الفصل الخامس والعشرون
الفصل السادس والعشرون
زنبقة الغور
زنبقة الغور
تأليف
أمين الريحاني
الفصل الأول
«من غور الحياة أرفع اللهم صوتي، من وادي الأردن أحمل إليك يا رب وزري، من أعماق الأرض أنظر ضارعا إلى جبال قدسك وإلى شمس رحمتك وإلى سماء حبك.»
في الربيع الأول من هذا القرن توفيت في الناصرة امرأة اسمها سارة ولم يكن عند فراشها ساعة النزاع غير راهب من رهبان الدير الذي كانت ترعى مواشيه وفتاة لا تتجاوز الخامسة عشرة من سنها، ولقد كان البؤس رعي سارة والشقاء موردها حيث سارت وحيث جلست وفي كل بيت خدمت فيه. على أنها لم تكن ممن يأكلون خبز المذلة ويغضون على الحيف والأذى، ولم تدخل الدير طفلا فتخدم فيه فتاة لتتعود الرضوخ والاستسلام فتسوم نفسها طاعة الصغار وتتحمل دفعا للجوع تفوق الأسياد والرؤساء، وليس أشد من بلية البائس غير بلية البائس العزيز النفس.
جاءت سارة الناصرة من السامرية في الثالثة والعشرين من سنها، ووقفت مكرهة في الأبواب تقدم خدمة وتطلب عملا، وكانت قبل ذلك تقيم ووالدها الأرمل في قرية قرب جنين وتساعده في أشغاله وفي سهراته، فتقضي حاجات البيت كلها بإتقان وعناية لا مزيد عليهما فتطبخ وتغسل وتستقبل الضيوف - وترعى في بعض الأحايين الجمال؛ جمال أبيها، وقد يستغرب القارئ ذكرنا الضيوف في بيت الجمال، وقد يستغرب أشياء أخرى في هذه القصة، ولكن الحقيقة في غور الحياة وقد أبعدتنا عنها زخارف التمدن أمست غريبة بيننا، الفقر والبؤس والعار والشقاء تحجب عن الناس اليوم في معاهد الإحسان المتعددة التي شيدت لتربية الجهل واستخدامه لا لمناهضته واستئصاله. والمستقبح في هذه القصة هو أدنى إلى الواقع من المستملح فيها، لا غبار من الخيال عليه ولا يد للتصور فيه.
ناپیژندل شوی مخ