88
وكان عدد هؤلاء الزنوج كثيرا، وفيهم شجاعة نادرة ومران على القتال. وفي بعض الوقائع الحربية انضمت الفرقة السودانية في الجيش العباسي إلى إخوانهم الزنوج فزادوهم قوة. وقد تملكوا في بعض الأحيان «الأبلة» و«عبادان»، والأهواز ثم البصرة، وواسط والنعمانة ورامهرمز.
وكانوا يهزمون الجيوش العباسية المرة بعد المرة، واغتنوا، وأصبح الزنوج يملكون البيض بل خير من البيض. يقول المسعودي: «وقد بلغ من أمر عسكره - أي عسكر صاحب الزنج - أنه كان ينادى فيه على المرأة من ولد الحسن والحسين والعباس من ولد هاشم وقريش وغيرهم من سائر العرب، وأبناء الناس، تباع الجارية منهن بالدرهمين والثلاثة، وينادى عليها بنسبها هذه ابنة فلان الفلاني، لكل زنجي منهم العشرة والعشرون والثلاثون، يطؤهن الزنج ويخدمن النساء الزنجيات كما تخدم الوصائف. ولقد استغاثت إلى علي بن محمد - صاحب الزنج - امرأة من ولد الحسن بن علي بن أبي طالب كانت عند بعض الزنج، وسألته أن ينقلها منه إلى غيره من الزنج أو يعتقها مما هي فيه، فقال: هو مولاك وأولى بك من غيره.»
89
وأخيرا تغلب عليهم الموفق - أخو الخليفة المعتمد على الله - وابنه أبو العباس - الذي صار فيما بعد خليفة ولقب بالمعتضد - وقتل صاحب الزنج بعد أن خرب الزنج كثيرا من البلاد، وأفنوا كثيرا من الناس. وقد قتلوا من أهل البصرة وحدها في وقعة واحدة ثلاثمائة ألف. «وقد تكلم الناس في قدر ما قتل - على يد الزنج - في هذه السنين - الأربع عشرة - من الناس فمكثر ومقل، فأما المكثر فإنه يقول: أفنى من الناس ما لا يدركه العد، ولا يقع عليه الإحصاء، ولا يعلم ذلك إلا عالم الغيب ... والمقل يقول: أفنى من الناس خمسمائة ألف، وكلا الفريقين يقول في ذلك ظنا وحدسا إذا كان شيئا لا يدرك ولا يضبط».
90
وقد سقنا هذا كله للدلالة على قوة هذا العنصر الزنجي وخطره في ذلك العصر، وبجانب هذا كانت لهم ناحية اجتماعية لها قيمتها ... وكانوا يطلقون كلمة السودان على ما يشمل الأحباش، وقديما اتصل هؤلاء السودان بالعرب فكان منهم بلال الحبشي مؤذن رسول الله، ومنهم سعيد بن جبير سيد التابعين الذي قتله الحجاج، وكان من أشعر شعرائهم في العصر الأموي الحيقطان، وقد هجا جريرا وفخر عليه بالزنج، فقال:
والزنج لو لاقيتهم في صفهم
لاقيت ثم جحاجحا أبطالا
وكان الزنج يفخرون بطلاقة اللسان، وكثرة الكلام، وشدة الأبدان، والسخاء، وقلة الأذى، وطيب النفس، وضحك السن، وحسن الظن.
ناپیژندل شوی مخ