زبدة کشف الممالک فی
Zubdat Kashf al-Mamalik fi
ژانرونه
ويتعين عليه أيده الله أنه إذا كان له قصد فى إبقاء صاحب وظيفة على وظيفته ، ورأى الناس مجتمعون على عزله ونفوسهم نافرة منه ، فلا بذ من نقلته لغيرها ، تم يولى من هو دونه فلا بذ نفوسهم تسأمه ، ثم بعد ذلك يعزله ويولى الأول ، ويتعين عليه أيده الله أن يكون جيشه فرقا ، ولا يكون فرقة واحدة ، ويتعين عليه أيده الله تعيين جيش في كل سنة في فصل الربيع يتوجهون إلى أخر ملكه ، ويعودون ليحصل بذلك الرهبة فإن كان تم مفسدون قمعوهم ، وإن لم يكن فيخشى أحد من المفسدين أن يظهر نفسه ، وكذلك تجهيز أغربة مشحونة بالرجل والسلاح في البحر المحبط يتفقدون السواحل ، فمن وجده من قطاع الطريق قمعوه ، وإن لم يجدوا أحدا ، فيكون إرهاب من تقربهم إلى المين. والمتعين على الملك أيده الله فكثير ليس له غاية فتدرك ، ولا نهاية فيتطرق الإفهام إليها فتسلك ، فإن الله سبحانه قد افترض عليه أمورا لا بذ من القيام بوظائفها ، فيحلى نفسه الشريفة مهما استطاع بصفات عوارفها ، من عقيدة صالحة سوية ، وطريقة هادية ، مهدية ، وسريرة حميدة مرضية ، وأخلاق طاهرة رضية ، وأعمال صالحة زكية ، وهمة موفقة علية ، فإذا اتصف بهذه الصفات كان الله له عونا وعضدا ، وأقام له من ملائكته المقربين مددا وسلك به إلى بلوع كل سعادة وزيادة لا تنقطع أبدا.
وفضل الملك الذى هو بهذه المثابة لا يخفى عن ذوى الباب وبصائر ، وشأن كل أحد رعيته حسن التوسل إلى الله تعالى بتأييده ، ودوام ملكه بقلب راض ولسان شاكر ، وقد جمعت غالب هذه الأوصاف فى المقام الشريف الأعظم ، مالك رقاب الأمم ، سيد ملوك العرب والعجم ، صاحب السكة والخطبة والسيف والقلم، حاكم الأرض ، فى الطول والعرض ، القائم بما أوجب الله عليه من السنة والفرض ، سلطان الإسلام والمسلمين ، قامع الطغاة والمتمردين، خادل الكفرة والمشركين ، منصف المظلومين من الظالمين ، كهف الأرامل والمنقطعين، ملجأ الفقراء والمساكين، ولن أمير المؤمنين ، صاحب الديار المصرية ، والجزائز القبرصية ، والثغور الإسكندريه ، والأرض الحجازية، والحصون الرومية، والحكمة اليونانية ، والمملكة الثامنة والروم والأرمن، والجزائر والعدن، وتعز واليمن ، حاكم البزين والبحرين ، خادم الحرمين الشريفين ، حافظ الثغور الإسلامية وما أحاط ، وثغرتي الإسكندرية ودمياط ، المجاهد المرابط المغازى فى سبيل الله مولانا السلطان المالك الملك الظاهر ، أبو سعيد جقمق المدعو له على المنابر ، أعز الله أنصاره وأدام أيامه وأبقى آثاره وختم بالصالحات أعماله ، وأمد فى مدته ، ونصره وجميع جيوشه فقلت فيه ، يا من تصرف فى الممالك عادلا يتلطف منه وحسن تصرف سبحان من ولاك ملك بلاده بالنصر والتوفيق وسر الخفى أطفات نيران الحروب عن الورى كائوا يظنون أنها لا تنطفى وعلى ملوك الأرض أنت مفضل والحق عندك ظاهر لا يختفي يا ظاهرا بأبى سعيد قد سما لا تختشى كيد الأعادى واكتفى فكفى الأعادى والحواسد موتهم فى دلة وتحسر وتلهف فاحكم وسد فى الأرض مهما تشتهى إما بعغو منك أو بالمرهف يا من عليه جلالة ومهابة ووقاية مشهورة لا تختفى وله بتدبير الممالك خبرة بفراسة وسياسة وتلطف يا مالكى تدرى بفرط محبتى وسواك مولانا بها لم يعرف وأنا خليل بالدعاء مواظب لك بالبقا وبه لعمرك أكتف والله والله العظيم حقيقة متيقن والله أنك منصفى يا سائلى عن طاهر فى عدله خذ بعض ما فيه بنظم واقتفى وحياته وحياته وحياته قسما بغير حيائه لم أحلف إن البلاد بعدله فى نعمة ولاحلقن كذا بحق المصحف ما فى الملوك نظيره فى حكمه والناس فى أمن بغير تخوف والشرع منضور على أيامه جهرا بتدبير وحسن تصرف ويؤيد المظلوم فى حكمه من ظالم بالحق حتى يشتفى وعلى القراءة لا يزال مواظبا ومن البخاري يستفيد ويقتفى أدنى لأهل العلم قرب منازل يد يأنه منه ولين تعطف عطفت له كل القلوب محبة بالعدل والإحسان والعهد الوفى متوكل بهداية من ربه بالله من كيد الحوادث يكتفى متنزه عن بدعة وحوادث والى الظلالة في الهوى لم يحرف متكامل الأوصاف طود مهابة وشجاعة وصيانه وتعفف الله ينصره على طول المدا ويعمه بعناية فى الموقف فصل فى إقامة أدلة بعض ما شرط وما ورد فيه من الكتاب العزيز بالفاظه السنية النبوية تم صرحت به العلهاء في وقانعهم العلية ثم ما رسمته الحكماء في حكمهم المرضية وقيل في ذلك : من النكت المروية ، على وجه الاختصار بالالفاظ الجلية ، فما أوجبه من طاعة الله تعالى ، فتضمنه العقل والعدل ، لأن من لم يطع الله ليس بعاقل ومن ظلم ليس بمطيع . قال الله تعالى : { إن فى ذلك لآيات لقوم يعقلون) [سورة الرعد الأية 4] وزوى عن النبي ، أنه قال : [أول ما خلق الله العقل فقال له : أقبل فأقبل ثم قال له أدير فأدبر فقال: عز من قائل عزتى وجلالى ما خلقت خلقا أعز على منك بك ، أخذ وبك أعطى وبك أحاسب وبك أعاقب) . ويستدل على عقل الرجل بأمور ، منها ميله إلى محاسن الأخلاق ، وإعراضه عن رذائل الأعمال في إسداء صنائع المعروف ، وتجنبه عما يكسب عارا ويورث سوء سمعة خسارا قيل لبعض الحكماء : بم يعرف عقل الرجل) قال : بقلة سقطه في كلامه وكثيرة إصابته فيه ، فقيل له : فإن كان غائبا ، فقال : بأحد ثلاثة أسباب ، إما برسوله ، وإما بكتابه ، وإما بهديته ، فإن رسوله قائم مقام نفسه ، وكتابه يصف نطق لسانه ، وهديته عنوان همته وقيل: من أكبر الأشياء شهادة على عقل الرجل مداراته الناس ، ولا يستدل على عقل الرجل بحسن ملبسه ، وملاحة سمته وتسريح لحيته وكثيرة صلافته ونظافة بزه ، إذا لم تكن فيه فضيلة إذ كم من كنيف مبيض :. قال الاصمعي : رأيت بالبصرة شيخا وهو منظر حسن ، وعليه ثياب فاخرة وحوله حاشية وهرج وعنده دخل وخرج ، فأردت أن أختبر عقله فسلمت عليه ، وقلت له : ما كنية سيدنا فقال : أبو عبد الرحمن الرخيم مالك يوم الدين : قال الأصمعي : فضحكت وعلمت قلة عقله وكثرة جهله . وقيل: إن كسرى كان من عقلاء الناس ، وكان يقدم يونان الوزير على جميع وزرائه وأصحابه ويعظم أمره ، ولا يعتمد مع بقية الوزراء مثل ما يعتمد معه ، فقالوا : ما السبب في أن الملك يرجح علينا يونان ويقدمه؟ فقال لهم : ما معناه إن من خصه الله بكمال عقله وزيادة معرفته يقدم على نظرائه وأبناء جنسه ، وهذا يونان لما فوضت إليه أمر الملك تشاغلنا أياما بالصيد ، فكتب إلينا يقول : يعلم الملك أن خمسة أشياء ضائعة ، المطر فى الأرض السبخة، والسراج المشتعل في ضوء الشمس ، والمرأة الحسنة عند الرجل الأعمى ، والطعام الطيب عند المريض ، والرجل العاقل عند من لا يعرف قدره.
فعلمت أنه قصد بهذه الحكمة أن يوقظنى لتدبير المملكة فلما جثت من الصيد أحضرته ، وقلت له : صف لى ملوك الدنيا فى سيرتهم مع رعيتهم لاختار ما أعمل به منها فقال لى : الملوك ثلاثة ، واحد ينتصف لرعيته من نفسه ، ويتجاوز عنهم فلا ينتصف منهم لنفسه ، وذلك أعلامهم درجة وأكملهم سيرة ، وأقومهم عقلا وأدومهم ملكا ، وأطوعهم رعية وأعمرهم بلادا ، وأملكهم لقلوب رعاياه ، وواحد منهم ينتصف منهم لة وينتصف لهم من نفسه ، فهو أوسطهم درجة فإنه عمل بالعدل ، ولم يصل إلى درجة الفضل ، وواحد ينتصف منهم لنفسه ، ولا ينتصف لهم ، فهو أنزلهم درجة وأقبحهم سيرة وأخربهم بلادا لا تقز قلوب رعاياه عن الاضطراب ، وألسنتهم من التضرع إلى قيم العالم لإزالة ملكه وتعجيل هلكته فهذه سيرة الملوك في رعاياهم فانظر أيها الملك إلى هذه الثلاثة ، واختر لنفسك ما أردت منها وأنا أعلم أن الملك لا يختار لنفسه إلا سيرة الأول ، لأن نفس الملك شريفة وهمته عالية، فهو يرغب إلى ارتقاء أعلى الذرجات ، ويميل إلى اقتناء حميد الذكر وجميل السيرة ، ويؤثر عمارة نواحى بلاده وأقطار مملكته ، ويجب ما ينمو به مواد أمواله وجهات عماله ، ويود أن يتملك أحرار القلوب ، ويجعل بعده سيرة تضرب بحسنها الأمثال: فلما سمعت كلامه علمت أنه رزق عقلا وفضلا فعملت بقوله واهتديت بحكمه ، ولم أجد عند غيره ما وجدته عنده ، فلذلك خصصته بالتقديم وأنزلته بالمنزلة التى يستحقها ، ومن كلام بعض الحكماء من قام من الملوك بالعدل والحق ملك قلوب رعاياه ، ومن قام بالجور والقهر لم يملك منهم إلا التصنع وكانت قلوبهم تطلب من يملكها، وقال: لينظر الملك في المتنصح له ، فإن دخل من حيث العد والصلاح فليقبل نصحه وليستشره ، وإن دخل من حيث مضار الناس فليحذره وليحترز منه ، وقيل زمان: الجائر من الملك أقصر من زمان العادل ، لأن الجائر يفسد والعادل ويصلح ، والإفساد أسرع من الصلاح ومما قبل في مدح الصبر والتثبت : قال الله تعالى : { با أيها الذين أمنوا إن جاءكم فاسق بنباء فتبينوا [سورة الحجرات : الآية 6]، والصبر محمود العاقبة يثمر الحجة ويورث المقصود ، ويكبت العدو ويغيض الحسود ، ويفضي لصاحبه بالسيادة ويكسوه فضيلة الحزم ويدفع عنه نقيضة الحرمان . وقد قيل : من صبر على عدوه إلى أن تلوح له الفرضة عليه ، أمكن نفسه من الانتقام منه وقطع دابره . وقيل : من استعجل في أمر يحاوله كان جديرا إن ناله ، أن لا يدوم له ، فإن الخلل يلازم العجل وقيل: يجب على الملك أن لا يعجل بالانتقام سعى به إليه ، حتى يكشف عن أعراض السعادة ، وما حملهم على ذلك رت عدو يضع زورا ، ويلقيه إلى من يوقعه بمسامع الملك ويسلطه المكذوب عليه . وقيل: الصبر والتثبت حسن ، وهو فى الملوك حسن ، والسرعة والاستعجال فى الانتقام قبيح ، وهو فى الملوك أقبح ، لا سيئا إن كان في أمر لا يمكن تداركه . وقيل : كم من صبر أفضى بصاحبه إلى سرور ، وكم استعجال أشرف بصاحبه إلى هم وندامة ، وعنوان ذلك أن الصابر يتوقع خيرا، والمستعجل يتوقع زللا ، ومما ورد فى الشكر قوله تعالى : { ما يفعل الله بعذابكم إن شكرتم } [سورة النساء الأية 147) ، وقال تعالى : { وسنجزى الشاكرين } [سورة أل عمران : الأية 145] وزوى عن النين ظلل ، أنه لما تورمت قدماه من القيام في الصلاة، قيل له : قد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر قال : لأفلا أكون عبدا شكورا ، ولقد أنصف
بعض من بنى حين زال ملكهم وأنقضت دولتهم ما كان سبت هذا الحادث الواقع بكم والبلاء النازل عليكما فقال : بقلة شكرنا لله تعالى على ما أنعم به عليا ، واشتغالنا بلذاتنا عن النظر في مصالحنا ، وتفويضنا أمرنا إلى من لا دين له ، ولا أمانة وظلم نوابنا لرعايانا لغفلتنا عنهم ، ففسدت علينا النيات واختلف علينا الجند لقلة عطايانا لهم ، فاستدعاهم أعداؤنا فأجابوهم وأعانوهم علينا الأجناد لقلة الأنصاء فأل إلينا إلى ما أل ، وجدير بمن شكر أن يشمله المزيد ، وبمن رعى الإحسان أن يبلع فوق ما يريد ، فإن رب العزة جلت قدرته ، وتعالىت عظمته مع استغنائه عن العالمين لا ينتفع بكثيرة شكرهم ، ولا يضره زيادة كفرهم قد بدل المزيد لمن شكر وأوعد بالعذاب الشديد لمن كفر ، فقال سبحانه وتعالى : { لكن شكرتم لازيدكم ولئن كفرتم إن عذابى لشديد } المحسن بالإساءة فقد استفتح باب سخط العزيز ذى الانتقام ومما ورد فى المشورة ، قال الله تعالى : { وشاورهم فى الأمر [سورة أل عمران : الأية 159]، وقال [ما خاب من استخار ولا ندم من استشارا .
وزوى عنة أنه قال : [ما شقى عبد بمشورة ولا سعد من استغناء برأيها ، وفى التوراة : من لم يستشر فى أمره يندم . وقال أبو هريرة رضي الله عنه : ما رأيت أجدا أكثر استشارة لأصحابه من رسول الله ، وسئل ما بال العاقل ذو لت مشورته على نفسه يقتصر بها عن أصحابه لصوابه ، وإدراك المطلوب ومشورة غيره له تظفيره بذلك ] فقال: إن مشورة الإنسان نفسه ممزوجة بالهوى ، ومشورة غيره سالمة من ذلك ، ولا إصابة مع الهوى . وقيل : سبعة لا ينبغى لذى لت أن يشاورهم جاهل وعدو وحسود ومراء وجبان وبخيل وذو هوى ، فإن الجاهل يضل، والعدو يريد الهلاك، والحسود يتمنن زوال النعمة والمرائى واقف مع رضاء الناس ، والجبان من رأيه الهرب والبخيل حريص على جميع المال فلا رأى له فى غيره ، وذو الهوى أسير هواه ، فهو لا يقدر على مخالفته .
ومن بركة المشورة ما حكى أن الخليفة المنصور كان قد صدر من عمه عبد الله بن على بن عبد الله بن العباس رضي الله عنه ، أمور مؤلة لا تحملها حراسة الخلافة ، ولا تجاوز عنها سياسة الملك فحبسه عنده ، ثم بلغه عن ابن عمه عيسى بن موسى وكان عاملا على الكوفة ما أفسد عقيدته فيه وأوحشه منه ، وصرف وجه ميله عنه ، فتألم المنصور من ذلك ، وساء ظنه وقل أمنه وترادف خوفه وحزنه ، فأدت المنصور إلى أمر دبره ، وكتمه عن جامع حاشيته ، وستره استحضر ابن عمه عيسى وأجراه على عادة إكرامه ، وأخرج من كان بحضرته ، ثم قال له : يا ابن عمى إنى مطلعك على أمر ولا أجد غيرك أهله ، ولا أرى سواك مساعد لى على حمل تقله ، فهل أنت في موضع ظنى بك ، وعلى ما فيه من بقاء نعمتك التى هى منوطة ببقاء ملكي] فقال عيسى : أنا عبد أمير المؤمنين ونفسى طوع أمره ونهيه فقال : إن عمى وعمك عبد الله قد فسدت بطانته ، واعتمد ما فى بعضه ما يبيح ذمه ، وفى قتله إصلاح ملكنا ، فخذه إليك واقتله سرا ، ثم سلمه إليه ، وعزم المنصور على الحج مضمرا أن ابن عمه عيسى ، إذا قتل عمه عبد الله لزمه القصاص وسلمه إلى أعمامه أخوة عبد الله ليقيدوه ويقتلوه قصاصا، فيكون قد استراح من الإثنين عبد الله وعيسى . قال عيسى فلما أخذت عمى أفكرت فى قتله ، ورأيت من الرأى أن أشاور في قضيته من له رأى يصيب الصواب، فأحضرت يونس بن أبى فروة الكاتب ، وكان لى حسن الظن فى رأيه وعقيدة صالحة فى معرفته ، فأنسته بالحديث ، وقلت له : إن أمير المؤمنين أمرنى بقتا عمى وأخفى أمره ، فما رأيك في ذلك وما تشير بها فقال لى يونس : أيها الأمير احفظ نفسك بحفظ عمك وعم أمير المؤمنين فإن أرى لك أن تدخله فى مكان داخل دارك ، وتكتم أمره عن كل من عندك، وتتولى بنفسك طعامه وشرابه ، وتجعل دونه مغالق وأبوابا وأظهر لأمير المؤمنين أنك قد أنفذت أمره ، وانتهيت إلى العمل بطاعته ، فكأنى به إذا تحقق إلك فعلت ما أمرك به وقتلت عمه أمر بإحضارك على رؤوس الأشهاد ، فإن اعترفت إلك قتلته بأمره انكر أمره لك وأخذك بقتله وقتلك به : قال عيسى : فقبلت مشورة يونس وعملت بها فلما قدم المنصور من الحج، سالتي سرا عن عبد الله ما فعلت في أمره فقلت : اراح الله أمير المؤمنين منه ، فلما استقر في نفسه أننى قتلته دير إلى أعمامه ، وحثهم أن يسالوه في عبد الله ويستوهبوه منه فأطمعهم في ذلك ، فجاءوا إليه والناس سائلون في ذلك فى الملاء فأجابهم ، وأمر بإحضار عيسى ، فقال له : كنت دفعت إليك قبل خروجى إلى الحج عبد الله عمى وعمك ليكون عندك في منزلك إلى حين رجوعى ، فقال عيسى : فعدت ذلك . فقال : أحضره فقلت : أليس أمرتنى بقتله؟
قال : كذبت ، ثم قال لأعمامه : قد أقز بقتل أخيكم مدعيا أنى أمرته بذلك وقد كذب .
قالوا يا أمير المؤمنين فادفعه إلينا لنقتله ونقتص منه فقال: شأنكم به : قال عيسى فأخذونى وأرادوا قتلى ، فقلت لهم لا تعجلوا ردونى إلى أمير المؤمنين ، فعدت إليه فقلت له : يا أمير المؤمنين إنما أردت قتلى بقتله والذى ديرته على عصمنى الله من فعله هذا عمك باق حى سوى وإن أمرتنى بدفعه إليهم دفعته ، فأطرق المنصور وعلم أن زيح فكرة صادفت إعصارا وإن انفراده بتدبيره قارن خسارة وأمر بإحضار عبد الله ، فلما رأه قال: اتركوه عندى وانصرفوا حتى أرى فيه رأيا ، ثم أنه أسكنه فى بيت أساسه ملح، تم أرسل الماء حوله ليلا، وذاب الملح وسقط البيت عليه فمات . وقيل في المعنى تمسك بأهداب المشورة واستعن بحزم نصيح أو نصاحه حازم و لا تجعل الشورى عليك غضاضة فريش الخوافى قوة للقوادم وقيل لرجل من بنى عبس : ما أكشر صوابكم فى مباشرة ما تأتونه ومجانبة ما تعرضون عنه ، فقال : نحن ألف رجل فينا رجل حازم دو رأى ومعرفة ، فنحن نشاوره في الجليل والحقير من الأمر، ونعمل برأيه فكأنما إذا صدرنا عن رأيه ومعرفته في ألف حازم ، وجدير بألف حازم أن يصيبوا ، وقيل فى المعنى أيضاء إذا ما غدا خطب ورمت وروده فشاوز فكم بحج هدته المشاوره وانفع من شاورت من كان ناصحا شقيقا فاصبر بعده من تشاوره وقيل: يظهر بالمشورة من الإنسان عدله وجوره وخيره وشره . ومما جاء في الإنصاف والعدل قال الله تعالى : { إن الله يأمر بالعدل والإحسان } [سورة النحل : الأية 90] قال قتادة: إن الله تعالى أمر عباده في هذه الأية بمكارم الأخلاق ومعاليها ، ونهاهم عن سفهاتها ومدانيها . وروى عن رسول الله، قال : عدل السلطان يوما يعدل عند الله تعالى عبادة سبعين سنة وقال لأحب الناس إلى الله وأقربهم السلطان العادل ، وأبغضهم إلى الله وأبعدهم السلطان الجائر وروى أنه قال: والذى نفس محمد بيده ليرفع عمل السلطان العادل إلى الله مثل عمل جميع الرعية ، وقال [حد يقام في الأرض خير من أن تمطر أربعين صباحا وزوى أنه قال : ما من عبد ولاه الله أمر رعيته فغشيهم ، ولم يشفق عليهم إلا حزم الله عليه الجنة، وقال: رجلان من أمتى يحرمان شفاعتى ملك ظالم ومبتدع عال يتعدى الحدودا وقيل: الملك يدوم مع العدل وإن كان صاحبه كافرا ، ولا يدوم مع الظلم وإن كان صاحبه مؤمنا وقيل : من سعادة الملك محبته للعدل ، ومن علامة محبته للعدل مخالطته لأهل العلم ذوى الذين ، ورغبته فى محادثتهم ليذكر ما يجب عليه من العدل الذى به سعادته فى الأخرة ودوام ملكه فى الدنيا ، وحسن سمعته فى العالم ، وميل القلوب إليه ، وجريان الالسن بالدعاء له . حكي أن قيصر ملك الروم سير رسولا إلى عمر بن الخطاب رضى الله عنه ، ليشاهد أحواله ، ويكشف أفعاله ويسمع أقواله ، فلما وصل الرسول المدينة قال لأهلها أين ملككما] قالوا: ليس لنا ملك ، وإثما لنا أمير قد خرج إلى ظاهر المدينة ، فخرج الرسول فى طلبه، فرأها نائما فى الشمس على الأرض ، وقد وضع درته كالمخدة تحت رأسه ، والعرق ينحدر من جبينه ، فلما رأه الرسول على هذه الحالة وقع الخشوع في قلبه ، وقال: رجل تكون جميع ملوك الأرض لا يقز لهم قرار من هيبته ، وتكون هذه حالته ولكنك يا عمر عدلت فأمنت فنمت ، وملكنا يجور فلا جرم لا يزال خائفا ساهرا، أشهد أن دينكم دين الحق ولو أنى رسول لأسلمت ولكننى ساعود وأسلم . وحكن أن يهوديا وقف لعبد الملك بن مروان، فقال : يا أمير المؤمنين إن ابن هرمز قد ظلمنى فأنصفنى منه ، وأدقن حلاوة العدل ، فلم يقض حاجته ثم عاد ثانيا، فلم يلتفت إليه ، فقال اليهودي : يا أمير المؤمنين إنا نجد فى التوراة المنزلة على موسى أن الإمام لا يكون شريكا في علم أحد ولا جوره حتى يرفع إليه ، فإذا رفع إليه ولم يغير ذلك شاركه في الظلم والجور، فلما سمع عبد الملك قوله فزع منه ، وأنقذ في الحال إلى هرمز فعزله ، وأخذ حق اليهودى منه ودفعه إليه . ورؤى أن رسول الله قال : لإن الله سبحانه وتعالى لا يقدس أمة لا يؤخذ الحق لضعيفها من قوبها وروى أن عمر بن الخطاب رضع الله عنه ، كان قائدا، فجاء رجل من أهل مصر فقال : يا أمير المؤمنين هذا مقام العائد بك . فقال عمر : لقد عدت بمجيب فما شأنك ] قال : سابقت على فرسى ابنا لعمرو بن العاص وهو يومئذ أمير على مصر، فجعا ينقعنى بسوطة، ويقول : أنا ابن الاكزمين، وبلغ ذلك عمرو أباه فخشى أن أتيك فحبسنى فى السجن ، فأنفذت منه فهذا حين أنيتك ، فكتب عمر إلى عمرو بن العاض إذا أناك كتابى، فاشهد الموسم أنت وولدك فلان، وقال للمصرى : أقم حتى يأتيك ، فقدم عمرو وولده فشهدا الحج فلما قضى عمر الحج وهو قائد مع الناس ، وعمرو بن العاص وابنه إلى جانبه قام المصرى فرمى إليه عمر رضن الله عنه ، بالدرة قال أنس : ولقد ضربه ونحن نشتهى أن يضربه ، فلم ينزع حتى أحببنا أن ينزع من كثرة ما ضربه ، وعمر يقول : اضرب أبن الأكرمين : قال: يا أمير المؤمنين قد استوفيت واستشفيت . قال : ضعها على صلعة عمرو . قال : يا أمير المؤمنين قد ضربت الذى ضربنى . قال أما والله لو فعلت ما منعك أحد حتى تكون أنت الذى تنزع ثم قال: يا عمرو متى تعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا ، فجعل عمرو يعتدر ويقول : لم أشعر بهذا يا أمير المؤمنين ، ومما نقل فى الآثار الإسرائيلية في زمان موسى عليه السلام ، أن رجلا من ضعقاتهم كانت له عائلة ، وكان صيادا يصيد السمك ويبيعه ، ويقوت منه عياله وزوجته فخرج يوما للصيد ووقع فى شبكته سمكة كبيرة ففرح بها، وأخذها ومضى إلى السوق ليبيعها ويصرف تمنها في مصالحه ، فلقيه بعض العوانية فرأى السمكة وأراد أخذها منه فمنعه الصياد، فرفع خشبة كانت معه فضرب بها الصياد ضربة موجعة ، وأخذ السمكة منه غضبا قدعا الصياد عليه وقال: إلهى خلقتنى ضعيفا وجعلته عنيفا فخذ لى حقي منه عاجلا ، فقد ظلمنى ولا صبر لى إلى الأخرة ثم إن ذلك الغاصب انطلق بالسمكة إلى منزله وسلمها إلى زوجته ، وأمرها أن تشوبها ، فلما شوتها ووضعتها على المائدة ليأكل منها فتحت السمكة فاها ، ونكزت إصبعه نكزة طارت منها قراره فقام وشكى إلى الطبيب يده وما نزل به .
فلما رأها قال : دواؤها أن يقطع الإصبع لئلا يسرى إلى بقية يدك فقطع إصبعه ، فانتقل الوجع الشديد إلى اليدد وازداد التألم وارتعدت فرائضه ، فقال له الطبيب: ينبغى أن تقطع اليد من المعصم لئلا يسرى إلى الساعد ، فقطعها فانتقل الألم إلى الساعد ، فما زال هكذا كلما قطع عضوا انتقل الألم إلى العضو الذى يليه ، فخرج هائما على وجهه مستغيثا إلى ربه ليكشف عنه ما نزل به ، فرأى شجرة فقصدها فأخذه النوم فنام تحتها ، فرأى فى منامه قأئلا يقول له : يا مسكين إلى كم تقطع أعضاءك امض إلى خصمك الذى ظلمته، وهو الصياد وأرضه فانتبه من النوم وفكر فى أمره ، وقال: هذا من حيث الصياد وأخذ السمكة غصبا وظلما وهى التى نكزت يدى وصاحبها خصمى ، فدخل المدينة وسال عنه فوجده ، فوقع بين يديه والتمس منه الإقالة مما جناه ، ودفع إليه شيئا من ماله وتاب من فعله ، فرضى عنه خصمه الصياد فسكن في الحال ألمه ، وبات تلك الليلة في فراشه وأقلع عن خطته ، ونام على توبة خالصة ففى اليوم الثانى تداركه الله بلطفه ورحمته فرد يده كما كانت ، فنزل الوحى على موسى عليه السلام ، يا موسى وعزتي وجلالى لولا أن الرجل أرضى خصمه لعذبته ما امتدت به حيائه.
وحكى أن سليمان بن أبى جعفر قال : كنت واقفا على رأس المنصور ليلة وعنده جماعة من بنى هاشم ، فتذكروا عبد الله بن مروان قد كانت له قضة عجيبة مع الملك النوبة ، فأبعث إليه واسأله عنها ، فقال : المنصور يا مسرور على به فأحضره وهو مقيد فقال : السلام عليك با أمير المؤمنين : فقال له المنصور: يا عبد الله ود السلام أمن ، ولم تسمح لك نفسى بذلك بعد ولكن اقعد ، فجاءوا بوسادة فوضعت فقعد عليها ، فقال له المنصور : بلغنى أنه قد كانت لك قضة عجيبة مع ملك النوبة ، فما هي؟
ناپیژندل شوی مخ