وهلْ يستعيضُ المرءُ مِنْ خَمسِ كفِّهِ ... ولو صاغَ مِنْ حرِّ اللُّجينِ بنانَها
وأنشدني أحمد بن يحيى:
لا تلْحِيا في حبِّ ظَبيةَ هائمًا ... أمسَى بظبيةَ هائمًا مشغولا
هَيمانُ يعطشُ بالفراتِ لحبٌّها ... ويزيدهُ بردُ الشَّبابِ غَليلا
وقال آخر:
فكادَ يعتبُني في غيرِ فاحشةٍ ... بعضِ اتِّباعِ الهوَى والمشربَ الألفُ
يا أيُّها العاذلُ الرَّاجي لأُعتبهُ ... ماذا تراكَ منَ التَّلوامِ تَعترفُ
أفي الصِّبى لمتَني أنتَ الفداءُ لهُ ... وهلْ عصَى لكَ مِنْ لذَّاتهِ خلَفُ
إذا ذممتَ الصِّبى يومًا فلا ترَني ... ممَّنْ يطيعُكَ أوْ يرضَى بما تصفُ
إنَّ القلوبُ إذا نيَّاتها اختلفتْ ... فلا تكادُ على الأضغانِ تأتلفُ
وأنشدني أحمد بن يحيى:
وقدْ علمتْ سمراءُ أنَّ حديثَها ... فجيعٌ كما ماءُ السَّماءِ فجيعُ
إذا أمرتْكَ العاذلاتُ بصرمِها ... هفتْ كبدٌ ممَّا يقُلْنَ صديعُ
وزادني غيره:
وكيف أُطيعُ العاذلاتِ وحبُّها ... يورِّقُني والعاذلاتُ هجوعُ
وقال أبو صخر الهذلي:
أرِقتُ ونامَ عنِّي مَنْ يلومُ ... ولكنْ لمْ تنمْ عنِّي الهمومُ
كأنِّي مِنْ تذكُّرها أُلاقي ... أذًى ما أظلمَ اللَّيلُ البهيمُ
سليمٌ ملَّ منهُ أقرَبوهُ ... وعطَّلهُ المُداوي والحميمُ
يلومكَ في مودَّتها رجالٌ ... لَوَ انَّهمُ بدائكَ لمْ يلومُوا
قلوبهمُ وأنفسهمْ صحاحٌ ... وقلبكَ مِنْ تذكُّرها سقيمُ
فأنتَ وإنْ لحاكَ النَّاسُ فيها ... جميعَ النَّاسِ تعصِي أوْ تلومُ
وقال الضحاك بن عقيل الخفاجي:
لقدْ لامَني فيها رجالٌ وقدْ أرَى ... مكانَ نساءٍ قدْ مُلئنَ لها حقدا
يُخبِّروني أنِّي سفيهٌ فزادَني ... مقالةُ مَنْ قدْ قالَ لي ولَها وَجدا
علَى حبِّها فازددتُ ضعفًا ولم أكنْ ... أرَى قبلُ عندِي غيرَ ما استسلفتْ ودَّا
وهذا لعمري من أحسن الكلام وجيده وإن كان في البيت الأخير غلط يسير لأنه زعم أنَّ من ملامهم فيها زاده ضعفًا من محبَّتها والعذل لا يزيد المحبة ولا ينقصها ولكن النَّفس إذا اشتدَّ ضنُّها فغُري العذل بمسامعها عارضها ضربٌ من الإشفاق على حال من عوتبت في محبَّته وخشيت أن يكون العذل مزيلًا له عن مرتبته وكان تحريك خاطرة الضَّنّ بذلك زائدة في القلق ومهيِّجة للفكر فيتوهَّم صاحبها أنَّ محبَّته قد تزايدت وما تزايدت ولا تناقصت وهذا الغلط لم يجر على صاحب هذه الأبيات وحده بل قد جرى على من قبله وبعده.
وقال معاذ ليلى في نحو ذلك:
يقرُّ بعيني قربُها ويَزيدُني ... بها عجبًا مَنْ كانَ عندِي يعيبُها
وكمْ قائلٍ قد قالَ تُبْ فعصيتهُ ... وتلكَ لعمري توبةٌ لا أتوبُها
فيا نفسُ صبرًا لستُ واللهِ فاعلَمي ... بأوَّلِ نفسٍ غابَ عنها حبيبُها
وقال عمر بن يحيى الطائي:
قالَ العواذلُ لي أينقصُ حبُّها ... لا بلْ علَى رغمِ الوشاةِ يزيدُ
تأبَى قرابةُ بينِنا ومودَّةٌ ... ولها عليَّ مواثقٌ وعهودُ
طُوِّينَ في حججٍ مضينَ سوالفٍ ... حذارَ الوشاةِ فنقضُهنَّ شديدُ
وإذا تعرَّضَ زاجرٌ عنْ حبِّها ... قُلنا عليكَ صفائحٌ ولحودُ
وقالت وجيهة بنت أوس:
وعاذلةٍ تغدُو عليَّ تلومُني ... علَى الشَّوقِ لمْ تمحُ الصَّبابةَ مِنْ قلبِي
فما ليَ إنْ أحببتُ أرضَ عشيرتِي ... وأحببتُ طرفاءَ القُصيبةِ مِنْ ذنبِ
وقال مالك بن حارث الهذلي:
يقولُ العاذلاتُ أكلَّ يومٍ ... لسُرُّبةِ مالكٍ عنَقٌ شَناحُ
وقدْ خرجتْ نفوسهمْ فماتُوا ... علَى إخوانهمْ وهمُ صحاحُ
ولستُ مقصِّرًا ما سافَ مالِي ... ولو عُرضتْ لِلَبَّتيَ الرِّماحُ
فلومُوا ما بدَا لكمُ فإنِّي ... سأُعتبكمْ إذا انفسخَ المُراحُ
وقال جرير:
إذا ما نمتِ هانَ عليكِ ليلِي ... وليلُ الطَّارقاتِ منَ الهمومِ
إذا ما لُمتِني وعذرتُ نفسِي ... فلومِي ما بدَا لكِ أنْ تلومِي
وقال القعقاع:
1 / 126