لم تكن مجيدة تختبئ في غرفة أبيها. مرة واحدة دخلت، كان أبوها مستغرقا في الكتابة، رفع رأسه من فوق الورق، وصاح غاضبا: اطلعي بره أوعي تدخلي هنا تاني! الأوضة دي ما حدش يدخلها مفهوم؟ - حاضر يا بابا. - كانت زينة بنت زينات قادرة على الإمساك بمجيدة في أي مخبأ في الحديقة. المقلتان الكبيرتان في عينيها الواسعتين تشعان وهجا أزرق وأخضر وأحمر، تتلون عيناها بلون أحواض الزهور، تكشفان الأركان الخفية في الحديقة مثل أشعة الضوء. وكان جسمها خفيفا، تجري به بين فروع الشجر كالفراشة البيضاء إن ارتدت ثوبها الأبيض من القطن المصري. أمها زينات كانت تشتري لها ثلاثة أمتار من القطن من شركة المحلة الكبرى في شارع التحرير، تدفع أبلة مريم ثمن القماش، وثمن الحذاء الجلدي الأسود والشريط الأبيض في شعرها الأسود الخشن النافر كالأسلاك.
كان يكفي أن يكون للبنت هذا الشعر حتى تلوكها الألسنة، كانت شعور البنات من العائلات ناعمة مرسلة فوق ظهورهن، مستسلمة تحت لمسات الهواء أو أصابع الرجل بعد الزواج.
لم يكن لزينة بنت زينات عائلة. أبوها مات وهي في الرحم، ورثت عنه ذلك «الجين» العنيد الصلب، صلابة العظام الطويلة الممشوقة والرأس الأكثر صلابة، والشعر النافر كالأسلاك الحديدية يحمي الرأس من الضربات، والمقلتين الكبيرتين تدوران كما تدور الأرض حول الشمس داخل عينين واسعتين سوداوين زرقاوين بلون الأرض والبحر، يحوطهما بياض أبيض صاف بلون الأمواج تحت أشعة الشمس، أو قمم الجبال الشاهقة وراء البحار.
من خلال جدار الرحم سمعت أمها تهتف: «يسقط الظلم، تحيا الحرية» إلى أذنيها. في الليل كان يسري النشيج المتقطع المكتوم، صوت الكرباج يلسع الهواء، يسقط فوق اللحم الحي، يرتفع إلى السماء، تنزف منه الدماء، وقطع حية من الجسد، كعوب البنادق تضرب أسفل البطن بين الفخذين المشدودتين فوق رأس ذلك العضو الذكري الذي يسمونه في السجون «القضيب». يرمق رئيس السجن قضيب المسجون بعينين ضيقتين غائرتين لونهما أصفر، مشبعتين بالحسد والإعجاب؛ يقترن الإعجاب دائما بالحسد. كان قضيب الرئيس السجان صغيرا نحيفا مقوس الظهر، تسري فيه دماء قليلة صفراء تعاني الأنيميا والخوف من الله والرؤساء. إن أصابته انتصابه يترنح متأرجحا بين الإقدام والإدبار، يظل دائما منكمشا في سرير الزوجية، لا تثيره إلا فتاة صغيرة من بنات الهوى في سجن النساء. كان يكذب على زوجته، يقول لها إنه يذهب للطبيب يعالجه من الضعف الجنسي، يتسلل من فراشها في الليل، ويذهب إلى بنات الهوى بعد ابتلاع حبة زرقاء من الفياغرا.
يتركز الإعجاب والحسد في رأس المسجون الشامخ، إن سقطت فوقه الضربات يظل مرفوعا نحو السماء، يتحدى السماء والرؤساء. في الليل يحلم بالسيف يمسكه في يده يضرب عنق المسجون، يسرق رأسه الشامخ يركبه فوق عنفه الطري الملتوي، دون جدوى لا يركب هذا الرأس فوق هذا العنق، دون جدوى، دون جدوى، في النوم أو في اليقظة، دون جدوى لا يصبح للسجان رأس المسجون أبدا.
مجيدة وزينة بنت زينات تلعبان المساكة في الحديقة الواسعة وإن اختفت مجيدة تحت الأرض تعثر عليها زينة بنت زينات تمسكها من ذراعها، تشدها من يدها وتصرخ فرحا: مسكتك يا مجيدة.
تتغير الأدوار حسب اللعبة. تصبح مجيدة هي المساكة، تختفي زينة بنت زينات، تفك مجيدة الرباط حول عينيها، تنظر حولها باحثة عنها، تفتش بين الصناديق في غرفة المخزن، تبحث تحت السيارة في الكاراج، تفتش في الحفر في الأرض بين الأشجار وأحواض الورد.
لم تكن مجيدة تعثر على زينة بنت زينات مرة، لم تكن المساكة تمسك بنت زينات؛ فهي بنت شوارع، تدربت على الاختفاء عن عيون الشياطين والآلهة. لم تكن عين إبليس الساهرة قادرة على رؤيتها، وعين الله التي لا تنام كانت تنام حين تختفي زينة بنت زينات في الظلام.
إلا مرة واحدة استطاعت عين إبليس أن تلمحها وهي تجري بين أحواض الورد. امتدت ذراعه الطويلة الصلبة التي تشبه القضيب من الحديد وأمسكها من ذراعها، شدها من يدها إلى الغرفة الخلفية في الحديقة. كانت لحظة واحدة وهي تجري بين الزهور كالفراشة البيضاء، رفع الهواء ثوبها القطني الأبيض عن ساقيها، سقطت عين إبليس فوق الفخذين الناعمتين المفتوحتين للهواء وهي تقفز، صعدت عينه إلى أعلى مع الجسد الصغير الأملس حتى أسفل البطن، حيث العانة الملساء الناعمة التي لم ينبت فيها الشعر بعد.
كانت زينة بنت زينات في التاسعة من عمرها طفلة بالمدرسة. أبلة مريم تمسك أصابعها الطويلة النحيفة عاليا لتراها البنات ، تقول أبلة مريم: أصابعها خلقت للموسيقي يا بنات، زينة بنت زينات سيكون لها مستقبل كبير في عالم الفن، يا بنات.
ناپیژندل شوی مخ