كان يريد أن يرى ذلك، كل ما حدث وما سوف يحدث، بعيني رأسه. كان يحب هذه المدينة ويعتقد في أعماق قلبه أنه يمكن أن يفيدها.
وسألته: «هل تحس إذن بالأمان؟»
وقال: «طبعا. هذا جميل!»
كانت كاثي تعرف أنها لن تستطيع إقناعه بتغيير رأيه، ولكن كيف تشرح لأطفالها وهم يشاهدون صور المدينة الغارقة أن أباهم يقيم فيها مختارا، مبحرا في أرجائها في قارب مستعمل؟ حاولت استخدام المنطق معه، مشيرة إلى أن أنباء التليفزيون كانت تقول إن الأحوال لن تزداد إلا سوءا، وإن المياه سرعان ما تصاب بشتي ضروب التلوث - كالزيت والقمامة ورفات الحيوان - وإن ذلك سرعان ما ينشر الأمراض.
وعد زيتون بأن يكون حريصا، ووعدها بأن يعاود اتصاله ظهرا في اليوم التالي، من المنزل في شارع كليبورن.
وقالت: «اتصل بي كل يوم ساعة الظهر.»
وقال إنه سوف يفعل.
فقالت: «بل لا بد أن تفعل.»
وقطعا المكالمة، وأدارت كاثي جهاز التليفزيون، كان في مقدمة نشرة الأنباء أن المدينة يسودها خرق القانون وينتشر فيها الموت، وكانت أجهزة الإعلام تجمع على أن نيو أورلينز قد تدهورت إلى مستوى دول «العالم الثالث». وكان هذا التشبيه كثيرا ما يستخدم في وصف تدهور الأحوال، عندما تكون المستشفيات مغلقة، وينقطع توافر المياه النظيفة وغيرها من المرافق الأساسية. وفي حالات أخرى، كان التعبير يستخدم عند عرض التليفزيون صور السكان الأمريكيين ذوي الأصول الأفريقية وقد أضناهم الحر خارج مركز موريال للمؤتمرات، أو الواقفين على أسطح المنازل يلوحون بأيديهم طلبا للغوث، وكانت أنباء غير مؤكدة ترد عن وجود عصابات من المسلحين تتجول في المدينة، وعن إطلاق النار على الطائرات المروحية التي تحاول إنقاذ المرضى من فوق سطح أحد المستشفيات، وكان يشار إلى السكان باسم اللاجئين.
كانت كاثي واثقة بأن زيتون لم يكن يدرك مستوى الخطر الذي تنقله الأنباء، ربما يشعر بالأمان حيث يقيم في الضاحية السكانية، ولكن ماذا عسى أن يحدث إذا كانت الفوضى قد انتشرت فعلا، وأنها كانت تشق طريقها إليه وحسب؟ لم تكن تريد تصديق التغطية الإعلامية المبالغ فيها والمشحونة بالتعصب العنصري، ولكن الأمور كانت ولا شك تتطور، وكان معظم الذين بقوا في المدينة يحاولون باستماتة أن يرحلوا. لم تعد تطيق تلك الحال، فطلبت المنزل في شارع كليبورن مرة أخرى، ولكن لم يجب أحد.
ناپیژندل شوی مخ