122

والجواب: أنه بعيد؛ لأن عبارة التنزيه أن يقول: (لم يشك إبراهيم أو يقول: هو أبعد منا عن الشك)؛ لأن التنزيه أن ينفي عنه الشك أو يأتي بعبارة تفيد نفيه، ولا يفيد نفيه إلا أن يقول: (هو أبعد عن الشك) مثلا فأما أن يقول: ((نحن أحق بالشك)) فليس نفيا للشك، بل هو تقريب لوقوعه.

نعم لو قال: (نحن احق بالشك من إبراهيم لو شك) لصح ذلك نفيا للشك من أجل زيادة (لو شك) لأنها تدل على امتناع الشك، فأما مع عدم هذه الزيادة فليس في الكلام نفي للشك.

والفرق بين قوله: ((نحن أحق بالشك)) من دون زيادة (لو شك) وبين قولك: (نحن أحق بالشك لو شك) بزيادة (لو شك) كالفرق بين قولك: (أنا صديقك) وقولك: أنا صديقك لو أحسنت إلي) فإن الفرق واضح.

فالتأويل الذي ذكروه تعسف.

وقد جعلوه من التواضع!

وهذه شر من الأولى؛ لأن رسول الله لا يكذب للتواضع، فكيف يقول -كما زعمتم-: إنه أحق بالشك، مع أنه أبعد عنه، ولكنه قاله تواضعا؟! فهل هذا إلا تكذيب للرسول؟

مع أنه يجعل العبارة قاصرة لا تليق بمن هو أفصح العرب وأبلغها، وذلك لأن الكلام إذا كان مسوقا لنفي الشك عن إبراهيم عليه السلام فإن مقتضى الحال ذكر ما يفيد النفي؛ لأنه محط الفائدة الذي سيق له الكلام، وذلك طريقة حسن البيان، فأما أن يذكر ما يوهم عدم البراءة من الشك، ويحذف ما يفهم البراءة الذي هو كلمة (لو شك) مثلا فليس ذلك من حسن البيان، بل هو قصور في العبارة، ومخالفة لطريقة حسن البيان، وذلك لا يليق نسبته إلى رسول الله؛ لأنه لا يليق به إنما هو شأن أهل العجز والعي كقول الشاعر:

والعيش خير في ظلال النو ... ك ممن عاش كدا

بل أضعف منه وأبعد عن حسن البيان من هذا البيت الذي أراد صاحبه أن العيش الناعم في ظلال النوك -أي الحمق- خير ممن عاش كدا في ظلال العقل.

مخ ۱۱۰