومع ذلك يعطي خصمها الحجة، ويعلمه -دونها- ما يدحض حجتها، ويسوغ له إغضابها؟!
فيجمع أبوها عليها حرمان الميراث، وحرمان تعليم الصواب فيما يخصها، وهي في أمس الحاجة إليه، وقد علم أنه يموت قبلها، فتجتمع عليها المصائب والمحن في موته الذي هو أعظم المصائب على كل مسلم، فضلا عن ابنته، ويضاف إلى ذلك حرمانها ميراثه، بحيث تصير بصورة الأجنبية عنه.
ثم يضاف إلى ذلك اعتقادها أن خصمها قد كذب على رسول الله وخالف كتاب الله ورد حكم الله، وذلك مما يحزن كل مؤمن يعلم صدوره، فضلا عن بنت رسول الله، أو مصيرها في مشكلة واضطراب.
وسبب ذلك كله كتمان أبيها عنها، وإعداد الحجة بيد خصمها، وهي لا تعلم.
هذا لا يكون أبدا، وحاشا رسول الله.
فهذه نكارة فاضحة للراوي، والأولى بها الزهري.
الوجه الثاني: أن مقتضى أول الحديث: أن المال ينقلب صدقة بموت رسول الله فلا يبقى على ما كان عليه حين كان له، يأخذ منه نفقة سنة ويتصدق بالفضلة.
ومعنى آخر الكلام يصنع كما كان يصنع رسول الله حين كان له .
فأبو بكر يريد إبقاء المال دون صرفه في مصارف الصدقة مع أنه قد صار على هذه الرواية صدقة كله.
وكأن المهم هو حرمان فاطمة والعصبة لا غير، وتوفير المال لأزواج النبي لعائشة وحفصة وسائرهن لا باسم صدقة لهن بل باسم أن رسول الله كان ينفق عليهن من هذا المال، ومن الواضح أنه ينفق على نسائه من ماله؛ لأنه ماله، وأنه على هذه الرواية قد صار صدقة بموته، فبطل سبب الإنفاق عليهن منه.
فهذا تناقض ظاهر، يؤكد هذا ويوضحه ما أخرجه البخاري في صحيحه في تفسير سورة الحشر(1) عن الزهري عن مالك بن أوس بن حدثان عن عمر رضي الله عنه قال: كانت أموال بني النضير مما أفاء الله على رسوله مما لم يوجف المسلمون عليه بخيل ولا ركاب، فكانت لرسول الله خاصة ينفق على أهله منها كفاية سنة، ثم يجعل ما بقي في السلاح والكراع عدة في سبيل الله. انتهى.
مخ ۲۷