157

ظهر اسلام

ظهر الإسلام

ژانرونه

ن فقدانا كقد

فطرب أبو عبد الله طربا شديدا، فعابوه على ذلك، وقدحوا في دينه وألصقوا به الريبة.

54

وظاهرة أخرى وهي أن كثرة المجون، والخلاعة، واللهو واللعب في هذه الأوساط الاجتماعية أنتجت شاعرين يمثلان هذا أشنع تمثيل، وهما: ابن حجاج وابن سكرة؛ فابن حجاج قال فيه الثعالبي: «إنه في شعره لا يستتر من العقل بسجف، ولايبني جل قوله إلا على سخف ... يمد يد المجون فيعرك بها أذن الحزم، ويفتح جراب السخف فيصفع بها قفا العقل.» وقد استعمل في شعره بعض ألفاظ العوام، وشبه أفظع التشبيهات وأشنعها، ومع هذا كله راج شعره رواجا كثيرا، فكان يباع ديوان شعره من خمسين دينارا إلى سبعين، ونفق شعره عند العامة والخاصة «فكانت تتفكه الفضلاء بثمار شعره، وتستملح الكبراء ببنات طبعه، وتستخف الأدباء أرواح نظمه، ويحتمل المحتشمون فرط رفثه وقذعه ... ولقد مدح الملوك والأمراء والوزراء والرؤساء، فلم يخل قصيدة فيهم من سفاتج هزله، ونتائج فحشه، وهو عندهم مقبول الجملة، غالي مهر الكلام، موفور الحظ من الإكرام والإنعام».

ومثله ابن سكرة، قال فيه الثعالبي أيضا: «فائق في قول الملح والظرف، أحد الفحول الأفراد، جار في ميدان المجون والسخف ما أراد.»

ولم يتحرجا من أن يقولا أقبح المعاني في أصرح لفظ، ومع ذلك جرى شعرهما في الناس، واختار الثعالبي منه أخفه، وهذا الأخف مقذع شنيع؛ فرواج هذا الشعر أكبر دليل على ما وصل إليه الانحلال الخلقي في هذا المجتمع.

هذه الصورة للأدب تصور الحياة الاجتماعية في نعيمها وترفها، ولهوها ومجونها. وثم وجه آخر هو الفقر والبؤس والتحايل على كسب العيش انعكست صورته على الأدب أيضا.

من ذلك أن جماعة رأوا حياة الأغنياء والتجار والأدباء والعلماء في حرج وشدة، فالأغنياء يصادرون، والتجار ترهقهم الضرائب، والأدباء والعلماء لا يجدون ما يأكلون إلا إذا اتصلوا بأمير، فاتخذوا وسيلتهم في كسب العيش التسول عن طريق الأدب الشعبي أحيانا، والنصب والاحتيال أحيانا، ووجدت طائفة كبيرة من هذا القبيل سموا الساسانيين أو بني ساسان، أو أهل الكدية.

وساسان هذا قد رووا فيه أقوالا مختلفة، فمن قائل إنه ساسان بن أسفندريار، كان من حديثه أنه لما حضر أباه الوفاة فوض أمر الحكم إلى ابنته، فأنف ساسان من ذلك، واشترى غنما وجعل يرعاها، وعير بأنه راعي الغنم، فقيل ساسان الراعي، وساسان الكردي، ثم نسب إليه كل من تكد «تسول» فيقال فلان بن بني ساسان. وقيل كان ساسان ملكا من ملوك العجم حاربه دارا ملك الفرس، ونهب كل ما كان له، واستولى على ملكه فصار رجلا فقيرا يتردد في الأحياء ويستعطي، فضرب به المثل. وقيل إنه كان رجلا فقيرا بصيرا في استعطاء الناس والاحتيال، فنسبوا إليه.

وكانت طائفة يتجول أفرادها في البلاد يستجدون ويحتالون، وكان عند بعضهم مقدرة أدبية يحتالون بها على الناس كشأن ما نسميهم في مصر «الأدباتية»، وعند بعضهم دهاء وحيل لابتزاز المال.

ناپیژندل شوی مخ