مشر ثائر احمد عرابی
الزعيم الثائر أحمد عرابي
ژانرونه
ظلت إنجلترا مشتركة مع فرنسا في موقفهما حيال مصر حتى حضور الأسطولين، وقد ظهر اشتراكهما في العمل فيما وقع من الأحداث السابقة، كوضع الرقابة الثنائية، ثم المظاهرة البحرية الأولى التي وقعت في أكتوبر سنة 1881، ثم تقديم مذكرة 7 يناير سنة 1882 التي أدت إلى سقوط وزارة شريف، وتقديم المذكرة الأخيرة التي أدت إلى استقالة وزارة البارودي ... على أن إنجلترا قد اعتزمت بعد أن قطعت هذه المرحلة التمهيدية أن تنفرد بالعمل تحقيقا لأغراضهما الاستعمارية ... ولم يخف اللورد جرانفيل هذه النية عن الحكومة الفرنسية، فقد أبلغ المسيو دي فريسينيه رئيس وزراء فرنسا بما يأتي: «إننا كنا سعداء بالأمس إذ شاطرنا حكومتكم رأيها، حين كنا نأمل الوصول إلى نتيجة مرضية، ولكن مع الأسف ليست هذه هي الحالة الآن.»
وصرح السير إدوار مالت قنصل إنجلترا العام في مصر يوم 27 مايو سنة 1882: «أنه لا يعتبر نفسه مقيدا بالوسائل المنطوية على التساهل الواردة في مذكرة 25 مايو.»
وبدأت نية الانفراد بالعمل من الجانب الإنجليزي بمظهر فعلي، فيما بعث به أميرال الأسطول البريطاني إلى حكومته يوم 29 مايو سنة 1882 ينبئها بأن المصريين ينشئون بطارية تجاه إحدى بوارج الأسطول، ويطلب إرسال بوارج أخرى، فلبت الحكومة طلبه، ودل هذا العمل على نية إنجلترا في احتلال مصر.
ورأى مسيو دي فريسينيه أنه يستطيع إنقاذ الموقف، بدعوة الدول إلى عقد مؤتمر للنظر في المسألة المصرية، فعرض في 30 مايو سنة 1882 على الدول الأوروبية الكبرى عقد هذا المؤتمر ... فلم تتردد إنجلترا في قبول هذه الفكرة، وبادر اللورد جرانفيل وزير خارجيتها بإعلان قبولها، إذ كان يعتقد أن السياسة لا يصعب عليها أن تبتدع الحوادث التي تسوغ تدخلها المنفرد في مصر. (2) الوفد العثماني الثاني
في أثناء أزمة استقالة وزارة البارودي، أرسل الخديو توفيق برقية إلى السلطان ينبئه فيها عن هياج الضباط، فجاءه الرد من «الباب العالي» بأن السلطان باعث إليها بلجنة للنظر في المشكلة ... ففي اليوم الثاني من شهر يونيو سنة 1882 عين مصطفى درويش باشا معتمدا عثمانيا ساميا للحضور إلى مصر، وعهد إليه برياسة وفد أرسله السلطان إلى مصر لمعالجة الحالة فيها، وكان هذا جوابها على رسالة الخديو، وعلى فكرة عقد مؤتمر دولي للنظر في المسألة المصرية، فقد كان ظنها أن حضور «مندوب شاهاني» يغني عن عقد مثل هذا المؤتمر ويكفي لإعادة السلام والوئام في مصر، وكذلك كانت سياستها قائمة على الجهل وقصر النظر، فبينما كانت إنجلترا تعمل على التدخل الحربي، وترسل أسطولها تمهيدا وتأييدا لهذا التدخل، فإن الحكومة التركية توهمت أن مجرد إيفادها مندوبا ساميا كدرويش باشا يعيد الأمور إلى نصابها في مصر، ويحول دون تدخل إنجلترا، وتوهمت أن عدم اشتراكها في المؤتمر يمنع الدول من أن تتدخل أو تبرم أمرا في المسألة المصرية.
كان هذا هو الوفد العثماني الثاني الذي جاء مصر في أثناء الحوادث العرابية، والوفد الأول هو الذي حضر في شهر أكتوبر سنة 1881 برياسة علي نظامي باشا كما تقدم بيانه.
ويهمنا أن نقرر أن كلا الوفدين لم يحضر بنية خالصة نحو مصر، بل حضر للمظاهرة وللإعلان عن سلطة تركيا في القطر المصري، دون أن يعمل كلاهما أي عمل نافع في فض الخلاف بين الخديو والجيش أو في إنقاذ مصر من مطامع إنجلترا.
جاء الوفد العثماني الثاني برياسة درويش باشا في الوقت الذي اكتمل فيه عدد البوارج الإنجليزية والفرنسية في مياه الإسكندرية ... وقد كانت رؤية هذه البوارج كافية لإفهامه أن الموقف جد عصيب، وأن حضوره بصفته مندوبا عن السلطان لا يمكن أن يؤثر في الموقف شيئا بإزاء تلك المدافع الضخمة الفاغرة أفواهها، وتلك المعدات الحربية التي تنذر بالشر والدمار، وأن هذا الموقف لا يحله حضور مندوب عثماني عدته المظاهر الفارغة التي يحاط بها، ولا يهمه قبل كل شيء إلا الرشا والأموال التي يتطلع إليها. •••
كل ما فعلته تركيا إذن تجاه حضور الأسطولين الإنجليزي والفرنسي أن أوفدت درويش باشا المذكور، ثم أرسلت قبل وصوله إلى مصر تلغرافا في 5 يونيو بأن وزارة الخارجية البريطانية أبلغت السفارة التركية في لندن، بأن الجنود المصرية تجري التجهيزات والترميمات في حصون الإسكندرية على نية تهديد الأسطولين الإنجليزي والفرنسي، وأن الباب العالي يطلب منعها إذا كانت جارية، ثم أردف ذلك بتلغراف آخر في اليوم التالي يستعجل الرد.
وكان هذا البلاغ من وزارة الخارجية البريطانية بداية التحرش بالسلطات المصرية، إذ بني ما زعمه الأميرال سيمور من أن السلطات المصرية تحصن القلاع المواجهة للأسطول، فكان ذلك السبب المنتحل باعثا لتركيا على طلب الكف عن هذه التجهيزات، ورأى عرابي إزاء هذا الإلحاح أن يأمر بالكف عنها، وأرسل إلى الخديو كتابا بذلك في 5 يونيو سنة 1882 خلاصته أن هذه التجهيزات إنما هي ترميمات اعتيادية لا يمكن الاستغناء عنها في أي وقت، وأنها لم تكن لقصد سيئ بل هي ضرورية لبقاء الاستحكامات الواجب حفظها، وتعهدها بدوام الترميم والإصلاح.
ناپیژندل شوی مخ