المناسترلي - الذي يكبرني بعقدين من الأعوام - قد سبقني إلى الهرب. وكان هو من بذل جهدا خارقا للسيطرة على مشاعره وتطويعها لواجب فرضه العقل، فعدنا سويا للقيام بالمهمة البغيضة. •••
لم نمكث كثيرا في
الواحات ؛ إذ جرى ترحيلنا فجأة بعد شهور قليلة إلى سجن
القناطر الخيرية ، ووضعنا في مكان منعزل وحرمنا تماما من فرصة الاختلاط بالسجناء العاديين والحصول على الصحف منهم، كما منعنا من استخدام المكتبة ومن الاستماع إلى الراديو. وفوجئت بالصول العجوز
أبو رجيلة - الذي كان يتولى تدريبي في المقاومة الشعبية - مسئولا عن الطابق الذي أقمنا به. وكان يستمتع بأن يجلس في منتصفه على مقعد وسط العنبر، ويأمرنا بأن نقعي أمامه وفي مقدمتنا
شهدي عطية .
كانت هذه فترة قاسية حقا؛ فالمكان شديد البرودة. وفراشنا مكون من برش من الليف وبطانية. وفرضوا علينا أن نضع هذا الفراش كل صباح خارج الزنازين التي تغلق علينا حتى المساء. ونقضي اليوم كله ونحن نقفز كالقرود التماسا لبعض الدفء، وخلال ذلك نتبادل الحكايات. هكذا بدأت أتذكر أحداث طفولتي التي انشغلت عنها بحاضري. وعندما انتهت الحكايات واستنفدت ذكرياتي انفتح المجال لأحلام اليقظة، وتأليف القصص. وتحولت كل حكاية سمعتها إلى قصة فنية بعنوان مثير.
منعنا تماما من الكتب، لكن لم يكن بوسع مدير السجن أن يرفض مطالبتنا بالكتب المقدسة. هكذا أتيح لي أن أقرأ التوراة والإنجيل وأرى العلاقة القائمة بين الكتب السماوية الثلاثة والتجليات المختلفة للحلم الإنساني بالعدل والمساواة. كما أن الحكايات التاريخية في التوراة والقرآن روت عطشي إلى القصص. ونشط خيالي في تطوير كثير منها. •••
في أواخر
فبراير
ناپیژندل شوی مخ