وبحلول أولى ساعات العصر كان ناجين، عمدة المدينة، وبلانكو، حاكمة الولاية، قد بدآ الدعوة إلى إخلاء المدينة طوعا، وقال ناجين للسكان إن مبنى القبة الكبيرة، وهو الصالة الرياضية المغلقة في المدينة، سيكون مفتوحا باعتباره «مأوى الملاذ الأخير!» وارتعدت كاثي من تصور ذلك. ففي العام السابق، عندما هب إعصار إيفان، فشلت خطة الإيواء في ذلك المكان فشلا ذريعا؛ إذ كانت القبة الكبيرة تفتقر إلى المؤن اللازمة وتعاني من التكدس، مثلما كان الحال في عام 1998، في أيام إعصار جورج، ولم تكن تصدق أن المكان سوف يستخدم من جديد، وقالت في نفسها إنهم ربما تعلموا الدرس من المرة السابقة ووفروا المؤن اللازمة للصالة الرياضية المغلقة. كل شيء ممكن، ولكنها كانت غير واثقة.
كانت كاثي تعتزم أن ترحل بمجرد الإعلان عن تحويل المرور إلى اتجاه واحد، وهو ما كان من المفترض أن يبدأ تنفيذه في نحو الرابعة عصرا. ومن شأن هذا التحويل أن يجعل الحارات في جميع الطرق الرئيسة مجهزة للسيارات الخارجة من المدينة، ولكن كان على كاثي في هذه الآونة أن تحزم حقائبها وتضعها في سيارتها، واسمها «الأوديسية»، بحيث تكون على استعداد عند مدخل المنزل.
لكن ترى أين تذهب؟ كانت واثقة بأن كل فندق سيكون كامل العدد في أي مكان خارج المدينة حتى مسافة مائتي ميل. وإذن كان الأمر ينحصر في الاهتداء إلى من تثقل عليه بضيافتها من أفراد الأسرة. خطر لها أولا أن تذهب إلى أختها «آن» في مدينة «بوبلارفيل»، بولاية مسيسيبي، ولكنها عندما اتصلت بها، كانت «آن» أيضا تفكر في الرحيل؛ إذ إن منزلها كان يقع من الناحية الجغرافية المحضة في المنطقة التي سوف تتضرر من الرياح العاتية، كما كانت تحيط به أشجار عتيقة، ولما كان من المحتمل أن تسقط إحداها فتخرق سقف منزل «آن» لم تكن واثقة أنها ينبغي أن تظل في ذلك المنزل، ناهيك باستضافة كاثي وأطفالها.
كان الخيار التالي هو المقر الرئيس للأسرة في باتون روج، وكان منزلا ريفيا تحيط به مزرعة في إحدى ضواحي تلك المدينة، ويملكه أخوها آندي، وبه ثلاث غرف للنوم، وكان آندي كثير الترحال وكان آنذاك في هونج كونج، يعمل في مشروع إنشائي. وكانت اثنتان من أخوات كاثي، هما باتي وماري آن، قد انتقلتا للعيش فيه أثناء غيابه.
كانت كاثي تعرف أنهما سوف تسمحان لها بالنزول في ذلك المنزل مع أطفالها، ولكن التكدس محتوم في هذه الحالة، بداية لم يكن المنزل كبيرا، وكان لدى باتي أربعة أطفال أيضا، فإذا أضيفت كاثي بأطفالها الأربعة أصبح في المنزل ثمانية أطفال وثلاث أخوات، وغدا الجميع يعيشون معا في منزل من المحتمل أن تؤدي الرياح العاتية إلى قطع الكهرباء عنه.
ومع ذلك فإن الأسرتين لم تجتمعا معا منذ وقت طويل، وربما أدت هذه المناسبة إلى التقارب بين أفرادهما، فقد يستطيعون الخروج معا لتناول الطعام، أو للتسوق في باتون روج، وكانت كاثي واثقة بأن أطفالها سوف يرحبون بالفكرة. كان أطفال باتي أكبر سنا ولكنهم دائما ما كانوا يستمتعون بصحبة أطفال زيتون، وعلى أي حال فإن ثمانية أطفال تحت سقف واحد لا بد أن يجدوا شيئا يفعلونه معا، وعلى الرغم مما ينتظرها من التكدس والجلبة الصاخبة، فإن كاثي وجدت نفسها تتطلع إلى الذهاب.
وحاولت كاثي طيلة ساعات العصر إقناع زوجها بالذهاب معهم، وسألته متى طلب المسئولون من قبل إخلاء مدينة بأكملها؟ ألم يكن ذلك سببا كافيا للرحيل؟
وأقر زيتون بأن ذلك غير معتاد، ولكنه لم يمر بتجربة الجلاء عن مكان ما من قبل، ولم ير ما يدعوه إلى أن يفعل ذلك الآن، كان منزلهما يقوم على ربوة ارتفاعها نحو ثلاث أقدام، وكان يتكون من طابقين فوق الطابق الأرضي؛ الأمر الذي ينفي اضطرار أحد إلى اللجوء إلى غرفة السطح أو إلى سقف البيت نفسه، حتى في أسوأ الحالات. وقال زيتون في نفسه إنه يستطيع في جميع الأحوال أن يعتصم بالطابق الثاني، كما إنه ليس قريبا من أي سدود، ومن ثم فإن حدوث فيضان مفاجئ يغرقه، والذي يغرق بعض الأحياء الأخرى أمر مستبعد. والواقع أن منطقة شرقي نيو أوليانز، أو آخر الحي التاسع، بمنازلها ذوات الطابق الواحد والقريبة من السدود هي التي كانت تتعرض لأشد الأخطار.
وبالقطع لم يكن يستطيع أن يرحل قبل اتخاذ الإجراءات اللازمة لتأمين جميع المواقع التي تجري فيها أشغاله، لم يكن أحد سواه يستطيع ذلك، بل لم يكن يطلب من أحد أن يقوم بذلك. كان قد طلب من عماله ورؤسائهم أن يرحلوا عصر ذلك اليوم؛ حتى يكونوا في صحبة أسرهم، وحتى يتاح لهم التبكير قبل ازدحام الطريق بالسيارات، كما اعتزم المرور على كل موقع من المواقع التسعة التي يتولى العمل فيها حتى يجمع معداته أو يربطها في حزمة واحدة؛ إذ كان قد شاهد ما حدث عندما لم يفعل أحد المقاولين ذلك، فقد انكفأت السلالم المتنقلة التي يستخدمها العمال فكسرت النوافذ وخدشت الجدران، وأصابت الأدوات قطع الأثاث بأضرار، وسال الطلاء على الكلأ وفي مدخل المنزل.
وقال: «الأفضل أن أذهب بنفسي.»
ناپیژندل شوی مخ