Zakat on Trade Goods, Shares, and Bonds
زكاة عروض التجارة والأسهم والسندات
خپرندوی
مطبعة سفير
د خپرونکي ځای
الرياض
ژانرونه
رسائل سعيد بن علي بن وهف القحطاني
زكاة عروض التجارة
والأسهم والسندات
مَفهومٌ، وشروطٌ، وفروقٌ، وأنواعٌ، وأحكامٌ
في ضوء الكتاب والسنة
تأليف الفقير إلى الله تعالى
د. سعيد بن علي بن وهف القحطاني
ناپیژندل شوی مخ
بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة
إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليمًا كثيرًا، أما بعد:
فهذه رسالة مختصرة في «زكاة العروض التجارية والأسهم والسندات» بيَّنت فيها بإيجاز: مفهوم العروض: لغةً، واصطلاحًا، وذكرت الأدلة على وجوبها من: عموم الكتاب، والسنة، والإجماع، والآثار الواردة عن الصحابة ﵃، والقياس، وأقوال الأئمة، والمحققين من أهل العلم قديمًا وحديثًا، وذكرت شروط وجوب الزكاة فيها، وبيَّنت أن حول ربح التجارة حول أصله، وأنها تضم إلى النقدين في تكميل النصاب، وبيَّنت كيفيّة تقويم السلع آخر الحول، وأنه لا زكاة في الآلات التجارية التي أُعدّت للاستعمال، ثم ذكرت مقدار الواجب من الزكاة في عروض التجارة، ثم ختمت ذلك ببيان زكاة الأسهم والسندات، وكيفية زكاتها، والجائز منها والمحرّم، ثم ذكرت أهل الزكاة، ومن تحرم عليهم الزكاة.
وقد استفدت كثيرًا من ترجيحات شيخنا الإمام عبدالعزيز بن عبدالله ابن باز ﵀ ورفع منزلته.
1 / 3
والله أسأل أن يجعل هذا العمل مباركًا، نافعًا، خالصًا لوجهه الكريم، وأن ينفعني به في حياتي وبعد مماتي، وينفع به كل من انتهى إليه؛ فإنه خير مسؤول، وأكرم مأمول، وهو حسبنا ونعم الوكيل، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أبو عبدالرحمن
سعيد بن علي بن وهف القحطاني
حرر ليلة الإثنين الموافق ٢٣/ ٣/١٤٢٦ بمدينة الرياض
1 / 4
زكاة عروض التجارة
أولًاَ: مفهوم عروض التجارة لغة واصطلاحًا:
لغةً: العروض: جمع عَرْض بفتح العين وسكون الراء: خلاف النقد من المال، قال الجوهري: العَرْضُ: المتاع، وكل شيء عَرْضٌ سوى الدراهم، والدنانير فإنهما عين، وقال أبو عبيد: العروض: الأمتعة التي لا يدخلها كيل ولا وزن، ولا يكون حيوانًا، ولا عقارًا، تقول: اشتريت المتاع بِعَرْضٍ: أي بمتاع مثله، وعارضته بمتاع، أو دابةٍ، أو شيء، معارضةً إذا بادلته به (١).
وأما العَرَض بفتح العين والراء، جمع أعراض فهو متاع الدنيا وحطامها، وهذا شامل لكل أنواع المال قل أو كثر ﴿لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾ (٢) «ليس الغنى غنى كثرة العرض، ولكن الغنى غنى النفس» (٣)، وسُمِّي عرضًا؛ لأنه يعرض وقتًا ثم يزول (٤). قال الله تعالى: ﴿لَوْ كَانَ عَرَضًا قَرِيبًا وَسَفَرًا قَاصِدًا لَاتَّبَعُوكَ﴾ (٥)، والمقصود هو الأول: «العَرْض».
اصطلاحًا: العروض: هو ما أعد للبيع والشراء؛ لأجلِ ربحٍ (٦).
_________
(١) لسان العرب، باب الضاد، فصل العين، ٧/ ١٧٠، ومختار الصحاح، ص ١٧٨.
(٢) سورة النور، الآية: ٣٣.
(٣) متفق عليه: البخاري، كتاب الرقاق، بابٌ: الغنى غنى النفس، برقم ٦٤٤٦، ومسلم، كتاب الزكاة، باب ليس الغنى غنى كثرة العرض، برقم ١٠٥١.
(٤) انظر: القاموس الفقهي: لغة واصطلاحًا، السعدي أبو جيب، ص ٢٤٧، ومعجم لغة الفقهاء لمحمد رواس، ص ٢٧٨، والموسوعة الفقهية، ٢٣/ ٢٦٨.
(٥) سورة التوبة الآية: ٤٢.
(٦) انظر: الروض المربع مع حاشية ابن قاسم، ٣/ ٦٢٠، والشرح الممتع، ٦/ ١٤٠.
1 / 5
وقيل: هو السلع التجارية، كل ما أعد للبيع والشراء من أجل الأرباح، من أي نوع، ومن أي صنف كان، وهو جميع أصناف الأموال غير الذهب والفضة (١).
وقال الإمام ابن قدامة ﵀: «العروض: جمع عَرْضٍ، وهو غير الأثمان من المال، على اختلاف أنواعه: من النباتِ، والحيوان، والعقار، وسائر المال» (٢).
التجارة: البيع والشراء من أجل الربح (٣) في جميع أصناف المال إلا النقدين.
وقيل: كل ما أعد للتجارة كائنة ما كانت سواء من جنسٍ تجب فيه زكاة العين: كالإبل، والبقر، والغنم، أو لا: كالعقار، والثياب، والحمير، والبغال (٤).
ثانيًا: زكاة العروض واجبة بعموم الكتاب والسنة، والآثار، وإجماع عامة أهل العلم والقياس
أما الكتاب فلعموم الآيات الآتية:
الدليل الأول: قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآَخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ الله غَنِيٌّ حَمِيدٌ﴾ (٥). وقد فسر مجاهد
_________
(١) انظر: حاشية ابن قاسم على الروض المربع، ٣/ ٢٦٠.
(٢) المغني، لابن قدامة، ٤/ ٢٤٩.
(٣) لسان العرب، باب التاء، فصل الراء، ٢/ ١٩، وانظر: الموسوعة الفقهية، ٢٣/ ٢٦٨.
(٤) الموسوعة الفقهية، ٢٣/ ٢٦٨.
(٥) سورة البقرة، الآية: ٢٦٧.
1 / 6
رحمه الله تعالى، قوله سبحانه: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ﴾ قال: «من التجارة» (١). وفي لفظ: «من التجارة الحلال» (٢).
قال الإمام الطبري ﵀: «من طيبات ما كسبتم» يعني بذلك جل ثناؤه: زكُّوا من طيبات ما كسبتم، بتصرفكم: إما بتجارة، وإما بصناعة، من الذهب والفضة، ويعني بـ «الطيبات الجياد» (٣) وقال الإمام القرطبي ﵀: «الكسب يكون بتعب بدنٍ: وهي الإجارة، وسيأتي حكمها، أو مقاولةٍ في تجارة: وهو البيع» (٤). وقال الإمام البغوي رحمه الله تعالى: ﴿مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ﴾ من خيار، قال ابن مسعود ﵃ ومجاهد: من حلالات ﴿مَا كَسَبْتُمْ﴾ بالتجارة، والصناعة (٥). وقال الإمام ابن كثير ﵀: «يأمر تعالى عباده المؤمنين بالإنفاق ... من طيبات ما رزقهم من الأموال التي اكتسبوها، قال مجاهد: يعني التجارة، بتيسيره إياها لهم ...» (٦). وقال العلامة السعدي ﵀: «يأمر تعالى عباده المؤمنين بالنفقة من طيبات ما يسر لهم من المكاسب ومما أخرج لهم من الأرض» (٧).
_________
(١) جامع البيان (تفسير الطبري)، ٥/ ٥٥٦، برقم ٦١٢١، وأثر مجاهد صحيح الإسناد كما ذكر أبو البراء، وأبو أنس في زكاة عروض التجارة، ص ٩.
(٢) جامع البيان (تفسير الطبري)، ٥/ ٥٥٦، برقم ٦١٢٤.
(٣) تفسير الطبري، ٥/ ٥٥٦.
(٤) تفسير القرطبي، ٣/ ٣٢٢.
(٥) تفسير البغوي، ١/ ٢٥٢.
(٦) تفسير ابن كثير، ص ٢١٢، طبعة دار السلام.
(٧) تفسير السعدي، ص ١١٥.
1 / 7
قال الإمام البخاري ﵀: «بابُ صدقة الكسب والتجارة؛ لقوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ﴾ (١) قال الحافظ ابن حجر ﵀: «هكذا أورد هذه الترجمة مقتصرًا على الآية بغير حديث، وكأنه أشار إلى ما رواه شعبة عن الحكم عن مجاهد في هذه الآية: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ﴾ قال من التجارة الحلال ... (٢) (٣).
الدليل الثاني من القرآن الكريم، عموم قوله تعالى: ﴿خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ والله سَمِيعٌ عَلِيم﴾ (٤).
ذكر الإمام القرطبي ﵀ في تفسير هذه الآية مسائل منها:
قال: ﴿خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً﴾ مطلق غير مقيد بشرط في المأخوذ، والمأخوذ منه، ولا تبين مقدار المأخوذ، ولا المأخوذ منه، وإنما بيان ذلك في السنة والإجماع، حسب ما نذكره، فتؤخذ الزكاة من جميع الأموال، وقد أوجب النبي ﷺ الزكاة في المواشي والحبوب، والعين وهذا ما لا خلاف فيه، واختلفوا فيما سوى ذلك: كالخيل وسائر العروض ...» (٥).
_________
(١) البخاري، كتاب الزكاة، باب صدقة الكسب والتجارة، رقم الباب ٢٩، قبل الحديث رقم ١٤٤٥.
(٢) فتح الباري بشرح صحيح البخاري، ٣/ ٣٠٧.
(٣) وممن استدل بهذه الآية أيضًا على وجوب زكاة التجارة الصنعاني في سبل السلام، ٤/ ٥٤، والماوردي في الحاوي الكبير، ٤/ ٢٩٢، وغير ذلك.
(٤) سورة التوبة، الآية: ١٠٣.
(٥) الجامع لأحكام القرآن، للقرطبي، ٨/ ٢٢٨.
1 / 8
وقال الإمام ابن كثير ﵀: «أمر تعالى رسوله ﷺ بأن يأخذ من أموالهم صدقة يطهرهم ويزكيهم بها، وهذا عام، وإن أعاد بعضهم الضمير في «أموالهم» إلى الذين اعترفوا بذنوبهم وخلطوا عملًا صالحًا وآخر سيئًا» (١).
الدليل الثالث: عموم قول الله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ* لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ﴾ (٢). قال قتادة ﵀: «الحق المعلوم: الزكاة المفروضة» (٣). وسُئل ابن عمر ﵄ عن هذه الآية: أهي الزكاة؟ فقال: «إن عليك حقوقًا سوى الزكاة» (٤).
قال الإمام الطبري ﵀: «يقول تعالى ذكره: وإلا الذين في أموالهم حق مؤقت، وهو الزكاة، للسائل الذي يسأله من ماله، والمحروم الذي قد حرم الغِنى فهو فقير لا يسأل» (٥).
وقال الإمام ابن كثير ﵀: «أي في أموالهم نصيب مقرر لذوي الحاجات» (٦). وقال ﵀ في تفسير قوله تعالى: ﴿وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ﴾ (٧) قال: «أي جزء مقسوم، قد أفرزوه للسائل والمحروم» (٨).
وقال العلامة السعدي ﵀: «والذين في أموالهم حق معلوم»
_________
(١) تفسير القرآن العظيم، لابن كثير، ص ٦٢٩.
(٢) سورة المعارج، الآية: ٢٤.
(٣) جامع البيان، للطبري، ٢٣/ ٦١٣.
(٤) المرجع السابق، ٢٣/ ٦١٣.
(٥) جامع البيان، ٢٣/ ٦١٣.
(٦) تفسير القرآن العظيم، ص ١٣٨٠.
(٧) سورة الذاريات، الآية: ١٩.
(٨) تفسير القرآن العظيم، ص ١٢٦٣.
1 / 9
من زكاة وصدقة، «للسائل» الذي يتعرض للسؤال «والمحروم» وهو المسكين الذي لا يسأل الناس فيعطوه، ولا يُفطن له فيتصدق عليه» (١) قال العلامة محمد بن عثيمين ﵀: «الزكاة واجبة في عروض التجارة، والدليل على ذلك دخولها في عموم قوله تعالى: ﴿وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ﴾ (٢) (٣).
وأما السنة؛ فلعموم الأحاديث الآتية:
الدليل الأول: من السنة عموم قول النبي ﷺ لمعاذ بن جبل حين بعثه إلى اليمن: «فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد في فقرائهم» وفي لفظ لمسلم: «... فأخبرهم أن الله قد فرض عليهم زكاة تؤخذ من أموالهم فترد على فقرائهم» (٤).
وظاهر الحديث العموم في كل مال، قال العلامة محمد بن صالح العثيمين ﵀: «ولا شك أن عروض التجارة مال» (٥).
الدليل الثاني من السنة، حديث أبي هريرة ﵁ قال: أمر رسول الله ﷺ بالصدقة فقيل: منع ابنُ جميل، وخالد بنُ الوليد، وعباس بن عبدالمطلب، فقال النبي ﷺ: «ما ينقم ابن جميل إلا أنه كان فقيرًا فأغناه الله ورسوله، وأما
_________
(١) تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان، ص ٨٨٧.
(٢) سورة الذاريات، الآية: ١٩.
(٣) الشرح الممتع، ٦/ ١٤٠.
(٤) متفق عليه: البخاري، برقم ١٣٩٥، ومسلم، برقم ١٩، وتقدم تخريجه في منزلة الزكاة في الإسلام.
(٥) الشرح الممتع، ٦/ ١٤٠.
1 / 10
خالد فإنكم تظلمون خالدًا، قد احتبس أدراعه وأَعتُدَهُ في سبيل الله، وأما العباس بن عبدالمطلب فعمُّ رسول الله ﷺ فهي عليه صدقة ومثلها معها». ولفظ مسلم: بعث رسول الله ﷺ عمر على الصدقة ... إلى قوله: وأما خالد فإنكم تظلمون خالدًا قد احتبس أدراعه، وأعتاده في سبيل الله، وأما العباس فهي علي ومثلها معها ...» (١).
وقوله ﷺ: «قد احتبس أدراعه، وأعتاده في سبيل الله» «وأعتاده» ما يعده الرجل من الدواب والسلاح وآلات الحرب. قال الإمام النووي ﵀: «ومعنى الحديث: أنهم طلبوا من خالد زكاة أعتاده ظنًّا منهم أنها للتجارة، وأن الزكاة فيها واجبة، فقال لهم: لا زكاة لكم عليَّ، فقالوا للنبي ﷺ: إن خالدًا منع الزكاة، فقال لهم: إنكم تظلمونه؛ لأنه حبسها ووقفها في سبيل الله قبل الحول عليها فلا زكاة فيها، ويحتمل أن يكون المراد: لو وجبت عليه زكاة لأعطاها، ولم يشح بها؛ لأنه قد وقف أمواله لله تعالى تبرعًا، فكيف يشح بواجب عليه، واستنبط بعضهم من هذا وجوب زكاة التجارة، وبه قال جمهور العلماء من السلف والخلف، خلافًا لداود» (٢).
وقال الخطابي ﵀: «وتأويل الكلام على وجهين:
_________
(١) متفق عليه: البخاري، كتاب الزكاة، باب قول الله تعالى: ﴿وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ الله﴾ برقم ١٤٦٨، ومسلم، كتاب الزكاة، باب تقديم الزكاة ومنعها، برقم ٩٨٣.
(٢) شرح النووي على صحيح مسلم، ٧/ ٦١، وانظر: فتح الباري بشرح صحيح البخاري لابن حجر، ٣/ ٣٣٣، وقال: «ظنوا أنها للتجارة فطالبوه بزكاة قيمتها، فأعلمهم ﵊ بأنه لا زكاة عليه فيما حبس، وهذا يحتاج لنقل خاص، فيكون فيه حجة لمن أسقط الزكاة عن الأموال المحبّسة، ولمن أوجبها في عروض التجارة»، وانظر أيضًا: إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام لابن دقيق العيد، ٢/ ١٩١ – ١٩٤.
1 / 11
أحدهما: أنه إنما طولب بالزكاة عن أثمان الأدراع والعتاد على أنها كانت للتجارة، فأخبر النبي ﷺ أنه لا زكاة عليه فيها؛ إذ قد جعلها حبسًا في سبيل الله، وفيه دليل على وجوب الزكاة في الأموال التي ترصد للتجارة، وهو كالإجماع من أهل العلم، وزعم بعض المتأخرين من أهل الظاهر أنه لا زكاة فيها، هو مسبوق بالإجماع» (١).
الدليل الثالث: ما روي من حديث أبي ذر ﵁ يرفعه: «في الإبل صدقتها، وفي الغنم صدقتها، وفي البقر صدقتها، وفي البز صدقته» (٢).
الدليل الرابع: من السنة، قوله ﵊: «إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى» (٣). قال العلامة ابن عثيمين ﵀: «ولو سألنا التاجر: ماذا يريد بهذه الأموال؟ لقال: أريد الذهب والفضة، أريد النقدين .. فعلى هذا نقول: زكاة العروض واجبة بالنص والقياس» (٤).
وأما الآثار: فمنها على سبيل المثال لا الحصر ما يأتي:
_________
(١) معالم السنن للخطابي، ٢/ ٢٧٣، برقم ١٦٢٣.
(٢) أحمد، ٣٥/ ٤٤٢، برقم ٢١٥٥٧، والترمذي في العلل الكبير، ٢/ ١٠٢، والحاكم، ١/ ٣٨٨، والدارقطني، ٢/ ١٠٢، والبيهقي، ٤/ ١٤٧، وغيرهم كثير، ولكن الحديث ضعفه الألباني في سلسلة الأحاديث الضعيفة، ٣/ ٣٢٤، برقم ١١٧٨، ومحققو مسند الإمام أحمد، ٣٥/ ٤٤٢، برقم ٢١٥٥٧، وذكروا أن لفظة «وفي البز» بالزاي المعجمة، وأما من صحف «وفي البر» بالراء: فلا وجه له، وضعفوا الحديث كما تقدم. واستُدلَّ بحديث سمرة بن جندب: «كان يأمرنا أن نخرج الصدقة من الذي نعده للبيع» [أبو داود، برقم ١٥٦٢]، وضعفه الألباني في إرواء الغليل، ٣/ ٣١٠، برقم ٨٢٧.
(٣) متفق عليه: البخاري، برقم ١، ومسلم، برقم: ١٩٠٧، وتقدم تخريجه في منزلة الزكاة في الإسلام، في شروط صحة الزكاة.
(٤) الشرح الممتع، ٦/ ١٤١.
1 / 12
الأثر الأول: عن ابن عمر ﵄ أنه قال: «ليس في العَرْض زكاة؛ إلا أن يراد به التجارة» (١).
الأثر الثاني: عن عمر ﵁ كما قال عبدالرحمن بن عبدٍ القارئ، وكان على بيت المال في زمن عمر مع عبيد الله بن الأرقم، فإذا خرج العطاء جمع عمر أموال التجارة فحسب عاجلها وآجلها، ثم يأخذ الزكاة من الشاهد والغائب» (٢).
الأثر الثالث: عن عمر بن عبدالعزيز، قال زريق بن حيان - وكان على جواز مصر في زمن الوليد وسليمان، وعمر بن عبدالعزيز، فذكر «أن عمر بن عبدالعزيز كتب إليه: أن انظر من مرَّ بك من المسلمين فخذ مما ظهر من أموالهم مما يديرون من التجارات: من كل أربعين دينارًا دينارًا، فما نقص فبحساب ذلك حتى يبلغ عشرين دينارًا، فإن نقصت ثلث دينار فدعها ولا تأخذ منها شيئًا» (٣).
_________
(١) البيهقي، ٤/ ١٤٧، وعبدالرزاق في المصنف، ٤/ ٩٧، والشافعي في الأم، ٢/ ٤٦، وابن أبي شيبة، ٣/ ١٨٣، وهو صحيح الإسناد كما قالت اللجنة الدائمة في مجموع الفتاوى، ٩/ ٣١٠، وقال عبدالقادر الأرنؤوط في جامع الأصول، ٤/ ٦٣٢ «بسند صحيح». واحتج بأثر عن عمرو بن حماس عن أبيه، قال: «أمرني عمر فقال: أدِّ زكاة مالك. فقلت: ما لي مالٌ إلا جعابٌ وأدَمٌ، فقال: قوِّمها ثم أدِّ زكاتها» [الدارقطني ٢/ ١٢٥، والبيهقي ٤/ ١٤٧، وضعفه الألباني في إرواء الغليل برقم ٨٢٨].
(٢) مصنف ابن أبي شيبة، ٣/ ١٨٤، وأبو عبيد في الأموال، ص ٥٢٠ - ٥٢٦، برقم ١١٧٨، ١٢١١، وصححه ابن حزم في المحلى، ٥/ ٢٣٤، ولكن لم يعمل به، وقالت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية برئاسة ابن باز بأنه ثابت، [فتاوى اللجنة، ٩/ ٣٠٩].
(٣) موطأ الإمام مالك، ١/ ٢٥٥، كتاب الزكاة، باب زكاة العروض، برقم ٢٠، وإسناده حسن، كما قال عبدالقادر الأرنؤوط في جامع الأصول لابن الأثير بتحقيقه، ٤/ ٦٣٢.
1 / 13
وأما الإجماع فقال الإمام ابن المنذر رحمه الله تعالى: «وأجمعوا على أن في العروض التي تدار للتجارة: الزكاة إذا حال عليها الحول» (١).
وقال الإمام ابن عبدالبر ﵀: «ولم يختلف العلماء أن العروض كلها: من العبيد، وغير العبيد إذا لم تكن تبتاع للتجارة أنه لا زكاة فيها» (٢).
وقد نقل الإجماع عن ابن المنذر ﵀ موافقةً له على ذلك: الإمام ابن قدامة ﵀ (٣) والإمام الصنعاني ﵀ في سبل السلام (٤)، والإمام النووي ﵀ (٥)، وشيخ الإسلام ابن تيمية ﵀ (٦)، والعلامة الشوكاني ﵀ (٧).
وقال الإمام البغوي ﵀: «ذهب عامة أهل العلم إلى أن التجارة تجب الزكاة في قيمتها، إذا كانت نصابًا تمام الحول، فيخرج منها ربع العشر» (٨).
وقال أبو عبيدٍ ﵀: «أجمع المسلمون على أن الزكاة فرض واجب فيها، وأما القول الآخر فليس من مذاهب أهل العلم عندنا» (٩).
_________
(١) الإجماع لابن المنذر، ص ٥٧، برقم ١٣٧.
(٢) التمهيد لابن عبدالبر، ١٧/ ١٢٩.
(٣) المغني، لابن قدامة، ٤/ ٢٤٨.
(٤) سبل السلام، ٤/ ٥٤.
(٥) المجموع للنووي، ٦/ ٤٧.
(٦) مجموع فتاوى ابن تيمية، ٢٥/ ١٥.
(٧) نيل الأوطار، ٤/ ١٦٣.
(٨) شرح السنة للبغوي، ٦/ ٣٥٠.
(٩) الأموال، لأبي عبيد، ص ٤٢٩.
1 / 14
وأما القياس، فقال الإمام النووي ﵀: «تجب الزكاة في عروض التجارة؛ لحديث أبي ذرٍّ ﵁؛ ولأن التجارة يطلب بها نماء المال، فتعلقت بها الزكاة، كالسوم في الماشية» (١).
وقال الإمام ابنُ رشدٍ ﵀: «إن العروض المتخذة للتجارة مال مقصود به التنمية، فأشبه الأجناس الثلاثة التي فيها الزكاة باتفاق. أعني الحرث، والماشية، والذهب، والفضة» (٢).
ثالثًا: وجوب زكاة عروض التجارة:
قال به الأئمة الأعلام المحققون قديمًا وحديثًا: من أهل العلم والإيمان والفقه لمقاصد الإسلام، فهو كالإجماع، ومنهم على سبيل المثال لا الحصر، ما يأتي:
الفقهاء السبعة (٣)، والأئمة الأربعة (٤): الإمام أبو حنيفة (٥)، والإمام مالك (٦)، والإمام الشافعي (٧)، والإمام أحمد (٨)، وكثير من علماء الإسلام
_________
(١) المجموع للنووي، ٦/ ٤٧.
(٢) بداية المجتهد، لابن رشد، ١/ ٢٥٤.
(٣) سبل السلام للصنعاني، ٤/ ٥٤، والفقهاء السبعة هم: سعيد بن المسيب، وعروة بن الزبير، وأبو سلمة بن عبدالرحمن بن عوف، والقاسم بن محمد ابن أبي بكر الصديق، وعبيدالله بن عبدالله بن عتبة بن مسعود، وسليمان بن يسار، وخارجة بن زيد ابن ثابت. انظر: المغني لابن قدامة ٤/ ٢٤٨.
(٤) الفقه على المذاهب الأربعة للجزيري، ص ٣٤٢.
(٥) المرجع السابق، ص ٣٤٢.
(٦) الموطأ، ١/ ٢٥٥.
(٧) الأم للشافعي، ٢/ ٦٨.
(٨) المغني لابن قدامة، ٤/ ٢٤٨.
1 / 15
والأئمة الأعلام لا يحصي عددهم إلا الله، ومنهم: شيخ الإسلام ابن تيمية (١)، وابن القيم (٢)، وأبو عبيد (٣)، والإمام النووي (٤)، والحافظ ابن حجر (٥)، والإمام ابن قدامة (٦)، والعلامة الصنعاني (٧)، والعلامة الشوكاني (٨)، والإمام البغوي (٩)، ومن المعاصرين: اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (١٠)، والإمام عبدالعزيز بن عبدالله ابن باز (١١)، والعلامة محمد بن صالح العثيمين (١٢)، والعلامة عبدالله بن عبدالرحمن الجبرين (١٣) وغيرهم كثير، بل هو إجماع بين أهل العلم إلا من شذ؛ ولهذا قال الإمام أبو عُبيدٍ ﵀: «أجمع المسلمون على أن الزكاة فرض واجب فيها» (١٤)، وأما
_________
(١) مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية، ٢٥/ ١٥.
(٢) زاد المعاد لابن القيم، ٢/ ٥.
(٣) الأموال لأبي عبيد، ص ٤٢٩.
(٤) المجموع للنووي، ٦/ ٤٧.
(٥) فتح الباري بشرح صحيح البخاري، ٣/ ٣٣٣.
(٦) المغني ٤/ ٢٤٨.
(٧) سبل السلام، ٤/ ٥٤.
(٨) نيل الأوطار، ٤/ ١٦٣.
(٩) شرح السنة، ٦/ ٣٥٠.
(١٠) مجموع فتاوى اللجنة الدائمة، ٩/ ٣٠٨ – ٣٦٢، وقد بدأت اللجنة ببحثٍ قيِّم ذكروا فيه الأدلة على وجوب الزكاة في عروض التجارة، وردوا على ابن حزم الظاهري ومن شذ معه.
(١١) مجموع فتاوى ابن باز، ١٤/ ١٥٩ – ١٩٤.
(١٢) الشرح الممتع، ٦/ ١٤٠، ومجموع فتاوى ابن عثيمين، ١٨/ ٢٠٥ – ٢٤٦.
(١٣) إبهاج المؤمنين بشرح منهج السالكين، ١/ ٣٢٠.
(١٤) أي: فرض واجب في عروض التجارة.
1 / 16
القول الآخر فليس من مذاهب أهل العلم عندنا» (١) (٢).
_________
(١) الأموال، لأبي عبيد، ص ٤٢٩.
(٢) قال الإمام ابن قدامة: «وحكي عن مالك وداود أنه لا زكاة فيها؛ لأن النبي ﷺ قال: «عفوت لكم عن صدقة الخيل والرقيق». [أبو داود، برقم ١٥٧٤، والنسائي برقم ٢٤٧٧، وابن ماجه وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود، ١/ ٤٣٦] وتقدم تخريجه في زكاة الأثمان، ثم قال ابن قدامة ﵀: «وخبرهم المراد به زكاة العين لا زكاة القيمة بدليل ما ذكرنا، على أن خبرهم عام وحديثنا خاص، فيجب تقديمه». [المغني، ٤/ ٢٤٩]، واستدلوا كذلك بحديث أبي هريرة ﵁ «ليس على المسلم في عبده ولا فرسه صدقة» [متفق عليه: البخاري، برقم ١٤٦٣، ومسلم، برقم ٩٨٢]، ونوقش الاستدلال بهذين الحديثين: بأن المراد: الفرس والعبد المعد للخدمة لا لعروض التجارة، فلا زكاة فيهما؛ لأن ذلك يكون خاصًا به يستعمله وينتفع به: كالثوب، والبيت، والسيارة التي يستعملها، كل هذه ليس فيها زكاة [الشرح الممتع، لابن عثيمين ٦/ ١٤١].
واستدلوا بقوله ﷺ: «ليس في حب ولا ثمر صدقة حتى يبلغ خمسة أوسق، ولا فيما دون خمس ذود صدقة، ولا فيما دون خمس أواق صدقة» [متفق عليه: البخاري، برقم ١٤٨٤، ومسلم، برقم ٩٧٩] قال المسقطون لزكاة العروض التجارية: «فدل عموم ذلك أنها ليس فيها زكاة سواء أعدت للتجارة أم لا، ويجاب عن ذلك بحمله على عدم وجوب الزكاة في أعيانها، وهذا لا ينافي وجو ب الزكاة في قيمتها: من الذهب، والفضة؛ فإنها ليست مقصودة لأعيانها، وإنما هي مقصودة لقيمتها، فكانت قيمتها هي المعتبرة، وبذلك يجمع بين أدلة نفي وجوبها في العروض وإثباتها فيها». [فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء، ٩/ ٣١٠] وقالت اللجنة أيضًا في إجابة على الفتوى رقم ٨٨٩٥ لسؤال عن القول بعدم الوجوب في عروض التجارة فأجابت اللجنة بقولها: «ثبت وجوب الزكاة في النقود ذهبًا كانت أو فضة: بالكتاب، والسنة، والإجماع، وعروض التجارة ليست مقصودة لذاتها، وإنما المقصود منها النقود ذهبًا كانت أو فضة، والأمور إنما تعتبر بمقاصدها؛ لقول النبي ﷺ: «إنما الأعمال بالنيات» ولذا لم تجب الزكاة في الرقيق المتخذ للخدمة، ولا في الخيل المتخذة للركوب، ولا في البيت المتخذ للسكنى، ولا في الثياب المتخذة لباسًا، ولا في الزبرجد، والياقوت، والمرجان ونحوها إذا اتخذت للزينة، أما إذا اتخذ كل ما ذكر ونحوه للتجارة فالزكاة واجبة فيه؛ لكونه قصد به النقود: من الذهب، والفضة، وما يقوم مقامها، وإنما نفى ابن حزم وجوب الزكاة في عروض التجارة؛ لأنه لا يقول بتعليل الأحكام، والقول بعدم تعليل الأحكام، وأنها لم تشرع لحكم قول باطل، والصحيح أنها معللة، وأنها نزلت لحكم، لكنها قد يعلمها العلماء فيبنون عليها، ويتوسعون في الأحكام، وقد لا يعلمها العلماء فيقفون عند النص، وهذا هو مسلك الأئمة الأربعة، والأكثر من أهل العلم، فمن منع زكاة ما لديه من عروض التجارة فهو مخطئ، والأحاديث الواردة في إيجابها في العروض وإن كان فيها ضعف، صالحة للاعتضاد، والتأييد لهذا الأصل» [اللجنة الدائمة المكونة من: عبدالعزيز ابن باز، وعبدالرزاق عفيفي، وعبدالله بن غديان، وعبدالله بن قعود، ٩/ ٣١٢].
1 / 17
رابعًا: شروط وجوب الزكاة في عروض التجارة على النحو الآتي:
الشرط الأول: نية التجارة في عروض التجارة؛ لأن العروض مخلوقة في الأصل للاستعمال، فلا تصير للتجارة إلا بالنية، ويعتبر وجود النية في جميع الحول؛ لأنها شرط أمكن اعتباره في جميع الحول، فاعتبر فيه؛ لقوله ﷺ: «إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى» (١) (٢).
_________
(١) متفق عليه: البخاري، برقم (١)، ومسلم، برقم ١٩٠٧، وتقدم تخريجه في منزلة الزكاة في الإسلام في شروط صحة الزكاة.
(٢) واختلف الأئمة الأربعة في شروط وجوب الزكاة في عروض التجارة على النحو الآتي:
١ – الشافعية: قالوا تجب: الزكاة في عروض التجارة بشروط ستة: ...
الشرط الأول: أن تكون هذه العروض قد ملكت بمعاوضة: كشراء ونحوه.
الشرط الثاني: أن ينوي بهذه العروض التجارة حال المعاوضة.
الشرط الثالث: أن لا يقصد بالمال القنية، فإن قصد ذلك انقطع الحول.
الشرط الرابع: مضي حول من وقت ملك العروض. ...
الشرط الخامس: أن لا يصير جميع مال التجارة أثناء الحول نقدًا من جنس ما تقوم به العروض.
الشرط السادس: أن تبلغ قيمة العروض آخر الحول نصابًا. ...
٢ – الحنفية: قالوا: تجب زكاة عروض التجارة بشروط منها:
الشرط الأول: أن تبلغ قيمتها نصابًا من الذهب أو الفضة.
الشرط الثاني: أن يحول عليها الحول، والمعتبر طرفا الحول لا وسطه.
الشرط الثالث: أن ينوي التجارة، وأن تكون هذه النية مصحوبة بعمل تجارة.
الشرط الرابع: أن تكون العين المتجر فيها صالحة لنية التجارة، فلو اشترى أرض عشر وزرعها أو بذرًا وزرعه، وجب في الزرع الخارج العشر دون الزكاة، أما إذا لم يزرع الأرض العشرية فإن الزكاة تجب في قيمتها.
٣ – المالكية: قالوا: تجب زكاة عروض التجارة مطلقًا، سواء كان التاجر محتكرًا أو مديرًا، بشروط خمسة:
الشرط الأول: أن يكون العرض مما لا تتعلق الزكاة بعينه: كالثياب، والكتب.
الشرط الثاني: أن يكون العرض مملوكًا بمبادلة حالية: كشراء، وإجارة.
الشرط الثالث: أن ينوي بالعرض التجارة حال شرائه. ...
الشرط الرابع: أن يكون ثمنه عينًا أو عرضًا امتلكه بمعاوضة مالية. ...
الشرط الخامس: أن يبيع من ذلك العرض بنصاب من الذهب أو الفضة إن كان محتكرًا، أو بأي شيء منهما ولو درهمًا إن كان مديرًا.
٤ – الحنابلة: قالوا: تجب الزكاة في عروض التجارة إذا بلغت قيمتها نصابًا بشرطين:
الشرط الأول: أن يملكها بفعله: كالشراء، فلو ملك العروض بغير فعله، كأن ورثها فلا زكاة فيها.
الشرط الثاني: أن ينوي التجارة حال التمليك، بأن يقصد التكسب بها، ولا بد من استمرار النية في جميع الحول، أما لو اشترى عرضًا للقنية ثم نوى به التجارة بعد ذلك فلا يصير للتجارة إلا الحلي المتخذ للبس [كتاب الفقه على المذاهب الأربعة، للحريري، ص ٣٤٢ - ٣٤٤].
1 / 18
الشرط الثاني: أن تبلغ قيمة العروض للتجارة نصابًا من أقل الثمنين [أي الذهب والفضة] قيمةً فإذا بلغ أحدهما نصابًا دون الآخر قوَّمه به، ولا يعتبر ما اشتراه به؛ لأن تقويمه لحظ الفقراء ... فإن بلغ نصابًا من كل واحدٍ: من الذهب والفضة، قوَّمه بما هو أحظ لأهل الزكاة، فإن استويا قومه بما شاء منهما، والأصل في اعتبار النصاب قوله ﷺ: «ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة، ولا فيما دون خمس ذود صدقة، ولا فيما دون خمس أواق صدقة» (١)؛ ولقوله ﷺ: «... فإذا كان لك مائتا درهم وحال عليها الحول ففيها خمسة دراهم، وليس عليك شيء - يعني في الذهب - حتى يكون لك عشرون دينارًا» (٢).
_________
(١) متفق عليه: البخاري، برقم ١٤٨٤، ومسلم، برقم ٩٧٩، وتقدم تخريجه في منزلة الزكاة في الإسلام في شروط الزكاة.
(٢) أبو داود، برقم ١٥٧٣، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود، ١/ ٣٤٦، وتقدم تخريجه في زكاة الأثمان «زكاة الفضة».
1 / 19
الشرط الثالث: الحول؛ لقوله ﷺ: «... وليس في مال زكاة حتى يحول عليه الحول» (١)، ويعتبر وجود النصاب في جميع الحول؛ لأن ما اعتبر له الحول والنصاب، اعتبر وجوده في جميعه، كالأثمان.
وإذا اشترى للتجارة عرضًا لا يبلغ نصابًا ثم بلغه انعقد الحول عليه من حين صار نصابًا، وإن ملك نصابًا فنقص انقطع الحول، فإن عاد فنما فبلغ النصاب استأنف الحول، على ما ذكر في زكاة السائمة والأثمان، وإن ملك نصابًا في أوقات فلكلِّ نصابٍ حول، ولا يضم نصابٌ إلى نصاب؛ لأن المال المستفاد يعتبر له الحول على ما ذكر سابقًا، وإن لم يَكْمُل النصاب الأول إلا بالثاني فحولهما منذ ملك الثاني، وإن لم يكملا إلا بالثالث فحول الجميع من حين كمل النصاب.
وإذا اشترى نصابًا للتجارة بآخر لم ينقطع الحول؛ لأن الزكاة تتعلق بالقيمة، والقيمة فيهما واحدة انتقلت من سلعة إلى سلعة، فهي كدراهم نقلت من بيت إلى بيت، وإن اشتراه بأثمان لم ينقطع الحول؛ لأن قيمة الأثمان كانت ظاهرة فاستترت في السلعة، وكذلك لو باع نصاب التجارة بنصاب الأثمان، لم ينقطع الحول لذلك، وإن اشترى نصابًا للتجارة بِعَرْضِ للقنية أو بما دون النصاب من الأثمان، أو عَرْض للتجارة انعقد الحول من حين الشراء؛ لأن ما اشترى به لم يجرِ في حول الزكاة، فلم يُبنَ عليه، ولو اشترى نصابًا للتجارة بنصاب سائمة أو سائمة بنصاب تجارة انقطع الحول؛ لأنهما مختلفان، فإن كان نصاب التجارة سائمة فاشترى به نصاب سائمة للقنية لم
_________
(١) أخرجه أبو داود، برقم ١٥٧٣، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود، ١/ ٤٣٦، وتقدم تخريجه في منزلة الزكاة في الإسلام في شروط وجوب الزكاة.
1 / 20
ينقطع الحول؛ لأن السوم سبب للزكاة، إنما قدم عليه زكاة التجارة لقوَّته فإذا زال المعارض ثبت حكم السوم؛ لظهوره (١).
وإن اشترى أرضًا ونخلًا للتجارة، فزرعت الأرض وأثمر النخل، واتفق حولهما: بأن بدأ الصلاح في الثمر، واشتد الحب، عند تمام الحول، وكانت قيمة الأرض تبلغ نصاب التجارة، فالأقرب للصواب أنه يزكِّي الجميع زكاة التجارة؛ لأنه مال تجارة تجب فيه زكاة التجارة كالسائمة (٢).
وهذه الشروط: من نية التجارة، وبلوغ النصاب، وتمام الحول في عروض التجارة، تضاف إليها الشروط العامة في الزكاة التي ذكرتها في أول الزكاة» (٣).
_________
(١) انظر: الكافي لابن قدامة، ٢/ ١٦٢ - ١٦٤، والمغني، ٤/ ٢٥١ - ٢٥٥.
(٢) وقدم هذا القول العلامة ابن مفلح في الفروع، ٤/ ٢٠٣، واختاره القاضي وجزم به كما ذكر المرداوي في الإنصاف، ٧/ ٦٩، وقيل: بل يزكي الثمر والحب زكاة العشر، ويزكي الأرض الأصل زكاة القيمة، وقدمه في المغني، والكافي، بل اختاره ونصره، وهو قول أبي حنيفة وأبي ثور [انظر: المغني لابن قدامة، ٤/ ٢٥٦، والكافي له، ٢/ ١٦٤، والفروع لابن مفلح، ٤/ ٢٠٣، وحاشية ابن قاسم على الروض، ٣/ ٢٦٧].
(٣) وفي مذهب الإمام أحمد شرط آخر: وهو أن يملك عروض التجارة بفعله، بنية التجارة: كالبيع، والنكاح، وقبول الهدية، ونحو ذلك. وهذه المسألة لها ثلاث حالات:
الحالة الأولى: أن يملكها بفعله بنية التجارة، كما لو اشترى هذه الأرض للتجارة ففيها الزكاة.
الحالة الثانية: أن يملكها بغير فعله كالميراث، وينويها للتجارة، فالمذهب لا تكون عروض تجارة فليس فيها زكاة.
الحالة الثالثة: أن يملكها بفعله بغير نية التجارة ثم ينويها للتجارة، فالمذهب لا تكون للتجارة فليس عليها زكاة.
وفي رواية للإمام أحمد أن العرض يصير للتجارة بمجرد النية، وهذه الرواية هي أقرب؛ لقوله ﷺ: «إنما الأعمال بالنيات» [متفق عليه] وهي التي اختارها: أبو بكر، وابن أبي موسى، وابن عقيل، وصاحب الفائق، وقال العلامة ابن عثيمين ﵀ في الشرح الممتع، ٦/ ١٤٥: «فيها الزكاة على القول الراجح». [وانظر: الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف، للمرداوي ٧/ ٥٦].
1 / 21