============================================================
حبيب ومنزل"، لعلم أنه قول امرئ القيس. ولو أنشد "يا دار مية بالعلياء والسند"، لعلم أنه للنابغة، ولو أنشد "أمن أم أوفى دمنة لم تكلم"، لعلم أنه لزهير. فعلى هذا أكثر شعر الشعراء الجاهليين والمخضرمين، ومن كان في صدر الإسلام من الفحول، ممن يحتج بشعره، دواوينهم بينة مشهورة متداولة، لا يختلف فيها أهل الأدب والمعرفة.
وقد كان فيما مضى يختلف الرواة فيه، ويزيدون وينقصون، وينحلون الشاعر غير شعره(1) ، لقدرتهم على اللغة، وتمكنهم من كلام العرب، ومعرفتهم بمذاهب الشعراء، ولقرب ذلك الزمان من أيامهم، وموافقة طباع بعضهم لبعض. فقد روي أن بلال بن أبي بردة استنشد حماد الراوية، فأنشده القصيدة التي في شعر الحطيئة في مدح جده أبي موسى الأشعري، فلما انتهى إلى قوله: [البسيط] وجحفل كبهيم الليل منتجع أرض العدو ببؤسى بعد إنعام(2) جمعت من عامر فيه ومن أسد ومن تميم ومن حاء ومن حام فما رضيت بهم حتى رفدتهم من وائل رهط بسطام بأصرام مستحقبات رواياها جحافلها يحدو بها أشعري طرفه سام قال له بلال: من قائلها؟ قال: الحطيئة. قال: ويحك، يمدح الحطيئة أبا ل موسى بشعر لا أعرفه، وأنا أروي شعر الحطيئة. ولكن دغها تذهب في الناس(3) .
فهذا الشعر ومثله، وإن كان منحولا، فقد نسب إليه، ودون له، وروي في شعره. إذ كان لذلك الطراز مشاكلا، ولشعره مضاهيا، والاحتجاج به جائز.
وحماد، وإن كان حضري النشأة، ومتهما في الرواية، فهو من المعرفة بلغة العرب بموضع يجوز الاحتجاج بقوله لو كان كلاما منثورا، فكيف بشعر مدون قد رواه الرواة، وقبلوا عنه(4)، ونسبوه إلى الحطيية؟ ومثل هذا من الشعر مثل الملصق من الولد، وما سبيله إلا كما قيل : الولد للفراش وللعاهر الحجر. وكل شعر منحول (1) هكذا في م وأخواتها، وفي ب. عن شعره. والمقصود شعر غيره.
(2) ديوان الحطيية بشرح السكري ص 35، طبعة نعمان ص 227، طبعة دار الجيل ص 191.
(3) نقلها أبو الفرج الأصفهاني عن ابن سلام عن أبي عبيدة في الأغاني 114/2، 66/6 .
(4) في م : وسثلوا عنه.
مخ ۱۳۶