فقال رسول الله ﷺ: ما غبنت صفقتك يا ضرار.
وروي أن النابغة الجعدي أنشد النبي ﷺ:
بلغنا السَّماءَ مجدُنا وسناؤنا ... وإنَّا لنرجو فوقَ ذلك مُظْهرَا
فقال النبي ﷺ: إلى أين؟ قال: إلى الجنة بك يا رسول الله. قال: لا يفضض الله فاك.
وروي أن النبي ﷺ سمع رجلًا ينشد:
إنِّي امرؤ حميريٌّ حين تنسبني ... لا من ربيعة آبائي ولا مُضَرُ
فقال: ذاك أبعد من الله ورسوله والوجه في هذا والله أعلم أن افتخاره بأنَّه لا من ربيعة ولا من مضر هو الَّذي أوجب له الذّمّ والتّباعد من الله ﷿ ورسوله ﵇ لا أن كونه من حمير موجب لذلك.
والَّذي يروى أن النبي ﷺ أنشده واستنشده أكثر من ذاك. وقد روي عن ابن الشريد عن أبيه قال: استنشدني النبي ﷺ فأنشدته مائة قافية لامية فقال: إن كان ليسلم ماذا كان قد أنشد النبي ﷺ من شعر رجل واحد مقدار ما حددناه نحن للباب فكيف يتهيء لنا استيعاب ما استنشده وما مدح به في باب غير أن الاستقصاء أصلح من طلب الغاية بالتطويل والإكثار ونحن الآن نذكر طرفًا ممَّا مدح به رسول الله ﷺ وما رثي به بعد وفاته. وقال أبو بكر الصديق رحمة الله عليه يرثي رسول الله صلى الله عليه:
أمستْ تأوّبني همومٌ جمَّةٌ ... مثلُ الصُّخور قد أمستْ هدَّت الجسدا
ليت القيامةَ قامت عند مهلكه ... كي لا نرَى بعده مالًا ولا ولدا
وقال عمر بن الخطاب ﵁ يرثيه:
ما زلت مُذْ وضع الفراش لجسمه ... وثوى مريضًا خائفًا أتوقّعُ
شفقًا عليه أن يزول مكانه ... عنَّا فنبقَى بعده نتفجّعُ
نفسي فداؤك من لنا في أمرنا ... أمنٌ نشاوره إذا نتوجَّعُ
وإذا تحلّ بنا الحوادث من لنا ... بالوحي من ربٍّ سميع نسمعُ
وقال علي بن أبي طالب ﵁ يرثيه:
أمن بعد تكفيني النَّبيّ ودفنه ... بأثوابه آسى علَى هالكٍ نوَى
رُزينا رسول الله فينا فلن نرَى ... بذلك عدلًا ما حيينا من الردَى
وكانَ لنا كالحصن من دون أهله ... لهم معقل فينا حريزٌ من العِدَى
وكنَّا برؤياه نرى النّور والهدَى ... صباحَ مساءَ راحَ فينا أوْ اغتدَى
فقد غشيتنا ظلمةٌ بعد موته ... نهارًا فقد زادت علَى ظلمة الدُّجَى
فيا خير من صمّ الجوانح والحشا ... ويا خير ميت ضمّه التّرب والثّرَى
كأنَّ أُمور النَّاس بعدك ضمنت ... سفينة نوح البحر والبحر قد سمَا
فضاق فضاء الأرض عنهم برحبه ... لفقد رسول الله إذ قيل قد قضى
فقد نزلت بالمسلمين مصيبة ... كصدع الصَّفا لا شعب للصّدع في الصفا
فإن يستقل النَّاس تلك مصيبة ... ولن يجبر العظم الكسير إذا وهى
وفي كل وقت للصلاة يهيجهُ ... بلال ويدعو باسمه كلما دعا
ويطلب أقوام مواريث هالك ... ولله ميراث النبوة والهدى
وقال علي بن أبي طالب ﵇:
ألا طرق الناعي بليل فراعني ... وأرقني لما استقل مُناديا
فقلت له لما رأيت الَّذي أتى ... أغير رسول الله إن كنت ناعيا
فحقق ما أشفقت منه ولم تُبل ... وكان خليلي غريا وجماليا
فوالله ما أنساك أحمد ما مشت ... بي العيس في أرض وجاوزتُ واديا
وكنت مَتَى أهبط من الأرض تلعةً ... أرى أثرًا منه جديدًا وباليا
شديد جرى في الصدر نهدٌ مصدرٌ ... هو الموت مغدوًا عليه وغاديا
وقالت صفية بنت عبد المطلب ترثيه ﵇:
طال ليلي أسعدنني أخواتي ... ليس ميتي كسائر الأمواتِ
ليس ميتي من مات في النا ... س ولا كان مثله في الحياةِ
طال ليلي لنكبةٍ قطعتني ... لا أرى مثلها من النكباتِ
وقالت صفية:
ما لعينيَّ لا تجودانِ رِيّا ... قد رُزينا خير البرية حيّا
يوم نادى إلى الصلاة بلال ... فبكينا بعد النداء مليّا
كل يوم أصبحت فيه ثقيلًا ... لا ترد الجواب منك إليّا
لم أجد قبلها ولست بلاقٍ ... بعدها غصة أمر عليّا
1 / 150