وعقيدة الوحدانية عقيدة صعبة لا يستطيعها إلا المجاهدون الراقبون. وكثيرا ما ينحدر الناس عنها إلى شيء من الوثنية، ولذلك حارب الإسلام الوثنية في شتى مظاهرها من عبادة آباء، أو عبادة أشجار وأحجار، أو عبادة أوثان، أو عبادة أموات وأضرحة، ومع هذا كله فقد ظلت الوحدانية صعبة إلا على من هدى الله.
وعقيدة الوحدانية هذه هي أرقى ما وصلت إليه الإنسانية، ولكن تحقيقها كما قلنا عسير؛ فهي تتطلب منهم اعتقاد أن الله وحده هو الذي يستحق العبادة؛
إياك نعبد وإياك نستعين ، وأن ما عداه لا يصح أن يؤله، ولكن الناس على توالي العصور ألهوا غير الله؛ فمنهم من أله الأشجار والأحجار، ومنهم من أله الأضرحة والأولياء، ومنهم من أله الملوك والخلفاء، ومنهم من أله المال والجاه غافلين عن حقيقة الدين، غافلين عن حقيقة الوحدانية. ولكن مع الأسف كانت صعوبة الإيمان بإله واحد من عالم الغيب سببا في فتح الباب للعقول الضعيفة في العصور المختلفة؛ فآمنت بالسحر والطلسمات وكثير من الخرافات، والعقيدة الصحيحة تقتضي صاحبها نسبة السلطة لله وحده، والقدرة لله وحده. ومن قديم حارب عمر بن الخطاب الذين بدءوا يعودون إلى الوثنية، فقطع الشجرة التي كان عندها بيعة الرضوان لما رأى الناس يتمسحون بها ويعتقدون فيها. وقال للحجر الأسود: لولا أني رأيت رسول الله
صلى الله عليه وسلم
يقبلك ما قبلتك، وتلاه ابن تيمية وأتباعه في إزالة الأضرحة ومشاهد القبور، وظل العلماء والمخلصون على هذا المنوال يحاربون كل نوع من أنواع الوثنية في العصور المختلفة، إلى الشيخ محمد عبده حديثا ومحمد بن عبد الوهاب وأتباعه قبله.
وعقيدة الوحدانية في الإسلام ليست مجرد نظرية فلسفية ميتافيزيقية كما يعتقد كثير من الغربيين؛ إذ يعتقدون أن الله خلق العالم ثم عرج إلى السماء ولا شأن له به، بل يعتقد المسلمون أن الله يعمل في العالم دائما فكل ما يصير وكل ما يتجدد من عمله المستمر:
وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو ويعلم ما في البر والبحر وما تسقط من ورقة إلا يعلمها ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين ، والمسلم لا يكون متدينا إذا لم ينسب إليه كل عمل من الأعمال، وحياة الإنسان وعلاقته بربه تستلزم عند المسلم الاستعانة بالله دائما؛ لأنه هو الذي يغير الظروف التي حوله دائما بما يسره ويسوءه ويحرك قلوب الناس بما يسرها وما يسوءها. والدين في نظر الإسلام ليس مسألة شخصية، ولا مسألة فردية، وإنما هو مسألة شخصية واجتماعية.
والعلاقة بين الإنسان ومخلوقات الله علاقة متينة، فكلها من خلق رب العالمين: فبين الإنسان وبين هذه المخلوقات وحدة نسب بربها إذ هو خالقها وخالقه، والعلاقة بين الإنسان وهذه الطبيعة علاقة صداقة، يتحبب إليها لتفشي إليه بسرها. وهي أيضا دلالة على وجود الله وعظمته:
أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت * وإلى السماء كيف رفعت * وإلى الجبال كيف نصبت * وإلى الأرض كيف سطحت ، والقوانين الطبيعية في نظر الإسلام تسيطر على العالم بكافة مظاهره، وتؤلف سلسلة متصلة ومستمرة في العلاقات التي توافق الواحدة منها الأخرى وتوائمها.
فحيث نجد طفلا لا سن له، نجد لبنا نرضعه فإذا نمت السن كان اللحم وما إليه، وينمو التطور في الوقت نفسه من عدم الكمال إلى الكمال نفسه. وما القوانين سوى «سلطات تنفيذية» ذات إرادة، لها هدف مقصود، ومن ثم فهي تعمل لحفظ النظام وصيانته. وتمثل القوانين كذلك الإرادة المحققة.
ناپیژندل شوی مخ