وهذه المحال العامة للمغنيات كان يتردد عليها الناس للسماع، ولم يتحرج منها حتى العلماء والأدباء والقضاة والأعيان والصوفية، فابن فهم الصوفي يسمع مغنية اسمها «نهاية» جارية ابن المغني، وابن غيلان التاجر يسمع غناء «بلور» جارية ابن اليزيدي، وأبو الحسن الجراحي القاضي يسمع غناء «شعلة»، وأبو سليمان المنطقي الفيلسوف الكبير وشيخ أبي حيان يسمع غناء صبي موصلي فتن الناس في عصره، وهكذا.
والظاهر من قولهم أن محال الغناء كان منها المتهتك الذي يناسب المعربدين، ومنها المتحفظ بعض الشيء الذي يناسب المتحفظين.
وما روي لنا يدل على أن الغناء في هذا العصر كان بالشعر العربي السهل القريب المعنى السائغ اللفظ والوزن؛ فقد روي أن قنوة البصرية كانت تغني مثلا:
يا ليتني أحيا بقربهمو
فإذا فقدتهم انقضى عمري
و«سندس» تغني:
مجلس صبين عميدين
ليسا من الحب بخلوين
قد صيروا روحيهما واحدا
واقتسماه بين جسمين
ناپیژندل شوی مخ