مشر ثائر احمد عرابی
الزعيم الثائر أحمد عرابي
ژانرونه
في هذا الجو من اضطراب الخواطر وقعت الحادثة المعروفة بمذبحة الإسكندرية ... ففي يوم الأحد 11 يونيو سنة 1882، في نحو الساعة الثانية بعد الظهر، وقع شجار بين أحد المالطيين من رعايا الإنجليز وأحد الأهلين يدعى «السيد العجان» ... كان المالطي هو البادئ فيه بالعدوان، فقد كان الوطني صاحب حمار ركبه المالطي، وأخذ يطوف به من صبيحة النهار متنقلا من قهوة إلى أخرى، وانتهى طوافه إلى حانة «خمارة» قريبة من قهوة القزاز بالقرب من مخفر اللبان بآخر شارع «السبع بنات» ... فطالبه الوطني بأجرة ركوبه، فلم يدفع له سوى قرش صاغ واحد، فجادله في قلة الأجر، فما كان من المالطي إلا أن أشهر سكينا طعنه بها عدة طعنات دامية مات على إثرها.
وقع هذا الحادث في الزقاق الكائن خلف «قهوة القزاز»، فهرع رفاق القتيل إلى ذلك المكان، يريدون أن يمسكوا بالقاتل، ولكنه فر إلى أحد المنازل المجاورة، وأخذ المالطيون واليونانيون الساكنون بالقرب من مكان الحادث يطلقون النار على الأهلين من الأبواب والنوافذ، فسقط كثير منهم بين قتيل وجريح ... فثارت نفوس الجماهير تطلب الانتقام لمواطنيهم، وتحركت طبقة الدهماء للاعتداء على الأوروبيين عامة، فأخذوا يهجمون على كل من يلقونه منهم في الطرقات أو في الدكاكين ويوسعونهم ضربا ... وكان سلاحهم في هذه المعركة العصي والهراوات ليس غير.
وانبث الدهماء في المدينة يستنفرون الناس للقتال، ويقتلون من يلقونه من الإفرنج ضربا بالعصي والهراوات، ونهبوا دكاكين شارع السبع بنات، وامتد الهياج من هذا الشارع إلى الشارع الإبراهيمي وإلى شارع الهماميل، وشارع المحمودية وجهة الجمرك والمنشية وشارع الضبطية «رأس التين» وغيرها من الشوارع التي يقطنها الأوروبيون أو يمرون منها، وقد قتل كثير منهم أمام الضبطية، إذ كانوا قادمين من الترسانة عائدين من زيارتهم للبوارج الإنجليزية والفرنسية، وكان الأوروبيون من ناحيتهم يطلقون الرصاص من النوافذ على الأهلين، فقتل من الجانبين خلق كثير. •••
وإذ كان البادئ بالعدوان أحد الرعايا «المالطيين» وقد شاهده بعض الحاضرين يلوذ بالفرار إلى منزل يسكنه مواطنوه، فقد أرسل قسم اللبان إلى المستر كوكسن قنصل إنجلترا لإيفاد أحد موظفي القنصلية لكي يخرج المعتدي من ذلك المنزل، فحضر المستر كوكسن بنفسه أثناء اشتداد الهياج، فأصيب بضربة حجر وعصا جرح بسببها جرحا بليغا، وجرح أيضا في ذلك اليوم قنصل اليونان وقنصل إيطاليا، فكانت إصابة القناصل من مظاهر خطورة الحالة.
وكان عمر باشا لطفي محافظ المدينة حين بدأت الحادثة، يتولى رياسة قومسيون تحقيق الجمرك بدار المحافظة، فأبلغه أحد موظفي الضبطية نبأ الشجار الذي وقع بين الوطني والمالطي، وكان ذلك في نحو الساعة الثالثة بعد الظهر، فأوفد حسين بك فهمي وكيل المحافظة إلى مكان الواقعة لفض الخلاف، ثم جاء بعد ربع ساعة نبأ باستفحال الفتنة وتجسمها، وأن السيد بك قنديل مأمور الضبطية مريض في منزله، فذهب بنفسه إلى جهة الواقعة بشارع السبع بنات.
وهناك أدرك خطورة الفتنة ورأى ازدحام الشارع بالمتجمهرين، فطلب من إسماعيل باشا كامل قومندان الجنود بالإسكندرية، إرسال المدد من الجند لوقف الهياج ... فتباطأ الأميرالاي مصطفى بك عبد الرحيم قائد الآلاي الخامس، الذي كان مرابطا برأس التين والقائمقام سليمان سامي داود قائد الآلاي السادس، الذي كان بباب شرقي في إرسالهما الجند، ولم يحضروا إلا في الساعة الخامسة مساء قبل المغرب بساعة، وحين جاء الجند فرقوا المتجمهرين بغير صعوبة، وانتهت الفتنة في مغرب الشمس، فساد المدينة سكون رهيب، إذ لزم الناس بيوتهم، وخلت الطرقات من المارة، وانقضى الليل والناس في وجل وفزع.
وبلغ عدد القتلى في هذه الحادثة 49 منهم 38 من الأجانب والباقون من الأهلين . (3-1) اجتماع القناصل بالإسكندرية
اجتمع القناصل مساء يوم الحادثة، وكان من بينهم الكابتن مولينو من ضباط المدرعة الإنجليزية «إنفنسبل»، وقد عهد إليه الأميرال سيمور أن ينوب عن المستر كوكسن في إدارة القنصلية عقب إصابته في الحادثة، وحضر الاجتماع محافظ المدينة، وتداولوا فيما يجب اتخاذه لإعادة النظام وتهدئة الخواطر، فصرح كبار ضباط الجيش بالإسكندرية أنهم مكلفون بحفظ الأمن ... على ألا يتدخل الأسطولان في الأمر، فطلب القناصل من قائدي الأسطولين أن لا يتخذا تدابير ظاهرة، ولكن بعض الزوارق الإنجليزية شوهدت في منتصف الليل، قادمة من إحدى بوارج الأسطول ترسو على شاطئ الميناء الشرقي.
وكان مجيئها تنفيذا لتعليمات الأميرال سيمور، الذي أصدر أمره بأن تخرج البارجة «سوبرب» من الميناء الغربي وترسو خارج الميناء الشرقي، وأن ترسل بعض الزوارق إلى البر لنقل النساء والأطفال إلى البارجة، فاعترض الضباط على هذه الوسيلة إذ رأوا في حضور الزوارق الإنجليزية إلى البر ما يدعو إلى هياج الجمهور والجند، فوعد نائب القنصل البريطاني بإبعاد الزوارق عن البر، وانفض الاجتماع الأول على ذلك.
وقع النبأ في العاصمة
ناپیژندل شوی مخ