وقد حدث غير ذلك في الانتخابات التالية، فلماذا تغير المسلك من فترة إلى فترة، خلافا لما ينتظر من التقدم مع الزمن حقبة بعد حقبة وجيلا بعد جيل؟
قبل أن نعلل ونفصل، علينا أن نرجع إلى الجو النفساني الذي أحاط بتلك الانتخابات؛ فإنه أهم عامل من عوامل الاتجاه السياسي في الجماعات.
كان جو الانتخابات بين أوساط القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين هو «القضية الوطنية»، بل جو الحماسة القوية لهذه القضية.
كان هذا الجو محيطا بانتخابات المجلس الأول على عهد إسماعيل؛ لأن الأمة كانت في حالة ثورة نفسية أمام الطغيان الأجنبي من جراء الديوان والامتيازات.
وكان هذا الجو محيطا بالانتخابات جميعا، من أيام الجمعية التشريعية إلى أيام الانتخاب الأخير قبل وفاة سعد زغلول، وانضم إليه عامل آخر لا يقل عنه قوة وصدقا في توجيه الشعوب، وهو عامل الزعامة الموثوق بها، بل الزعامة التي يرتفع الشعور بها من الثقة إلى الإعجاب والإيمان بقلة النظير. •••
ثم ماذا جرى للناخب المصري؟
ثم حدث الانفصال شيئا فشيئا بين جو الانتخاب وجو الحماسة الوطنية والزعامة الموثوق بها أو الزعامة المحبوبة.
فلم ينجح زعيم قط في هذه الفترة؛ لأنه زعيم الشعب الموثوق به لخدمة القضية الوطنية، وإنما كان النجاح يتوقف على الأمل في الوزارة المقبلة، فكان صاحب الوزارة المقبلة على الدوام هو صاحب الكثرة في الانتخاب.
وكان الناخب يغالط سريرته كلما تحدث عن الزعامة الشعبية؛ لأنه لا يريد أن يقول عن نفسه إنه طالب منفعة، وإنه يساوم على صوته وضميره، فإن قال إنه يؤيد هذه الزعامة أو تلك، فإنما يدفع التهمة التي تلصق به لو أعلن أسباب هذا التأييد، وقد يغالط سريرته فيتوهم، أو يحب أن يتوهم، أنه يدين بالمبادئ ولا يدين بالمنافع والمساومات.
ويكذب على الواقع من يقول: إن النحاسيين أخفقوا في الانتخابات التي أجراها محمد محمود أو أجراها أحمد ماهر؛ لأنهم تعرضوا للضغط والإرهاب، فإن الضغط والإرهاب في هاتين المرتين كان أقل من كل ضغط وإرهاب حدثا في الانتخابات المصرية، وإنما كان النحاسيون يظفرون كلما قيل إنهم مطلوبون للوزارة، وكان عمل الموظفين والعمد وسماسرة الانتخاب في هذا التحول أكبر من عمل الآحاد المتفرقين.
ناپیژندل شوی مخ