============================================================
ونقول إن هذا القول من ابن عباس رمز تحته معنى لطيف يخفى(1) على العامة، لأنه إن لم يكن كذلك، وحمل على ظاهر اللفظ استحال جدا، وكيف ي قدر الشيطان أن يسرق آية من كتاب الله، والله عز وجل يقول (إنه لقرآن كريم في كتاب مكنون لا يمسه إلا المطهرون) [الواقعة: 79]، وقال لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه [فصلت: 42]؟ فقد صانه الله عز وجل أن يقربه الشيطان، فضلا عن أن يسرقه، بل يفر من استماعه، ويطرد بقراءة القرآن، وبذكر أسماء الله عز وجل. ومن أكبر أسمائه "بسم الله الرحمن الرحيم". وكيف سرقها، وهي مثبتة في فاتحة الكتاب، وفاتحة كل سورة، ولم يتكرو(2) شيء من القرآن والآيات كتكررها؟ بل قد صارت فاتحة كل كتاب غير القرآن، ومدونة عند جميع الأمم . فإن قال قائل إن ابن عباس إنما عنى أنه سرقها من "سورة الحمد" ، لأنها كانت آية منها، فهي لا تقرأ فيها، ولا تعد منها آية، قلنا: فلم سرقها من اسورة الحمد"، وتركها في "سورة النمل"؟ وأي عداوة بين الشيطان وبين "سورة الحمد" من بين جميع السور، حتى سرقها من هذه السورة وتركها في سائر السور ولكن نقول إن ابن عباس رمز بهذا الكلام، وأشار إلى معنى أخفاه عن عامة الناس، وقد دعا قوما الجهل بذلك إلى إبطال الحديث على وجهه، ودعا ذلك ال الملحدة إلى الطعن عليه، كفرا وطغيانا وجهلا بآيات الله، وإلحادا فيها. ولو كان الحديث باطلا، لما رواه أبو عبيد وغيره من أعلام الرواة في محله من المعرفة بالحديث، ولا دونه في كتابه. وليس ابن عباس، مع براعته في العقل والعلم والمعرفة، ممن ينساغ للملحدين الطعن على كلامه، ولكن ليس هذا بأنكر من طعنهم على كتاب الله عز وجل وادعائهم التناقض فيه . والناس أعداء ما جهلوا.ا وهذه آية لها مقدار عظيم، وخطر جليل، وتحتها معان لطيفة عرفها رسول اللها صلى الله عليه وآله، ومن بعده الراسخون في العلم، كما عرفوا المتشابه من القرآن ومعاني حروف المعجم، مثل "ألم" و"ألمص" و"ألر" و"ألمر" و"كهيعص" وغير ذلك.
(1) في م: خفي.
(2) في ه: يكر.
مخ ۱۶۱