المقدمة
الحمد لله مغيّر الدول، ومهلك الأواخر والأول. والصلاة والسلام الأفضل على محمد الخاتم الأولّ، وعلى آله وأصحابه الكمّل، ما مال ماضٍ وآل مستقبلٌ، وبعد: فيقول فقير عفو ربّه، إسماعيل أبو الفداء، لطف الله تعالى به في مقامه ومسراه، وأحسن إليه في أولاه وأخراه: هذا درٌّ منتخبٌ، وإبريزٌ مكتسبٌ، من كتاب زبدة الحلب في تاريخ حلب للمولى الصاحب صاحب المآثر والمناقب كمال الدين أبي حفصٍ عمر بن أحمد بن هبة الله بن أبي جرادة العقيليّ الحلبيّ الحنفيّ، عامله الله تعالى بلطفه الجليّ والخفيّ. وهو التاريخ الذي انتزعه من التاريخ الكبير للشّهباء، المرتّب على الحروف والأسماء، وضمّنه ما وصل إليه، ووقف عليه من ذكر أمراء حلب وولاتها وملوكها ورعاتها، وبعض من عثر عليه من الوزراء والقضاة، سوى الملوك والرعاة، إلى غير ذلك ممّا أفاده هنالك.
وقد سمّيت منتخبي هذا باليواقيت والضّرب في تاريخ حلب، وذكرت فيه ما حصل لي من ذلك، ما لم يصل إلى سواي، وأن أبلغ من عفو الله ورحمته نهاية سؤلي وأقصى مناي، وبالله أستهدي وإلى فضله وأقول:
تسمية حلب
اسم حلب عربيٌّ لا شكّ فيه، وكان لقبًا لتلّ قلعتها، وإنّما عرف بذلك لأن إبراهيم الخليل ﷺ كان إذا اشتمل من الأرض المقدّسة ينتهي إلى هذا التلّ فيضع به أثقاله، ويبثّ رعاءه إلى نهر الفرات وإلى الجبل الأسود. وكان مقامه بهذا التلّ يحبس به بعض الرعاء ومعهم الأغنام والمعز والبقر. وكان الضعفاء إذا سمعوا المقدمة أتوها من كلّ وجهٍ من بلاد الشمال، فيجتمعون مع من اتّبعه من الأرض المقدسة لينالوا من برّه. فكان يأمر الرّعاء بحلب ما معهم طرفي النهار؛ ويأمر ولده وعبيدة باتّخاذ الطعام، فإذا فرغ من ذلك أمر بحمله إلى الطرق المختلفة بإزاء التلّ، فينادي الضعفاء: إنّ إبراهيم حلب فيتبادرون إليه.
فنقلت هذه اللفظة كما نقل غيرها، فصارت اسمًا لتلّ القلعة. ولم يكن في ذلك الوقت مدينةٌ مبنيةٌ.
وقيل: إنّ بيت لاها كان يقيم وبيت لاها هو جيل اللّكام ويقال له بيت لاها الغربيّ، وبيت لاها الشرقيّ هو ليلون. ويقال لكلّ منهما بالعبري: بيت لاهون به إبراهيم ﵇ ورعاؤه يختلف إليه. وكان يفعل فيه أيضًا كما يفعل في تلّ القلعة. لكنّ الاسم غلبه على تلّ القلعة دون غيره.
وقيل: إنّ إبراهيم ﵇ لما قطع الفرات من حران أقام ينتظر ابن أخيه لوطًا في كثير ممّن يتبّعه في سنةٍ شديدة المحل. وكان الكنعانيون يأتون إبراهيم ﵇ بأبنائهم، فيهبونهم منه، ويتصّدق عليهم بأقواتهم من الطعام والغنم. وصار إبراهيم ﵇ إلى أرض حلب، فاتخذ الرّكايا وكرا الأعين ومنها عين إبراهيم ﵇، وهي التي بنيت عليها مدينة حلب.
وكان للكنعانيين بتلّ القلعة في رأسه بيتٌ للصنم، فصار إليه إبراهيم ﵇. فأخرج الصنّم، وقال لمن حضره من الكنعانيين: ادعوا إلهكم هذا أن يكشف عنكم هذه الشدّة. فقالوا: وهي هو إلا حجرٌ؟ فقال لهم: فإن أنا كشفت عنكم هذه الشدة ما يكون جزائي؟ فقالوا له: نعبدك، فقال لهم: بل تعبدون الذي أعبد. فقالوا: نعم. فجمعهم في رأس التلّ ودعا الله فجاء الغيث. وضرب إبراهيم ﵇ برأس ظلّه حين أقلع الغيث، وتوافت إليه رعاؤه فكان يأمر أصحابه بإصلاح الطعام، ويضعه بين أوعية اللّبن، ويأمر بعضهم فينادي: ألا إنّ إبراهيم قد حلب فهلمّوا. فيأتون من كلّ وجهٍ، فيطعمون ويشربون، ويحملون ما بقي إلى بيوتهم. وان الكنعانيون يخبرون عن إبراهيم بما كان يفعله. وصار قولهم حلب بطول هذا الاستعمال لقبًا لهذا التلّ. فلما عمرت المدينة تحته سميت باسمه.
وذكر بعضهم أنّها إنما سميت حلب باسم من بناها، وهو حلب بن المهر بن حيص بن عمليق من العمالقة، وكانوا إخوةً ثلاثة: بردعة، وحمص، وحلب؛ أولاد المهر. فكلّ منهم بنى مدينةُ فسميت باسمه.
1 / 1
وكان اسم حلب باليونانية باروّا وقيل: بيرؤاا. وذكر أرسطاطاليس في كتاب الكيان أنه لمّا خرج الاسكندر لقصد دارا الملك ومقاتلته كان أرسطاطاليس في صحبته، فوصل إلى حلب وهي تعرف بلسان اليونان بيرؤاا فلما تحقّق أرسطاطاليس حال تربتها، وصحّة هوائها، استأذن الإسكندر في المقام بها، وقال له: إنّ بي مرضًا باطنًا، وهواء هذه البلدة موافقٌ لشفائي. فأقام بها فزال مرضه.
بناء مدينة حلب
وقيل: إنّ الذي بنى مدنية حلب أولاد ملكٌ من ملوك الموصل يقال له: بولكوس الموصلّي، ويسميه اليونانيون سرد ينبلوس. وكان أول ملكه في سنة ٣٩٨٩ سنة لآدم ﵇، وملك ٤٥ سنةً.
وفي سنة تسع وعشرين من ملكه وهي سنة ٤٠١٨ سنة لآدم ﵇ ملكت ابنته أطوسا المسماة سميرم مع أبيها.
وذكر أبو الريحان البيروني في كتاب القانون المسعوديّ قال: بنيت حلب في أيام بلقورس من ملوك نينوى، وكان ملكه لمضيّ ثلاثة آلاف وتسع مئةٍ واثنتين وستني سنةً لآدم ﵇، ومدة مقامه في الملك ثلاثون سنةً.
وشاهدت على ظهر كتاب عتيقٍ من كتب الحلبيين بخطّ بعضهم: رأيت في القنطرة التي على باب أنطاكية من مدينة حلب في سنة ٤٢٠ لهجرة كتابةً باليونانية فسألت عنها: فحكى لي أبو عبد الله الحسين بن إبراهيم الحسينيّ الحّرانّي أيّده الله، أنّ أبا أسامة الخطيب بحلب حكى له أنّ أباه حدّثه أنه أحضر مع أبي الصّقر القبيصيّ ومعهما رجلٌ يقرأ باليونانيّ، فنسخوا هذه الكتابة، وأنفذ إليّ نسختها في رقعةٍ وهي: بنيت هذه المدينة؛ بناها صاحب الموصل، والطالع العقرب والمشتري فيه وعطارد يليه، ولله الحمد كثيرًا.
وهذا يدلّ على ما ذكرناه؛ وهو أنّ بلوكوس الموصليّ هو الذي عمّرها، وكان قبل الإسكندر. وذكر يحيى بن جريرٍ التّكريتيّ في كتاب له ضمّنه أوقات بناء المدن؛ ما يدلّ على أن حلب بعد بناء بلوكوس خربت، وجدّد عمارتها غيره بعد موت الإسكندر، فإنه قال بعد ذكر دولة الإسكندر وموته باثنتي عشرة سنةً: بنى سلوقوس اللاذقية وسلوقية وفامية وباروّا وهي حلب، وأذاسا وهي الرّها، وكمّل بناء أنطاكية وزخرفها، وسمّاها على اسم ولده انطيوخوس وهي أنطاكية، وكان شرع في بنائها قبله أنطيغين في السنة السادسة من موت الإسكندر. وذكر أنّه بناها على نهر أورنطس، وسمّاها أنطيوخيا.
ملوك حلب
وقال: كان الملك أول على سوريا وبابل سلوقوس نيقطور وهو سريانيّ. وملك في السنة الثالثة عشرة بطليموس بن لاغوس بعد موت الإسكندر وألزم اليهود أن يقيموا في المدن التي بناها، وقرّر عليهم الجزية.
وسوريا هي الشام الأولى، وهي حلب وما حولها من البلاد على ما ذكره بعض الرواة وفي طرف بلد حلب بناحية الأحصّ مدينةٌ عظيمةٌ داثرةٌ، وبها آثارٌ قديمةٌ يقال لها سورية، وإليها ينتسب القلم السوريانيّ. فلعل الناحية كلّها ينسب إليها ويطلق عليها اسمها، كما أطلق بعد ذلك على جميع الكورة اسم قنّسرين.
وقال، يعني المؤرخين من المسيحية: الذي ملك بعد الإسكندر بطليموس الأريب، وهو بنى حلب وسمّاها أشمونيث، وذلك أنّه اختار بناء المدينة في موضع، وأراد أن يكون بها الماء، فخرج ودار حولها حتى رأى الأعين التي بحيلان، فأمر المهندس أن يبني عليهنّ بناءً ويحكمه، وأن يجريهنّ إلى المكان الذي هو موسومٌ بمنزلة الملك. وجمع الناس للعمل وعمارة المدينة فاحتفر في وسط المدينة حفيرةً، بثقها إلى النهر الذي أجراه، وأمر بالقساطل أن تعمل، فاختلعت فاتخذت من الحجارة فتمّ ما أراد، وبنى له بناءً في موضع الريحانيين يومنا هذا. واتّخذ عليه قصرًا وبنى المدينة، وآخر ما بناه باب أنطاكية ورتّب فيها ابنته أشمونيث، وسمّى المدينة باسمها وأضاف لها جندًا وزوّجها بإيلياوس أحد اليونان؛ فإنّ رسمها قديمٌ، فتمّم بناءها وأضافها إلى أيلياوس زوج أشمونيث.
وملك بعده ابنه بطليموس، ولقب باليونانية محب أخته وكانت أخته نائبة عنه، فبقي في الملك ستًا وعشرين سنةً.
ملك بعده ابنه بطليموس الأورجاتس ولقب باليونانية: محبّ أبيه، وأشمونيث وزوجها وولدها يتولّون حلب.
1 / 2
وملك بعده بطليموس محب أمه وهو ابن أشمونيث، كان ينزل حلب وعمّر على صخرتها قلعة وحصّنها، فخرج عليه في آخر أيامه أنطياخوس ملك الروم واستنجد عليه، فلم يكن محب أمّه معه طاقةٌ، فخرج عنها مع أمّه فأسرهما أنطياخوس وعذّبهما، واستصفى أموالهما، وشرع في هدم ما جدّدت أشمونيث من بناء حلب. فقيل له: إنّ الذي يفعله ليس من عادة الملوك، فكفّ عن هدمها وتوعّد من يسكن بحلب، فصار الناس إلى غيرها. وعاد إلى أنطاكية، فاستحدث بها أبنيةً لنفسه، فلذلك يزعم قومٌ أنّ أنطاكية من بنائه، وليس كذلك. وإنمّا له فيها مثل ما لبطليموس الأريب من التّتميم، ويقال: إنّ أشمونيث وهي حلب تجاوزت عمارتها ما رسمه الأريب، حتى صارت العمارة إلى جميع الجوانب. وقيل: إنّ أشمونيث نصبت حوليها مئة ألف نصبٍة من الزيتون من الأشجار الجبلية الشامية، ولم يبق بحلب موضعٌ ينسب إلى أشمونيث غير العين المعروفة بأشمونيث. وماتت أشمونيث وولدها في أسر أنطياخوس تحت العقاب. وقيل: هو الذي بنى قنّسرين، وأجرى الماء إليها في قناةٍ من عين المباركة، وقيل: بناها غيره. وعرف أنطياخوس ببطليموس الرابع، وقيل: إنّ أشمونيث حال محاربتها أنطياخوس أتتها نجدةٌ من مصر فهزمته، فصار إلى الشرق فمات.
ثم ملك حلب بعد أشمونيث بطليموس أبيفانس وهو قائد العسكر. وفي زمانه اشترت اليهود منه موضع القلعة المعروفة اليوم بقلعة الشريف فتحصنّوا بها، وكانوا يعينون الملك في القتال، ويحملون له الأموال.
ثم ملك بعده بطليموس فيلومطر وهلك أنطياخوس في أيامه.
ثم ملك بعده جماعةٌ من ملوك اليونان، إلى أن صار الملك إلى القياصرة ملوك الروم، فملك منهم عدة ملوك إلى أن ملك أوغسطس قيصر بن ميويوخس فاستولى على الدنيا وقهر الملوك وقصد مصر ليستولي عليها. فلما بلغ حلب وكان أمره قد عظم قال: إنّ بطليموس الأريب لم يرض أن ينزل منزلًا لغيره، فسار إلى موضع مدينة قنّسرين فأمر القواد أن يأمروا من قبلهم بتحويط منازلهم، فبنى قنسرين وسماها مدينة العسكر، ونقل الأسواق من حلب إليها، ولم يبق بحلب إلا من لا حاجة للعسكر به، وكانت هذه أعظم ما فعل أنطياخوس وقيل: إنه أمر أن ينفق على القناة إليها، فأنفق نائبه مالًا على القناة، وأجرى الماء فيها من عين المباركة، وساقها بالقناطر إلى قنّسرين، وبنى بها ثلاث بركٍ على شكل المثلّث، وفائضها ينحدر إلى الأرضين التي تحتها.
وصار الملك بعده إلى جماعة من القياصرة ملوك الروم. وصارت أنطاكية دار الملك، وبها مقام ملوك الروم، وكانوا يدعونها مدنية الله ومدينة الملك وأمّ المدن، لأنها أول بلد ظهر فيه دين النّصرانية. ومعظم سور مدينة حلب من بناء الروم.
وملك منهم ملكٌ يقال له: فوقاس، فسفك الدماء، وتتبع حاشية كسرى فقتلهم فتوجه كسرى أو شروان إلى الشام، فافتتح حلب وأنطاكية ومنبج. ورمّ ما استهدم من سور حلب بالقرميد الكبار، وهو ظاهرٌ في سور المدينة الكبير فيما بين بابي اليهود والجنان.
وجدّد كسرى بناء منبج، وسمّاها منبه، وهو بالفارسية أنا أجود فعرّبت فقيل: منبج. واستحسن أنطاكية، فلما عاد إلى العراق بنى مدنيةً على صورتها، وسمّاها زبد حسره، وهي التي تسمّى رومية، وأدخل إليها سبي أنطاكية، فقيل: إنهم لم ينكروا من منازلهم شيئًا، فانطلقوا إليها إلا رجلًا إسكافًا كان على باب داره بأنطاكية شجرة فرصادٍ فلم يرها على بابه ذلك. فتحيّر ساعةً، ثم دخل الدار فوجدها مثل داره.
ولما عاد كسرى من الشام قام هرقل بن قوق بن مروقس وجمع بطارقة الروم، وأولي المراتب؛ وذكر لهم سوء آثار فوقاس ملك الروم، وغلبة الفرس على ملكهم بسوء تدبيره، وإقدامه على الدماء، ودعاهم إلى قتله فقتلوه. ووقع اختيارهم على هرقل فملكوه. في أول سنةٍ من ملكه كانت هجرة نبينا محمدٍ ﷺ من مكة إلى المدينة واستولى على حلب، وعلى جميع البلاد التي استولى عليها أنو شروان، وكان جلّ مقامه بأنطاكية.
فلما افتتح المسلمون أجناد الشام، وكانت واقعة اليرموك، وقتل المسلمون فيها معظم الروم، وأمير المسلمين عليهم أبو عبيدة بن الجراح، انتقل هرقل من أنطاكية، وعبر نهر الفرات إلى الرّها، وجعل بقنّسرين ميناس الملك، وكان أكبر ملوك الروم بعد هرقل.
1 / 3
فسار أبو عبيدة بعد فراغه من اليرموك إلى حمص ففتحها، ثم بعث خالد بن الوليد على مقدّمته إلى قنّسرين. فلما نزل بالحاضر زحف لهم الروم، وثار أهل الحاضر بخالد بن الوليد، وعليهم ميناس وهو رأس الروم وأعظمهم فيهم بعد هرقل ت فالتقوا بالحاضر، فقتل ميناس ومن معه مقتلةً لم يقتلوا مثلها. ومات الروم على دمه حتى لم يبق منهم أحدُ.
وأمّا أهل الحاضر فكانوا من تنوخ، منذ أول ما تنخوا بالشام نزلوه، وهم في بيوت الشعر، ثم ابتنوا المنازل، فأرسلوا إلى خالد بن الوليد: إنّهم عربٌ وإنهم لم يكن من رأيهم حربه. فقتل منهم وترك الباقين. فدعاهم أبو عبيدة بعد ذلك إلى الإسلام فأسلم بعضهم، وبقي البعض على النّصرانية، فصالحهم على الجزية. وكان أكثر من أقام على النصرانية بنو سليح بن حلوان بن عمران بن الحافي بن قضاعة. ويقال: إنّ جماعة من أهل ذلك الحاضر أسلموا في خلافة المهدّي، فكتب على أيديهم بالخضرة قنسرين.
ثم إن خالدًا سار فنزل على قنّسرين، فقاتله أهل قنسرين، ثم لجؤوا إلى حصنهم، فتحصّنوا منه، فقال: إنّكم لو كنتم في السحاب لحملنا الله إليكم، أو لأنزلكم إلينا. ثم نطروا في أمرهم، وذكروا ما لقي أهل حمص وطلبوا منه الصلح، فصالحوه على صلح حمص، فأبى إلا على خراب المدينة فأخربها. وكان صلح حمص على دينار وطعامٍ على كلّ جريبٍ أيسروا أو أعسروا. وغلب المسلمون على جميع أراضيها وقراها وذلك في سنة ١٦ من الهجرة.
ثم إنّ خالدًا سار إلى حلب، فتحصّن منه أهل حلب، وجاء أبو عبيدة حتى نزل عليهم فطلبوا من المسلمين الصلح والأمان. فقبل منهم أبو عبيدة وصالحهم وكتب لهم أمانًا، ودخل المسلمون حلب من باب أنطاكية، وحفّوا حولهم بالتّراس داخل الباب، فبني على ذلك المكان مسجدٌ وهو المسجد المعروف بالغضائري داخل باب أنطاكية ويعرف الآن بمسجد شعيبٍ.
ولما توجّه أبو عبيدة إلى حلب بلغه أنّ أهل قنّسرين قد نقضوا، فردّ إليهم السمط ابن الأسود الكنديّ فحصرهم ثم فتحها، فوجد فيها بقرًا وغنمًا، فقسم بعضها في من حضر، وجعل الباقي في الغنم.
وكان حاضر قنّسرين قديمًا نزلوه بعد حرب الفساد التي كانت بينهم حتى نزل الجبلين من نزل منهم. فلما ورد أبو عبيدة عليهم أسلم بعضهم، وصولح كثيرٌ منهم على الجزية، ثم أسلموا بعد ذلك بيسيرٍ، إلا من شذّ منهم.
فتح حلب
وكان بقرب مدينة حلب حاضر حلب يجمع أصنافًا من العرب من تنوخ وغيرهم، فصالحهم أبو عبيدة على الجزية. ثم إنّهم أسلموا بعد ذلك، وجرت بينهم وبين أهل حلب حربٌ أجلاهم فيها أهل حلب، فانتقلوا إلى قنّسرين وكانت قنّسرين وحلب إذ ذاك مضافتين إلى حمص. فأفردهما يزيد بن معاوية في أيامه. وقيل: أفردهما معاوية أبوه.
ولما بلغ عمر بن الخطاب ما فعل خالدٌ في فتح قنّسرين وحلب، قال: أمّر خالدٌ نفسه! يرحم الله أبا بكر هو كان أمير المسلمين من جهة أبي بكر على الشام. فلما ولي عمر عزله، وولى أبا عبيدة. ثم ولاّه عمر على قنّسرين، فأدرب خالدٌ وعياض بن غنمٍ أول مدربة كانت في الإسلام، سنة ١٦ هـ. ورجع خالدٌ فأتته الإمارة من عمر على قنّسرين، فأقام خالدٌ أميرًا من تحت يد أبي عبيدة عليها، إلى أن أغزى هرقل أهل مصر في البحر وخرج على أبي عبيدة بحمص بعد رجوعه من فتح حلب، فاستمدّ أبو عبيدة خالدًا فأمدّه ممّن معه، ولم يخلف أحدًا. فكفر أهل قنّسرين بعده، وبايعوا هرقل، وكان أكفر من هناك تنوخ. واشتور المسلمون فأجمعوا على الخندقة والكتاب إلى عمر بذلك. وأشار خالدٌ بالمناجزة فخالفوه وخندقوا، وكتبوا إلى عمر واستصرخوه. وجاء الروم بمددهم، فنزلوا على المسلمين وحصروهم. وبلغت أمداد الجزيرة ثلاثين ألفًا سوى أمداد قنسرين من تنوخ وغيرهم. فنالوا من المسلمين كلّ منال. وكتب عمر إلى سعد ابن أبي وقاص يخبره بذلك، ويأمره أن يبثّ المسلمين في الجزيرة ليشغلهم عن أهل حمص وأمدّه عمر بالقعقاع بن عمرو فتوغّلوا في الجزيرة، فبلغ الروم فتقوّضوا عن حمص إلى مدائنهم.
1 / 4
وندم أهل قنّسرين، وراسلوا خالدًا، فأرسل إليهم: لو أنّ الأمر إليّ ما باليت بكم، كثرتم أم قللتم، لكنّي في سلطان غيري. قال: فإن كنتم صادقين فانفشوا كما نفش أهل الجزيرة. فساموا سائر تنوخ ذلك فأجابوا، وأرسلوا إلى خالد: إن ذلك إليك، إن شئت فعلنا وإن شئت أن تخرج علينا فننهزم بالروم. فقال: بل أقيموا، فإذا خرجنا فانهزموا بهم. فلما علم أبو عبيدة والمسلمون بذلك. قالوا: اخرج بنا وخالد ساكت. فقال أبو عبيدة: مالك يا خالد لا تتكلم؟ فقال: قد عرفت الذي عليه رأيي، فلم تسمع من كلامي. قال: فتكلّم. فإني أسمع منك وأطيع، فأشار بلقائهم. فخرج المسلمون والتقوهم، فانهزم أهل قنسرين والروم معهم، فاحتوى المسلمون على الروم، فلم يفلت منهم أحدٌ. وما زال خالدٌ على إمارة قنسرين حتى أدرب خالدٌ وعياضٌ سنة ١٧.
وبعد رجوعهما من الجابية رجع عمر إلى المدينة. فأصابا أموالًا عظيمةً، وقفل خالدٌ سالمًا غانمًا، وبلغ الناس ما أصابوا في تلك الصائفة، وقسم خالدٌ فيها ما أصاب لنفسه، فانتجعه رجال من أهل الآفاق وكان الأشعث ابن قيس ممّن انتجع خالدًا بقنسرين، فأجازه بعشرة آلاف درهمٍ.
وكان عمر لا يخفى عليه شيءٌ في عمله، فكتب إليه من العراق بخروج من خرج منها، ومن الشام بجائزة من أجيز فيها، فدعا البريد. وكتب معه إلى أبي عبيدة أن يقيل خالدًا ويعقله بعمامته، وينزع عنه قلنسوته، حتى يعلمكم من أين أجاز الأشعث؛ أمن ماله؟ أم مما أصابه، فإن زعم أنّها ممّا أصابه فقد أقرّ بخيانةٍ، وإن زعم أنّها من ماله فقد أسرف واعزله على كلّ حال. وضمّ إليك عمله.
فكتب أبو عيبدة إلى خالدٍ فقدم عليه، ثم جمع الناس وجلس لهم على المنبر، فقام البريد فقال: يا خالد أمن مالك أجزت بعشرة آلافٍ، أم مما أصبته؟ فلم يتكلم حتى أكثر عليه وأبو عبيدة ساكتٌ لا يقول شيئًا، فقام بلالٌ إليه، فقال: إن أمير المؤمنين أمر فيك بكذا وكذا. ثم تناول عمامته، فنقضها، لا يمنعه سمعًا وطاعةً. ووضع قلنسوته، ثمّ أقامه فعقله بعمامته، ثم قال: ما تقول؟ أمن مالك؟ أم ممّا أصبته؟ قال: لا، بل من مالي. فأطلقه وأعاد قلنسوته ثم عمّمه بيده. ثم قال: نسمع ونطيع لولاتنا ونفخّم ونكرم موالينا. وأقام خالدٌ متحيرًا، لا يدري أمعزولٌ أم غير معزولٍ. وجعل أبو عبيدة يكرمه ويدّه مفخمًا ويخيّره، حتى إذا طال على عمر أن يقدم ظنّ الذي قد كان. فكتب إليه بالوصول.
فأتى خالد أبا عبيدة فقال: رحمك اله ما أردت بالذي صنعت كتمتني أمرًا كنت أحبّ أن أعلمه قبل اليوم. فقال أبو عبيدة: إني والله ما كنت لأروعك، ما وجدت من ذلك بدًّا، وقد علمت أنّ ذلك عملٌ. وودّعهم، وقال خالدٌ: إنّ عمر ولاّني الشام حتى إذا ألقى بوانيه صار بثنيّةً وعسلا عزلني واستعمل غيري.
وتحمّل وأقبل إلى حمص، فخطبهم وودعهم. وسار إلى المدينة حتى قدم على عمر فشكاه. وقال: لقد شكوتك للمسلمين، وبالله إنّك في أمري غير مجمل يا عمر. فقال عمر: من أين هذا الثّراء؟. فقال: من الأنفال والسّهمان. فقال: ما زاد على الستّين ألفًا فلك ثم شاطره على ما في يده، وقوّم عروضه، فخرجت عليه عشرون ألفًا فأدخلها بيت المال، ثم قال: يا خالد والله إنك لعليّ الكريم، وإنك إليّ الحبيب، ولن تعاتبني بعد اليوم على شيءٍ. ثم إنّه عوّضه بعد ذلك عمّا أخذه منه.
واستعمل أبو عبيدة على قنسرين حبيب بن مسلمة بن مالكٍ.
وأمّا هرقل فإنّه تأخّر من الرّها إلى سميساط، ووصل منها إلى قسطنطينية. فلما وصل علا على شرفٍ، والتفت نحو سورية، وقال: عليك السلام يا سورية، سلامٌ لا اجتماع بعده.
في سنة ٩٠ وولّى مكانه أخاه مسلمة بن عبد الملك فدخل مسلمة حران. وكان محمد بن مروان يتعمّم للخطبة، فأتاه آتٍ، فقال: هذا مسلمة على المنبر يخطب!. فقال محمدٌ: هكذا تكون الساعة بغتةً!. وارتعدت يده، فسقطت المرآة من يده. فقام ابنه إلى السيف فقال: مه يا بنّي، ولاّني أخي، وولاّه أخوه.
وكان أكثر مقام مسلمة بالنّاعورة، وبنى فيها قصرًا بالحجر الأسود الصّلد، وحصنًا بقي نه برجٌ إلى زماننا هذا.
وكان عبد الملك بن مروان يقول للوليد: كأنّني بك لو قدمتّ قد عزلت أخي وولّيت أخاك. ومات الوليد بن عبد الملك في سنة ٩٦.
1 / 5
وولي سليمان بن عبد الملك فسيّر أخاه مسلمة غازيًا إلى قسطنطينية. واستخلف مسلمة على عمله خليفةً. ورابط فيها سليمان بمرج دابقٍ إلى أن مات سنة ٩٩.
ولي عمر بن عبد العزيز بن مروان، فكان أكثر مقامه بخناصرة الأحصّ. وولّى من قبله على قنّسرين هلال بن عبد الأعلى، وولّى أيضًا عليها الوليد بن هشام المعيطّي على الجند، والفرات بن مسلمٍ على خراجها. وتوفي عمر بدير سمعان من أراضي معرة النعمان، يوم الخميس لخمسٍ بقين من رجبٍ سنة ١٠١.
وولّي يزيد بن عبد الملك، والوليد على قنّسرينن وكان مرائيًا يتزيّن عنده بذلك، فحطّ رزقه. وكتب إلى يزيد، وهو ولّي عهده: إنّ الوليد بن هشامٍ كتب إليّ كتابًا أكثر ظنّي أنه تزيّن بما ليس هو عليه، فأنا أقسم عليك إن حدث بي حدث وأفضي هذا الأمر إليك فسألك أن تردّ رزقه، وذكر أني نقصته، فلا يظفر منك بهذا. فلما استخلف يزيد كتب الوليد إليه: إن عمر نقصني، وظلمني فغضب يزيد، وعزله، وأغرمه كلّ رزقٍ جرى عليه في ولاية عمر ويزيد، فلم يل له عملًا حتى هلك. ومات يزيد بن عبد الملك بالبلقاء في سنة ١٠٥.
وولّى على قنّسرين وعملها خال أخيه سليمان، وهو الوليد بن القعقاع بن خليد العبسي. وقيل: إنّه ولّى عبد الملك بن القعقاع على قنسرين، وإليهم ينسب حيار بني عبسٍ، وإلى أبيهم تنسب القعقاعية؛ قريةٌ من بلد الفايا. وتوفي هشامٌ سنة ١٢٥.
وولي الوليد بن يزيد بن عبد الملك، وكانت بينه وبين بني القعقاع وحشةٌ، فهرب الوليد بن القعقاع وغيره من بني أبيه من الوليد، فعاذوا بقبر يزيد بن عبد الملك. فوّلى الوليد على قنّسرين يزيد بن عمر بن هبيرة، وبعث إلى الوليد بن القعقاع فأخذه من جوار قبر أبيه، ودفعه إلى يزيد بن عمر بن هبيرة، وهو على قنسرين، فعذّبه وأهله، فمات الوليد بن القعقاع في العذاب.
وخرج يزيد بن الوليد على الوليد بن يزيد فقتله في البخراء في جمادى الآخرة سنة ١٢٦. ووثب على عامله بدمشق فأخذه. وسيّر أخاه مسرور ابن الوليد، وولاّه قنّسرين. وقيل بل ولّي قنسرين أخوه بشر بن الوليد. وبويع يزيد، ومات في ذي الحجة من سنته هذه.
بويع إبراهيم بن الوليد، وخلع في شهر ربيع الأول سنة ١٢٧. فولي مروان بن محمد بن مروان بن الحكم، وكان بحرّان، فسار منها في سنة ١٢٧، ونزل بحلب، وقبض على مسرور بن الوليد الوالي بحلب وعلى أخيه بشر بعد أنّ لقيهما، فهزمهما، وقتلهما بحلب، وكان معهما إبراهيم بن عبد الحميد بن عبد الرحمن، فقتله أيضًا.
وولّى على حلب وقنسرين عبد الملك بن الكوثر الغنويّ، بعد أن خلع إبراهيم ابن الوليد نفسه، وآمنه مروان، واستتبّ أمر مروان. وخرج على مروان سليمان ابن هشام بن عبد الملك، فالتقاه مروان بن محمدٍ بخساف فاستباح عسكره في سنة ١٢٨.
وكان الحكم وعثمان ابنا الوليد بن يزيد حبسا بقلعة قنسرين. وكان يزيد ابن الوليد حبسهما، فنهض عبد العزيز بن الحجاج ويزيد بن خالدٍ القسريّ، فقتلاهما وقتلا معهما يوسف بن عمر الثقفيّ بقنسرين، وأخذا بعد ذلك فقتلهما مروان وصلبهما.
وولّي أبو العباس السفاح في شهر ربيعٍ الآخر من شهور سنة ١٣٢ بالكوفة. فسيّر عبد الله بن عليّ بن عبد الله بن العباس، في جمع عظيمٍ، للقاء مروان بن محمد. وكان مروان في جيوشٍ كثيفةٍ، فالتقيا بالزاب من أرض الموصل في جمادى الآخرة سنة ١٣٢. فهزم مروان، واستولى على عسكره. وسار مروان منهزمًا حتى عبر الفرات من جسر منبج فأحرقه.
فلما مرّ على قنسرين وثبت به طيّئٌ وتنوخ واقتطعوا مؤخر عسكره ونهبوه. وقد كان تعصّب عليهم، وجفاهم أيام دولته وقتل منهم جماعة.
وتبعه عبد الله بن عليّ وسار خلفه حتى منبج فنزلها، وبعث إليه أهل حلب بالبيعة مع أبي أمية التّغلبيّ.
وقدم عليه أخوه عبد الصمد معه إليها، فبايعه أبو الورد مجزأة بن الكوثر بن زفر بن الحارث الكلابيّ وكان من أصحاب مروان، ودخل في ما دخل فيه الناس من الطاعة.
وسار عبد الله إلى دمشق ثم بلغ خلفه إلى نهر أبي فطرس، وأتبعه بأخيه صالحٍ حتى بلغ الدّيار المصرية خلف مروان بن محمدٍ فأدركه ببوصير فقتله، ثم عاد إلى دمشق بعده.
1 / 6
وذكر ابن الكلبيّ: وقدم بالس قائدٌ من قواد عبد الله بن عليٍّ في مئةٍ وخمسين فارسًا فتقدّم إلى الناعورة، فبعث بولد مسلمة بن عبد الملك ونسائهم وكانوا مجاورين أبا الورد، بحصن مسلمة بالناعورة وببالس فشكا بعضهم ذلك إلى أبي الورد الكلابي، فخرج من مزرعته خساف في عدةٍ من أهل بيته، وخالف وبيّض، وجاء إلى الناعورة، والقائد المذكور نازلٌ بحصن مسلمة بها، فقاتله حتى قتله ومن معه. وأظهر الخلع والتبييض، ودعا أهل حلب وقنسرين إلى ذلك فأجابوه.
فبلغ ذلك عبد الله بن عليٍّ وهو بدمشق، فوجّه أخاه عبد الصمد بن عليٍّ في زهاء عشرة آلاف فارس، ومعه ذؤيب بن الأشعث على حرسه، والمخارق بن عفانٍ على شرطه. فسار أبو الورد إليه، وجعل مقدّم جيشه وصاحبه أبا محمد بن عبد الله بن يزيد بن معاوية بن أبي سفيان، وأبو الورد مدبّر الجيش، ولقبهم فهزم عبد الصمد ومن معه.
فلما قدم عبد الصمد على أخيه عبد الله، أقبل عبد الله بن عليٍّ بعسكره لقتال أبي محمد وأبي الورد، ومعه حميد بن قحطبة، فالتقوا في سنة ١٣٢ في آخر يومٍ من السنة، واقتتلوا بمرج الأخرم. وثبت لهم عبد الله بن عليٍّ وحميدٌ، فهزموهم وقتل أبو الورد، وآمن عبد الله بن عليٍّ أهل حلب وقنسرين، وسوّدوا، وبايعوا. ثم انصرف راجعًا إلى دمشق فأقام بها شهرًا.
فبلغه أنّ العباس بن محمد بن عبد الله بن يزيد بن معاوية بن أبي سفيان السفيانيّ قد لبس الحمرة وخالف، وأظهر المعصية بحلب، فارتحل نحوه حتى وصل إلى حمص. فبلغه أنّ أبا جعفرٍ المنصور وكان يومئذٍ يلي الجزيرة وأرمينية وأذربيجان وجّه مقاتل بن الحكم العكّي من الرقّة في خليل عظيمةٍ لقتال السفيانيّ، وأنّ العكيّ قد نزل منبج، فسار عبد الله مسرعًا حتى نزل مرج الأخرم، فبلغه أنّ العكّي واقع السفيانيّ وهزمه، واستباح عسكره، وافتتح حلب عنوة، وجمع الغنائم وسار بها إلى أبي جعفر وهو بحران.
فارتحل عبد الله إلى دابقٍ، وشتا بها، ثم سميساط وحصر فيها إسحاق بن مسلم العقيلي حتى سلّمها، ودخل في الطاعة.
ثم قدم أبان بن معاوية بن هشام بن عبد الملك في أربعة آلافٍ من نخبة من كان مع إسحاق بن ملمٍ. فسيّر إليه حميد بن قحطبة. فهزم أبانًا، ودخل سميساط فسار إليها عبد الله، ونازلها حتى افتتحها عنوةً.
وكتب إليه العباس يأمره بالمسير إلى النّاعورة، وأن يترك القتال ويرفع السيف عن الناس، وذلك في النّصف من رمضان سنة ١٣٢.
وهرب أبو محمد ومن كان معه من الكلبيّة إلى تدمر، ثم خرج إلى الحجاز فظفر به، وقتل.
وكتب إليه السفاح أن يغزو بلاد الروم، فأتى دابق فعسكر بها وجمع، وتوجّه إلى بلاد الروم.
فلما وصل دلوك يريد الإدراب كتب إليه عامله بحلب يخبره بوفاة السّفاح ومبايعة المنصور. فرجع من دلوك، وأتى حران ودعا إلى نفسه، وزعم أنّ السفاح جعله وليّ عهده، وغلب على حلب وقنسرين وديار ربيعة ومضر وسائر الشام، ولم يبايع المنصور. وبايعه حميد بن قحطبة وقواده الذين كانوا معه. وولى على حلب زفر بن عاصم بن عبد الله بن يزيد الهلالي أبا عبد الله في سنة ١٣٧.
فسيّر المنصور أبا مسلم الخراسانيّ صاحب الدعوة لقتال عبد الله بن عليّ. فسير عبد الله حميد بن قحطبة وكتب له كتابًا إلى زفر بن عاصم إلى حلب، وفيه: إذا ورد عليك حميدٌ فاضرب عنقه. فعلم حميدٌ بذلك، فهرب إلى أبي مسلمٍ الخراسانيّ خوفًا من عبد الله.
ثم سار أبو مسلم إلى عبد الله بن عليٍّ، فالتقيا وانهزم عبد الله بن عليٍّ وعبد الصمد أخوه معه. فسار أبو مسلمٍ خلفه، فوصل إلى الرقّة، وأخذ منها أموال عبد الله، وتبعه إلى رصافة هشامٍ فانهزم عبد الله إلى البصرة، وتوارى عند أخيه سليمان بن عليٍّ، فأخذ له أمانًا من المنصور وسيّره إليه، فحبسه إلى ان سقط عليه الحبس فمات.
وقبض أبو مسلمٍ على عبد الصمد بن عليٍّ بالرّصافة، وأخذ أمواله، وسيّره إلى المنصور، فأمّنه وأطلقه.
وورد كتاب المنصور على أبي مسلمٍ بولاية الشام جميعه وحلب وقنّسرين وأمره أن يقيم له في بلاده نوّابًا، ففعل أبو مسلم ذلك.
1 / 7
وسار إلى المنصور فالتقاه في الطرق يقطين بن موسى وقد بعثه المنصور إليه لإحصاء جميع ما وجدوا في عسكر عبد الله بن عليٍّ، فغضب أبو مسلمٍ وقال: أنكون أمناء في الدماء وخونةً في الأموال؟. ثم أقبل وهو مجمع على خلاف المنصور. فاستوحش المنصور منه، وقتله في سنة ١٣٩.
ولما عاد أبو مسلمٍ من الشام ولّى المنصور حلب وقنسرين وحمص صالح بن عليٍّ بن عبد الله بن العباس سنة ١٣٧. فنزل حلب، وابتنى بها خارج المدينة قصر بقريةٍ يقال لها بطياس بالقرب من النّيرب، وآثاره باقيةٌ إلى الآن، ومعظم أولاده ولدوا ببطياس، وقد ذكرها البحتريّ وغيره في أشعارهم.
وأغزى الصائفة مع ابنه الفضل في سنة ١٣٩ بأهل الشام، وهي أول صائفة غزيت في خلافة بني العباس، وكانت انقطعت الصوائف في أيام بني أمية قبل ذلك بسنين.
وظهر في سنة ١٤١ قومٌ يقال لهم الراوندية، خرجوا بحلب وحرّان، وكانوا يقولون قولًا عظيمًا، وزعموا أنهم بمنزلة الملائكة. وصعدوا تلًا بحلب فيما قالوا، ولبسوا ثيابًا من حرير، وطاروا منه فنكبوا وهلكوا.
ودام صالحٌ في ولاية حلب إلى أن مات سنة ١٥٢.
ورأيت فلوسًا عتيقةً، فتتبّعت ما عليها مكتوبٌ، فإذا أحد الجانبين مكتوبٌ عليه: ضرب هذا الفلس بمدينة حلب سنة ١٤٦. وعلى الجانب الآخر: ممّا أمر به الأمير صالح بن عليٍّ أكرمه الله.
ولما مات صالح بن عليٍّ تولّى حلب وقنسرين بعده ولده الفضل بن صالحٍ، واختار له العقبة بحلب، فسكنها، وأقام بحلب واليًا مدّةً.
ثم ولّى المنصور بعده موسى بن سليمان الخراسانيّ. ومات المنصور سنة ١٥٨ وموسى على قنسرين وحلب. ورأيت فلوسًا عتيقةً فقرأت عليها: ضرب هذا الفلس بقنسرين سنة ١٥٧. وعلى الجانب الآخر: مما أمر به الأمير موسى مولى أمي المؤمنين.
ولما ولي المهديّ خرج عبد السلام بن هشام الخارجي من الجزيرة وكثر أبتاعه، فلقيه من قواد المهديّ فهزمهم إلى قنسرين فلحقوه فقتلوه بها سنة ١٦٢ وكان مقدم جيشه شبيبًا.
وعزم المهديّ على الغزو، فخرج حتى وافى حلب في سنة ١٦٣. والتقاه العباس ابن محمدٍ إلى الجزيرة، وأقام له النزل في عمله، واجتاز معه على حصن مسلمٍ بالناعورة. فقال له العباس: يا أمير المؤمنين إنّ لمسلمة في أعناقنا منّةً. كان محمد بن عليٍّ مرّ به فأعطاه أربعة آلاف دينار، وقال له: يا بنّ عمّ، هذه ألفان لدينك، وألفان لمعونتك، فإذا نفدت فلا تحتشمنا. فقال المهديّ: أحضروا من ههنا من ولد مسلمة ومواليه. فأمر لهم بعشرين ألف دينارٍ، وأمر أن تجرى عليهم من الأرزاق. ثم قال: يا أبا الفضل كافأنا مسلمة، وقضينا حقّه؟. قال العباس: نعم، وزدتّ.
ونزل المهديّ بقصر بطياس ظاهر حلب، وولّى المهديّ حين قدم قنسرين وحلب والجزيرة عليّ بن سليمان بن علي بن عبد الله بن العباس حربًا وخراجًا وصلاةً.
ثم إن المهديّ عرض العسكر بحلب، وأغزى ابنه بلاد الروم، وسيّر محتسب حلب عبد الجبار فأحضر له جماعةً من الزنادقة فقتلهم، وولّى حلب والشام جميعه ابنه هارون، وأمر كاتبه يحيى بن خالدٍ أن يتولّى ذلك كلّه بتدبيره. وكانت توليته في سنة ١٦٣.
ولما بويع الهادي أقرّ أخاه ويحيى على حالهما.
فلما أفضى الأمر إلى الرشيد ولّى حلب وقنّسرين عبد الملك بن صالح بن عليّ ابن عبد الله فأقام بمنبج وابتنى بها قصرًا لنفسه وبستانًا إلى جانبه، ويعرف البستان يومنا هذا ببستان القصر. وكانت ولايته سنة ١٧٥ ثم صرف لأمرٍ عتب عليه فيه.
ثم ولاّها الرشيد موسى بن عيسى سنة ١٧٦.
ومرّ الرشيد على عبد الملك بمنبج، فأدخله منزله بها، فقال له الرشيد: هذا منزلك؟. قال:: هو لك، ولي بك. فقال: فكيف هو. قال: دون منازل أهلي، وفوق منازل الناس. قال: كيف طيب منبج؟. قال: عذبة الماء، وعذبة الهواء، قليلة الأدواء. قال: فكيف ليلها؟. قال: سحرٌ كلّه.
وهاجت الفتنة بالشام بين النّزارية واليمانية، فولى الرشيد موسى بن يحيى ابن خالد في هذه السنة الشام، فأقام به حتى أصلح بينهم.
ثم ولاّها الرشيد جعفر بن يحيى بن خالد بن برمك سنة ١٧٨، وتوجّه إليها سنة ١٨٠، واستخلف عليها عيسى بن العكّيّ.
ثم إنّ الرشيد ولّى حلب وقنسرين إسماعيل بن صالح بن عليٍّ لما عزله عن مصر سنة ١٨٢، وأقطعه ما كان بحلب في سوقها؛ وهي الحوانيت التي بين باب أنطاكية إلى رأس الدّلبة، وعزله وولاّه دمشق.
1 / 8
ثم ولّى الرشيد بعده عبد الملك بن صالح بن عليٍّ ثانيةً، فسعى به ابنه عبد الرحمن إلى الرشيد، وأوهمه أنه يطمع في الخلافة، فاستشعر منه، وقبض عليه في سنة ١٨٧.
وولّى على حلب وقنسرين ابنه القاسم بن هارون، وأغزاه الروم، ووهبه لله تعالى في سنة ١٨٧.
ورابط القاسم بدابق هذه السنة والتي بعدها، وقيل: إنّ أحمد بن إسحق بن إسماعيل بن عليّ بن عبد الله بن العباس ولي قنّسرين للرشيد، وقد كان ولّي له مصر، وعزله عنها سنة ١٨٩. ولا أتحقق ولايته في أيّ سنةٍ كانت.
وقد ذكر بعضهم أنّ عبد الله بن صالحٍ توفي في أيام المنصور. وقال بعضهم: إنّه توفي بسلمية سنة ١٨٦. فعلى هذا يكون الذي ولاّه الرشيد ابن ابنه عبد الله بن صالح بن عبد الله بن صالحٍ، والله أعلم.
ثم إنّ الرشيد ولّى حلب وقنّسرين خزيمة بن خازم بن خزيمة من قبل ابنه القاسم بن الرشيد في سنة ١٩٣. ولم يزل القاسم بن الرشيد في ولاية حلب وقنسرين حتى مات أبوه الرشيد في سنة ١٩٣ في جمادى الآخرة. فأقرّه أخوه الأمين عليها، وجعل معه قمامة بن أبي زيدٍ، وولّى خزيمة بن خازم الجزيرة.
ثم إنّ محمدًا الأمين عزل أخاه القاسم بن الرشيد عن حلب وقنسرين والعواصم وسائر الأعمال التي ولاّه أبوه الرشيد سنة ١٩٤، وولاها خزيمة بن خازم في هذه السنة.
ثم ولّى الأمين حلب وقنسرين والجزيرة عبد الملك بن صالح بن عليٍّ، فخرج إليها، واجتمعت إله العرب في سنة ١٩٦. وهذه الولاية الثالثة لعبد الملك، وان الأمين أخرجه من حبس أبيه حين مات سنة ١٩٣ في ذي القعدة.
واستمرّ عبد الملك في هذه الولاية إلى أن مات سنة ١٩٦ بالرقة، ودفن في دارٍ من دور الإمارة. وكان يرى الأمين ما فعل به. فلما خلع الأيمن حلف عبد الملك إن مات الأمين لا يعطي المأمون طاعةً. فمات قبل الأمين، فبقيت في نفس المأمون، إلى أن خرج للغزاة، فوجد قبر عبد الملك في دار الإمارة، فأرسل إلى ابنٍ لعبد الملك: حوّل أباك من داري، فنبشت عظامه وحوّل.
وولي خزيمة بن خويزمة حلب وقنسرين في سنة ١٩٧.
وقيل: إنّ الوليد بن ظم طريفٍ ولي حلب وقنسرين بعد عبد الملك بن صالحٍ، وبعده ورقاء عبد عبد الملك، ثم بعده يزيد بن مزيد، ثم استأمن إلى طاهر بن الحسين.
وجعل إليه حرب نصر بن شبثٍ فتحصّن بكيسوم، فقصده طاهرٌ فلم يظفر به، ولقيه فكسر طاهرٌ، وعاد مغلولًا وذلك في سنة ١٩٨. ثم أضاف إليه ولاية مصرٍ وإفريقيّة في سنة ٢٠٤، ثم ولاّه خراسان سنة ٢٠٦. وولّى ابنه عبد الله مصر والشام جميعه، وأمره بمحاربة نصر بن شبثٍ في سنة ٢٠٦.
ثم توفي طاهرٌ بخراسان سنة ٢٠٧، فأضاف المأمون ولايته إلى ابنه عبد الله مع الشام، فسار عبد الله بن طاهر إلى الشام من الرقّة، واحتوى على الشام جميعه، وهدم سور معرة النعمان، وهدم معظم الحصون الصغار مثل حصن الكفر وحصن حناكٍ وغير ذلك. ونزل بكيسوم وبها نصر بن شبثٍ فحصره إلى أن ظفر به وخرج إليه بأمان، وخرّب كيسوم بعد وقائع كثيرة وحرب بينه وبين نصر بن شبثٍ، وسار إلى مصر وذلك كلّه في سنة ٢٠٩.
ولما فتح مصر في سنة ٢١١ كتب المأمون إليه:
أخي أنت ومولاي ... ومن أشكر نعماه
فما أحببت من أمرٍ ... فإني الدهر أهواه
وما تكره من شيءٍ ... فإني لست أرضاه
لك الله على ذاك ... لك الله لك الله
ودامت ولاية عبد الله بن طاهر إلى سنة ٢١٣، ووجّهه المأمون إلى خراسان، وعزله عن الشام.
وولّى ابنه العباس بن المأمون حلب وقنسرين والعواصم والثغور، وأمر له بخمس مئة ألف دينارٍ في سنة ٢١٣.
ثم ولاها المأمون إسحاق بن إبراهيم بن مصعب بن زريقٍ وعزل ابنه العباس في سنة ٢١٤.
ثم إنّ المأمون عزل إسحاق بن إبراهيم في سنة ٢١٤، وولاه مصر، وأعاد ابنه العباس إليها ثانية.
ثم ولّى المأمون حلب وقنسرين ورقة الطريفيّ وأظنّه مع العباس، وكانت لورقة حركةٌ أيام الفتنة.
فلما قدم المأمون للغزاة، ونزل بدابقٍ في سنة ٢١٥، لقيه عيسى بن عليٍّ بن صالح الهاشميّ، فقال له: يا أمير المؤمنين، أيلينا أعداؤنا في أيام الفتنة وفي أيامك؟. فقال: لا، ولا كرامة. فصرف ورقة.
1 / 9
وولّى عيسى بن عليّ بن صالحٍ نيابةً عن ولده العباس فيما أرى، فوجد عنده من الكفاية والضبط وحسن السيرة ما أراد، فقدّمه وكبر عنده وأحبّه. وكان المأمون كلّما غزا الصائفة لقيه عيسى بن عليٍّ بالرقة. ولا يزال معه حتّى يدخل الثغور، ثم يردّ عيسى إلى عمله.
وولّى المأمون في سنة ٢١٥ قضاء حلب عبيد بن جناد بن أعين مولى بني كلابٍ فامتنع من ذلك، فهدّده على الامتناع فأجاب.
ثم ولّى المأمون عبيد الله بن عبد العزيز بن الفضل بن صالحٍ لما غزا الصائفة في سنة ٢١٨ العواصم. وفيها مات المأمون. وإنما وليها عبيد الله عن العباس ابن المأمون في غالب ظنّي، فإن العباس ولي حلب قنسرين والجزيرة من سنة ٢١٤ إلى أن توفي أبوه المأمون بالبذندون من أرض طرسوس.
وبويع أبو إسحاق المعتصم فأقرّ العباس بن المأمون على ولايته، وكان الجند قد شغبوا، وطلبوا العباس ونادوه باسم الخلافة. فأرسل المعتصم إليه، وأحضره، فبايعه، وخرج إلى الناس وقال لهم: ما هذا الحبّ البارد قد بايعت عمي، فسكنوا.
وسار المعتصم إلى بغداد والعباس معه، فلما توجّه المعتصم إلى الغزاة، ومرّ بحلب في سنة ٢٢٣، ودخل إلى بلاد الروم، اجتمع به بعض الجند ووبّخه على ما فعل من إعطاء المعتصم الخلافة، وحسّن له تدارك الأمر. فاستمال جماعةً من القواد، وعزموا أن يقبضوا على المعتصم وهو داخلٌ إلى الغزاة فلم يمكّنهم العباس وقال: لا أفسد على الناس غزاتهم.
فنمي الخبر إلى المعتصم فقبض على العباس وعلى من ساعده على ذلك، وهو عائدٌ من الغزاة. فلما وصل إلى منبج سأل العباس الطعام وكان جائعًا فقدّم إليه طعامٌ كثيرٌ فأكل. فلما طلب الماء منع وأدرج في مسحٍ فما بمنبج في ذي العقدة سنة ٢٢٣.
وولّى المعتصم حلب وقنسرين حربها وخراجها وضياعها عبيد الله بن عبد العزيز بن الفضل بن صالح بن عليٍّ الهاشميّ.
ثم إنّه ولّى أشناس التركي الشام جميعه والجزيرة ومصر وتوجه وألبسه وشاحين بالجوهر في سنة ٢٢٥.
ونظر في صلات المعتصم لأشناس فوجد مبلغها أربعين ألف درهم، وأظن أنه بقي في ولايته إلى أن مات سنة ٢٣٠ في أيام الواثق.
وولى الواثق عبيد الله بن عبد العزيز بن الفضل بن صالح الهاشمي حلب وقنسرين حربها وخراجها وضياعها، وأظنه كان متواليًا في ايام المعتصم من جهة أشناس، فأقره الواثق على ولايته. وولى الواثق قنسرين وحلب والعواصم بعد عبيد الله، محمد بن صالح بن عبد اله بن صالح، فكانت سيرته غير محمودةٍ، وكان أحمر أشقر فلقب سماقة لشدة حمرته ويقال: إنه أول من أظهر البرطيل بالشام، ووقع عليه هذا الاسم، وكان لا يعرف قبل ذلك الرشوة على غير إكراه، وكان أكثر الناس سكوتًا، وأطوعهم صمتًا، لا يكاد يسمع له كلام إلا في أمر يأمر به، أو قولٍ يجيب عنه.
وكان قاضي حلب في أيامه أبا سعيد عبيد بن جنّاد الحلبي، وتوفي سنة ٢٣١، وكان المأمون ولاه قضاء حلب وله يقول عمرو بن هوبر الكلبي في قصيدة يغض منه؛ أولها:
لا درّ درّ زمانك المتنكّس ... الجاعل الأذناب فوق الأرؤس
ما أنت إلا نقمةٌ في نعمةٍ ... أو أصل شوكٍ في حديقة نرجس
يا قبلة ذهبت ضياعًا في يدٍ ... ضرب الإله بنانها بالنقرس
من سرّ أبطح مكةٍ آباؤه ... وجدوه وكأنّه من قبرس
وهذا عمرو بن هوبر كان من معراثا البريدية من ضياع معرة النعمان وولي في أيام المتوكل معر تمصرين، وقتل بها.
وكان الواثق قد ولى الثغور والعواصم دون حلب وأعمالها أحمد بن سعيد بن سلم بن قتيبة، وأمر بحضور الفداء مع خاقان وصاحب الروم ميخائيل، فأمضى الفداء سنة ٢٣١.
ثم إنه غزا شاتيًا، فأصاب الناس شدة، فوجد الواثق بسبب ذلك عليه وعزله وولاها نصر بن حمزة الخزاعي.
1 / 10
وولى الشارباميان في أول أيام المتوكل على حلب وقنسرين والعواصم، واليين أنا ذاكرهما وكان الشارباميان أحد قواد المتوكل وكان خصيصًا عنده فإما أن يكون المتوكل ولاه جند قنسرين والعواصم، أو أنه كان السلطان في أيام المتوكل فكان أمر الولاية إليه. فإنني قرأت في كتاب نسب بني صالح بن علي قال: وولى الشارباميان جند قنسرين والعواصم علي بن إسماعيل بن صالح بن عل أبا طالب، وإنما أراد أن يتزين به عند المتوكل فامتنع من قبول ولايته، فأعلمه إن لم يفعل كتب فيه إلى الخليفة، فقبلها وأقام على ولاية جند قنسرين والعواصم حتى مات، فكانت أيامه وسيرته أجمل سيرة. وكان علي بن إسماعيل إذا خرج إلى العواصم استخلف ابنه محمد بن علي على قنسرين وحلب، فلا يفقد الناس من أبيه شيئًا.
قال: وولى الشارباميان جند قنسرين والعواصم عيسى بن عبيد الله بن الفضل بن صالح بن علي الهاشمي.
قال: وولى المتوكل طاهر بن محمد بن إسماعيل بن صالح على المظالم بجند قنسرين والعواصم، والنظر في أمور العمال، وجاءته الولاية منه، فألفاه الرسول في مرضه الذي مات فيه. وجعل المتوكل ولاية عهده إلى ابنه محمد المنتصر، وولاه قنسرين، والعواصم، والثغور وديار مضر وديار ربيعة، والموصل، وغير ذلك في سنة ٢٣٥، فاستمر في الولاية إلى أن قتل أباه، وكانت الولاة من قبله.
وفي أيام ولايته حلب في سنة ٢٤٢ وقع طائر أبيض، دون الرخمة وفوق الغراب، على دلبة بحلب لسبع مضين من رمضان. فصاح: يا معشر الناس، الله، الله حتى صاح أربعين صوتًا. وكتب صاحب البريد بذلك، وأشهد خمسمائة إنسان سمعوه. ولا يبعد عندي أن تكون الدلبة التي ينسب إليها رأس الدلبة.
وسمع في هذه السنة أصوات هائلة من السماء، وزلزلت نيسابور، وتقلعت جبال من أصولها، ونبع الماء من تحتها، ووصلت الزلزلة إلى الشام والثغور.
وأظن أن نائب المنتصر في جند قنسرين في حياة المتوكل كان بغا الكبير، فلما قتل المتوكل قدم بغا عليه وسيّر المنتصر وصيفًا إلى الثغر الشامي، فأقام به إلى أن مات.
وولى المستعين في سنة ٢٥٠ قنسرين وحلب وحمص موسى بن بغا، وتوجه إليها حين عاث أهل حمص على الفضل بن قارن.
ثم ولي حلب والعواصم أبو تمام ميمون بن سليمان حدقة بن عبد الملك بن صالح في أيام المستعين، وكانت له حركة وبأس في فتنة المستعين.
وعصى أهل حلب وأقاموا على الوفاء للمستعين بيعتهم، فقدم عليهم أحمد المولد محاصرًا لهم، فلم يجيبوه إلى ما أراد من البيعة للمعتز. وكان السفير بينه وبينهم الحسين بن محمد صالح بن عبد الله بن صالح أبا عبيد الله الهاشمي. فلما بايعوا بعد ذلك للمعتز، وانقضى أمر المستعين، ولاه أحمد المولد جند قنسرين وحلب في سنة ٢٥٢ فأقام مدة يسيرة ثم انصرف إلى سلمية أعني الحسين بن محمد.
وولي حلب وقنسرين والعواصم صالح بن عبيد الله بن عبد العزيز بن الفضل ابن صالح في فتنة المستعين وكان له سعي وتقدمة ورئاسة وولي بعده ثانية صالح بن عبيد الله بن عبد العزيز بن الفضل بن صالح الهاشمي. وانقضت ولاية بني صالح الهاشمين.
ثم ولي حلب وقنسرين في أيام المعتز أبو الساج ديوداد في شهر ربيع الأول ٢٥٤، وبقي واليًا إلى أن تغلب أحمد بن عيسى بن الشيخ على الشامات في أيام المهتدي.
فلما مات وولي المتعمد سيّر إلى ابن شيخ بولاية أرمينية على أن ينصرف عن الشام آمنًا، فأجاب إلى ذلك ورحل عنها في سنة ٢٥٦.
ووليها أحمد بن طولون مع أنطاكية وطرسوس وغيرها من البلاد وكان أحمد ابن طولون شهمًا شجاعًا عاقلًا، وكان على مربطه أربعة آلاف حصان وكانت نفقته في كل يوم ألف دينار.
فعقد المعتمد لأخيه أبي أحمد الملقب بالموفق على حلب وقنسرين والعواصم في شهر ربيع الأول سنة ٢٥٨. ثم ولاه بغداد واليمن وخراسان وولى الشام لابنه جعفر وجعل له ولاية العهد وهو صبي، وجعل الأمر بعده لأخيه أبي أحمد.
1 / 11
وولى أبو أحمد الموفق سيما الطويل، أحد قواد بني العباس ومواليهم حلب والعواصم، فابتنى بظاهر مدينة حلب دارًا حسنة وعمل لها بستانًا وهو الذي يعرف الآن بستان الدار ظاهر باب أنطاكية وبهذه الدار سميت المحلة التي بباب أنطاكية الدارين إحدى الدارين هذه والدار الأخرى بناها قبله محمد ابن عبد الملك بن صالح فعرفت المحلة بالدارين لذلك. وإحدى الدارين تعرف بالسليمانية على حافة نهر قويق وحاضر السليمانية بها يعرف وهو حاضر حلب.
وجدد سيما الطويل الجسر الذي على نهر قويق قريبًا من داره. وركب عليه بابًا أخذه من قصور بعض الهاشميين بحلب يقال له: قصر البنات. وأظن القصر يعرف بأم ولد كانت لعبد الرحمن بن عبد الملك بن صالح اسمها بنات وهي أم ولده داود.
وسمى سيما الباب باب السلامة. وهو الباب الذي ذكره الواساني في قصيدته الميمية التي أولها:
يا ساكني حلب العوا ... صم جادها صوب الغمامه
وفي سيما الطويل يقول البحتري:
فردت إلى سيما الطويل أمورنا ... وسيما الرضا في كل أمر يحاوله
فعصى أحمد بن طولون على أبي أحمد الموفق وأظهر خلعه ونزل إلى الشام فانحاز سيما الطويل إلى أنطاكية فحصره أحمد بن طولون بها فألقت عليه امرأة حجرًا وقيل قوفًا فقتله. وقيل بل قتله عسكر ابن طولون وكان ذلك في سنة ٦٤ أو ٢٦٥.
واستولى أحمد بن طولون على حلب والشام جميعه منابذًا لأبي أحمد الموفق، وكان قاضي حلب في أيامه عبيد الله بن محمد بن عبد العزيز بن عبد الله أبو بكر القاضي العمري ودام على قضائها إلى أن مات أحمد.
وكان سيما ين صارت له حلب قد قصد جماعة من أشارف بني صالح بن علي بالأذى واستولى على أملاكهم وأودع بعضهم السجن. فلما ولي أحمد بن طولون قال صالح بن محمد بن إسماعيل بن صالح بن علي الهاشمي الحلبي يمدحه ويشكره، ويذكر ظفره بسيما بقصيدة يقول فيها:
وقد لبستنا من قذى الجور حلةٌ ... ودار بنا كيد الأعادي فأحدقا
وحكم فينا عاندٌ فجرت له ... أفاعيل عرٍّ تترك اللبّ أخلقا
إلى أن أتيحت بابن طولون رحمةٌ ... أشار إلى معصوصبٍ فتفرّقا
فدتك بنو العباس من ناصرٍ لها ... أنار به قصد السبيل وأشرقا
بنيت لهم مجدًا تليدًا بناؤه ... فلم نر بنيانًا أعزّ وأوثقا
منحتهم صفو الوداد ولم يكن ... سواك ليعطي الود صفوًا مزوقًا
تجوّز منك العبد لما قصدته ... وأسكن أشراف الأقاوم مطبقا
بلا ترةٍ أسدوا إليه وإنّما ... يجازي الفتى يومًا على ما تحقّقا
وهيهات ما ينجيه لو أنّ دونه ... ثمانين سورًا في ثمانين خندقا
ثم إن أحمد بن طولون توجه إلى مصر، وولى مملوكه لؤلؤ سنة ٢٦٧، فخرج بكار الصالحي من ولد عبد الملك بن صالح، بنواحي حلب بينها وبين سلمية، ودعا إلى أبي أحمد الموفق في سنة ٦٨ فحاربه ابن العباس الكلابي فهزم الكلابي ووجه إليه لؤلؤ قائدًا يقال له أبو ذر فرجع وليس معه كبير أحد. ثم إن لؤلؤ ظفر به فقبض عليه. ثم إن لؤلؤ الطولوني خالف مولاه أحمد بحلب، وعصى عليه في سنة ٢٦٩، وكاتب أبا أحمد الموفق يف المسير إليه، فأجابه إلى ذلك. وقطع لؤلؤ الدعاة لمولاه أحمد في مدنه جميعها: حلب وقنسرين وحمص وديار مضر. وترك أهل الثغور الدعاء لابن طولون، وأخرجوا نائبه منها وهموا بقبضه فهرب. فنزل أحمد بن طولون من مصر في مائة ألف فقبض على حرم لؤلؤ، وباع ولده، وأخذ ما قدر عليه مما كان له، وهرب لؤلؤ منه ولحق بأبي أحمد طلحة بن المتوكل وهو على محاربة العلوي البصري عميد الزنج.
ولؤلؤ هو الذي قتل علوي البصرة في سنة ٢٦٩. وبقي لؤلؤ ببغداد إلى أن قبض عليه الموفق وقيده في سنة ٢٧٣. فوجد له أربع مائة ألف دينار، فذكر لؤلؤ الطولوني أنه لا يعرف لنفسه ذنبًا إلا كثرة ماله وأثاثه.
لما هرب لؤلؤ من مولاه إلى العراق في جمادى الأولى من السنة، اجتاز ببالس وبها محمد بن العباس بن سعيد الكلابي أبو موسى، وأخوه سعيد فأسرهما.
ثم إن طولون وصل إلى الثغور فأغلقوها في وجهه فعاد إلى أنطاكية ومرض. فولى على حلب عبد الله بن الفتح وصعد إلى مصر مريضًا فمات في سنة ٢٧٠.
1 / 12
وولي ابنه أبو الجيش خمارويه بن أحمد بن طولون فولى في حلب أبا موسى محمد بن العباس بن سعيد الكلابي في سنة ٢٧١. ونزل أبو الجيش من مصر إلى حلب وكاتب أبا أحمد بن المتوكل بأن يولي حلب ومصر وسائر البلاد التي في يده، ويدعى له على منابرها، فلم يجبه إلى ذلك، فاستوحش من الموفق.
وولى في حلب القائد أحمد بن ذو غباش، وصعد إلى مصر فوصل إلى حلب إسحاق بن كنداج، وكان يلي ديار ربيعة، ومحمد بن أبي الساج وكان يلي مضر، فولاه الموفق حلب وأعمالها، وكتبا إلى العراق يطلبان نجدة تصل إليهما، فإن ابن جيعويه وغيره من قواد ابن طولون بشيزر.
فسيّر الموفق ابنه أبا العباس أحمد بن طلحة، فكان قد جعل إليه ولاية عهده، فوصل إلى حلب في ربيع الآخر من سنة ٢٧١ وكان فيها محمد بن دويداد بن أبي الساج المعروف بالأفشين حينئذ واليًا، وسار إلى قنسرين، وهي يومئذ لأخي الفصيص التنوخي وهي عامرة وحاضر طيئ لطيئ وعليها أيضًا سور، وقلعتها عامرة.
وسار إلى شيزر، فكسر العسكر المقيم، وسار إلى أن تواقع المعتضد وخمارويه على الطواحين بقرب الرملة، وكانت الغلبة أولًا لأبي العباس المعتضد وهرب خمارويه بمن خلف معه إلى مصر، ونزل أبو العباس بخمية خمارويه وهو لا يشك في الظفر، فخرج كمين لخمارويه، فشدوا عليه وقاتلوهم فانهزموا وتفرق القوم.
ورجع الأمير أبو العباس إلى أن انتهى إلى أنطاكية، وكان محمد بن دويداد المعروف بالأفشين بن أبي الساج قد فارق أبا العباس لكلام أغلظ له فيه أبو العباس، فجاء قبل وقعة الطّواحين واستولى على حلب ومعه إسحاق بن كنداج.
وسار أبو العباس من أنطاكية إلى طرسوس فأغلقها أهلها دونه ومنعوهم من دخولها فسار إلى مرعش ثم إلى كيسوم ثم إلى سميساط، وعبر الفرات، ونكب عن حلب لاستيلاء الأفشين عليها وكان قد جرت بينهما وحشة.
ونزل خمارويه إلى حلب فصالحه الأفشين وصار في جملته ودعا له على منابر أعماله، وحمل إليه خمارويه مائتي ألف دينار ونيفًا وعشرين ألف دينار لوجوه أصحابه، وعشرين ألف دينار لكاتبه وذلك في سنة ٢٧٣. وأعطاه ابن أبي الساج ولده رهينة على الوفاء بعهده، فراسل خمارويه أبا أحمد الموفق وولاه مصر، وأجناد الشام، وقنسرين وحلب، والعواصم، والثغور.
وصعد أبو الجيش إلى مصر، وكان أبو الجيش قد أعطى ابن أبي الساج يوم دفع ولده إليه ما مبلغه ثلاثون ألف دينار، فقال: خدعكم محمد بن دويداد إذ أعطاكم بولة يبول مثلها في طل ليلة مرات، وأخذ منكم ثلاثين ألف دينار.
ثم أن ابن أبي الساج نكث عهده مع أبي الجيش، وعاث في نواحي الأعمال التي له في ذي القعدة سنة ٢٧٤. فخرج إليه أبو الجيش، والتقيا بالثنيّة من أعمال دمشق، فانهزم ابن أبي الساج واستبيح عسكره قتلًا وأسرًا، ففي ذلك يقول البحتري:
وقد تلت جيوش النّصر منزلةً ... على جيوش أبي الجيش بن طولونا
وكتب إلى ابن أبي الساج يوبخه، وقال له: أكان يجب يا قليل المروءة والأمانة، أن تصنع برهنك ما أوجبه غدرك! معاذ الله أن تزر وازرة وزر أخرى.
ورجع أبو الجيش إلى مصر في سنة ٢٧٥. فعاد محمد ابن دويداد، وعاث عليه في أطراف بلاده فقصده فانهزم بين يديه، فوصل ابن طولون خلفه إلى الفرات. وهرب ابن أبي الساج، ولحق بأبي أحمد الموفق فانضم إليه، فخلع عليه وأخرجه معه إلى الجبل، وذلك سنة ٢٧٦.
وولى أبو الجيش على حلب غلام أبيه طغج بن جف والد الإخشيد أبي بكر محمد بن طغج.
ودعا يا زمار لخمارويه بطرسوس والثغور، وحمل إليه خمارويه خمسين ألف دينار، وحمل إليه قبل الدعاء له ثلاثين ألف دينار لينفقها في سبيل الله، ومائة وخمسين ثوبًا ومائة وخمسين دابة وسلاحًا كثيرًا، وذلك في سنة ٢٧٧.
ورجع أبو الجيش إلى مصر، ومات المعتمد بعد ذلك في سنة ٢٧٩. فولي الخلافة أبو العباس أحمد بن طلحة المعتضد، فبايعه أبو الجيش بن طولون وخطب له في عمله. وسيّر إليه هدية سنية مع الحسين بن الجصاص وطلب منه أن يزوج ابنته من علي بن المعتضد، فقال المعتضد: بل أنا أتزوجها، فتزوجها المعتضد؛ وهي قطر الندى.
وقيل: إنه دخل معها مائة هاون من ذهب في جهازها، وإن المعتضد دخل خزانتها وفيها من المنائر والأباريق والطاسات وغير ذلك من الآنية الذهب، فقال: يا أهل مصر ما أكثر صفركم فقال له بعض القوم: يا أمير المؤمنين إنما هو ذهب.
1 / 13
وزفت إلى المعتضد مع صاحب أبيها الحسين بن عبد الله الجصاص فقال المعتضد لأصحابه: أكرموها بشمع العنبر! فوجد في خزانة الخليفة أربع شمعات من عنبر في أربعة أتوار فضة. فلما كان وقت العشاء جاءت إليه وقدّامها أربعمائة وصيفة وفي يد كل وصيفة منهن تور ذهب أو فضة، وفيه شمعة من عنبر فقال المعتضد لأصحابه أطفئوا شمعنا واسترونا.
وكانت إذا جاءت إليه أكرمها بأن يطرح لها مخدة. فجاءت إليه يومًا فلم يفعل ما كان يفعله بها. فقالت: أعظم الله أجر أمير المؤمنين. قال: فيمن. قالت: في عبده خمارويه تعني أباها فقال لها: أو قد سمعت بموته. قالت: لا ولكني لما رأيتك قد تركت إكرامي علمت أنه قد مات أبي. وكان خبره قد وصل إلى المعتضد فكتمه عنها، فعاد إلى إكرامه لها بطرح المخدة في كل الأوقات.
وقتل خمارويه بدمشق في سنة ٢٨٠، وحلب في ولاية طغج بن جف ومن قبله. وأظن أن قاضي حلب بعد أيام أحمد بن طولون حفص بن عمر قاضي حلب.
وولي مكان خمارويه ولده جيش بن خمارويه وطغج في حلب على حاله. وسيّر إلى المعتضد رسولًا يطلب منه أمراءه على عادة أبيه في البلاد التي كانت في ولايته، فلم يفعل.
وسير رسولًا إلى هارون، فستنزله عن حلب وقنسرين والعواصم، وسلّم لهارون مصر وبقية الشام، واتفق الصلح مع المعتضد وهارون على ذلك في جمادى الأولى سنة ٢٨٦.
وكان هارون قد ولي قضاء حلب وقنسرين أبا زرعة محمد بن عثمان الدمشقي. فقلد المعتضد حلب وقنسرين ولده أبا محمد علي بن أحمد في هذه السنة.
وولي بحلب من قبل ابنه الحسن بن علي المعروف بكورة الخراساني وإليه تنسب داركورة التي داخل باب الجنان بحلب والحمّام المجاورة لها. وقد خربت الآن.
وكان كاتب علي بن المعتضد يومئذ الحسين بن عمرو النصراني فقلده النظر في هذه النواحي.
وسار المعتضد في سنة ٢٨٧، خلف وصيف خادم ابن أبي الساج إلى الثغور إلى أن لحقه. فضم عمل الثغور أيضًا إلى كورة، وعاد إلى أنطاكية، ووصيف معه.
ثم رحل إلى حلب فأقام بها يومين، ووجد لوصيف بعد أسره في بستان بحلب مال كان دفنه وهو بها مع مولاه مبلغ ستة وخمسين ألف دينار، فحمل إلى المعتضد، ثم رحل إلى بغداد، فمات في شهر ربيع الآخر سنة ٢٨٩.
وتلوى الخلافة أبو محمد، ولقب بالمكتفي، فصرف الحسن بن علي كورة عن ولايته، وولى حلب أحمد بن سهل النوشجاني في شهر جمادى الآخرة سنة ٢٨٩. ثم صرف عنها سنة ٢٩٠.
وولى حلب في هذه السنة أبا الأغر خليفة بن المبارك السلمي ووجهه إليه لمحاربة القرمطي صاحب الخال فإنه كان قد عاث في البلاد، وغلب حمص وحماة ومعرة النعمان وسلمية، وقتل أهلها وسبى النساء والأطفال.
فقدم أو الأغر حلب في عشرة آلاف فارس، فأنفذ القرمطي سريةً إلى حلب، فخرج أبو الأغر إلى وادي بطنان، فلما استقر وافاه جيش القرمطي، يقدمه المطوق غلامه وكبسهم، وقتل عامة أصحابه وخادمًا جليلًا يقال له بدر القدامي.
وسلم أبو الأغر في ألف رجل فصار إلى قريةٍ من قرى حلب، وخرج إليه ابنه في جماعة من الرّجالة والأولياء، فدخل إلى حلب وأقام القرامطة على مدينة حلب على سبيل المحاصرة.
فلما كان يوم الجمعة سلخ شهر رمضان من سنة ٢٩٠. فشرع أهل مدنية حلب إلى الخروج للقاء القرامطة فمنعوا من ذلك، فكسروا قفل الباب، وخرجوا إلى القرامطة، فوقعت الحرب بين الفئتين، ورزق الله الحلبيين النصر عليهم، وخرج أبو الأغر فأعانهم فقتل من القرامطة خلقٌ كثيرٌ.
وخرج أبو الأغر يوم السبت يوم عيد الفطر إلى المصلى، وعيّد بأهل حلب، وخطب، وعادت الرعية على حال سلامة، وأشرف أبو الأغر على القرامطة، فلم يخرج منهم أحدٌ إليه، ثم إنهم رحلوا إلى صاحبهم في سنة ٣٠٠.
ثم إن المكتفي ولى حلب الحسين بن حمدان بن حمدون عم سيف الدولة، فعاثت عليه العرب من كلب واليمن وأسد وغيرهم فاجتمعوا بنواحي حلب، فخرج للقائهم في شهر رمضان من سنة ٢٩٤ فهزموه حتى بلغوا به باب حلب، وجرى بينه وبين القرامطة في هذه السنة وقعة كسرهم فيها واستأصلهم.
1 / 14
ثم إنه عزل عن حلب، وولي عيسى غلام النوشري؛ وكان المكتفي قد صار إلى الرقة في سنة ٢٩١. وكان وجه محمد بن سليمان صاحب الجيش إلى حلب والشام في عشرين ألف فاسٍ وراجل لمحاربة الطولونية والقرامطة، وفتح مصر. وقدم محمد بن سليمان حلب في آخر سنة ٩٠، والوالي بها على الحرب عيسى غلام النوشري، فدخلها محمد في أحسن تعبئة وزي، وأقام بها أيامًا، وطالب عمال الخراج بحمل المال، وقصده رؤساء بني تميم وبني كلاب.
فأمر عيسى والي حلب أن يستخلف على عمله ويشخص معه إلى مصر، فامتثل أمره، واستخلف على حلب ولده، وانفق في جنده، ورحل في آخر شوال معه، فلما وافى معرة النعمان خلع عليه، وحمله، وولاّه بلاده إلى حدود حماة، ولقيهم القرامطة بين تل منّس وكفر طاب، في عشرة آلاف فارس، فنصره الله عليهم، وانهزموا وقتل الرجالة، وأسر الخيالة.
وصار محمد بن سليمان إلى مصر، وفتحها من يد الطولونية. عند قتل هارون ابن خمارويه، واستولى على أموالها.
ثم ضم إلى طغج بن جف الطولوني أربعة آلاف رجل، وولاه حلب، وأخرجه عن مصر.
فلما صار إلى حلب وجد بها ابن الواثقي، وقد أنفذه السلطان إلى حلب لعرض جيوش الواردين من مصر وذلك في سنة ٢٩٢ فعرض ابن الواثقي جيشه لما وصل إلى حلب، وامره بالنفوذ إلى بغداد، فرحل حتى وافى مدينة السلام.
وكذلك ورد حلب جماعةٌ من القواد الطولونية، فعرضهم وتوجه إلى بغداد. ووافى وصيف البكتمري وابن عيسى النوشري صاحب حلب بغداد. يوم الاثنين لثلاث عشرة ليلة بقيت من شعبان سنة ٢٩٢ ومعهما طغج وأخوه، وابن طغج، فخلع وطرق منهم البكتمري وابن عيسى النوشري.
ثم شخص عيسى النوشري عن مصر إلى حلب، لأنه كان واليها. فلما كان بعد شخوصه إليها بأيام، ورد كتاب العباس بن الحسن الوزير بتولية عيسى النوشري مدينة مصر، ويؤمر محمد بن سليمان بالشخوص إلى طرسوس للغزو، فوجه محمد ابن سليمان من لحق عيسى بالرملة فرده، وورد إلى عيسى كتاب من السلطان بذلك فعاد واليًا على مصر.
وولى المكتفي في هذه السنة أبا الحسن ذكا بن عبد الله الأعور حلب، ودام بها إلى السنة ٣٠٢، وكان كريمًا يهب ويعطي وإليه تنسب دار ذكا. التي هي الآن دار الزكاة. وإلى جانبها دار حاجبه فيروز فانهدمت وصارت تلًا يعرف بتل فيروز، فنسفه السلطان الملك الظاهر في أيامه وظهر فيه بقايا من الذخائر مثل الزئبق وغيره، وهو موضع سوق الصاغة الآن، ولأبي بكر الصنوبري الشاعر فيه مدائح كثيرة.
وعاد محمد بن سليمان إلى حلب ووافاه مبارك القمي بكتب يؤمر فيها بتسليم الأموال، وركب إليه ذكا الأعور صاحب حلب، وأبو الأغر وغيرهما. فاختلط بهم وسار معهم إلى المدينة، فأدخلوه إلى الدار المعروفة بكورة، بباب الجنان، ووكلوا به في الدار.
وشخص ذكا عن حلب لمحاربة ابن الخلنج مع أبي الأغر إلى مصر ووجّه محمد ابن سليمان مقبوضًا إلى بغداد.
وتوفي المكتفي سنة ٢٩٥، وولي أخوه أبو الفضل المقتدر وعاثت بنو تميم في بلد حلب وأفسدت عظيمًا، وحاصروا ذكا بحلب، فكتب المقتدر إلى الحسين بن حمدان في إنجاد ذكا بحلب، فأسرى من الرحبة حتى أناخ بخناصرة، وأسر منهم جماعة، وانصرف ولم يجتمع بذكا. ففي ذلك يقول شاعر من أهل الشام:
أصلح ما بين تميمٍ وذكا
أبلج يشكي بالرماح من شكا
يدلّ بالجيش إذا ما سلكا
كأنه سليكة بن السّلكا
وكان وزير ذكا وكاتبه أبا الحسن محمد بن عمر بن يحيى النفّري الكاتب، وإليه ينسب حمام النفّري، وهي الآن داثرة، وداره هي المدرسة النورية، ومدحه الصنوبري.
ثم إن المقتدر عزل ذكا عن حلب وولاه دمشق ثم مصر إلى أن مات.
وقيل: إن المقتدر ولى حلب مولاه تكين الخادم أبا منصور ثم عزله عنها. والصحيح أنه ولي الشام ومصر مؤنس الخادم نيابة عن ابنه أبي العباس فقدم إلى حلب وصعد إلى مصر.
وولي مؤنس ذكا الأعور دمشق ومصر وعزله عن حلب. وولي الأمير أبا العباس أحمد بن كيغلغ حلب سنة ٣٠٢. وكان على قضاء حلب سنة ٩٠ محمد بن محمد الجدوعي.
ثم ولي القضاء بحلب وقنسرين محمد بن أبي موسى عيسى الضرير الفقيه ف سنة ٢٩٧. وشخص إلى عمله لأربع عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الآخر.
1 / 15
ثم صرف محمد بن عيسى عن قضاء حلب وقنسرين في سنة ٣٠٢ بأبي حفيص عمر بن الحسن بن نصر الحلبي. وكانت داره بسوق السّراجين. وعزل أبو الحفيص عن القضاء بحلب سنة ٣٠٢ ووليها أبو عبد الله محمد بن عبده ابن حرب.
وتوفي عمر بن حسن القاضي سنة ٣٠٧، وكان محمد بن عبده بن حرب بن حرب قاضيًا فيها سنة ٣٠٥.
ثم تولى قضاء حلب وحمص إبراهيم بن جعفر بن جابر أبو إسحاق الفقيه في سنة ٣٠٦. وولي الخراج من قبل المكتفي بحلب الحسن بن الحسن بن رجاء ابن أبي الضّحاك. وتوفي بحلب في جمادى الأولى سنة ٣٠١ فجاءة.
وولي الخراج بعده علي بن أحمد بن بسطام، والإنفاق عبد الله بن محمد بن سهل، ثم توفي سنة ٣٠٦. وتولى مكانه محمد بن الحسن بن علي الناظري.
وكان أبو العباس بن كيغلغ أديبًا شارعًا جوادًا وهو الذي مدحه المتنبي بقوله:
كم قتيل كما قتلت شهيدٍ
ومن شعر الأمير أحمد بن كيغلغ قوله:
قلت والجفون قرحى ... قد أقرح الدمع ما يليها
ما لي في لوعتي شبيهٌ ... قال: وأبصرت لي شبيها
ثم ولى مؤنس المظفر حلب أبا قابوس محمود بن حبك الخراساني، وكان جبارًا قاسيًا منحرفًا عن أهل البيت. وقيل: هو محمود بن حمل، فدام واليًا بها إلى سنة ٣١٢.
وكان مؤنس المظفر بالشام، فاستدعي إلى بغداد لقتال القرمطي، فسار إليها، وولي حلب وصيف البكتمري الخادم سنة ٣١٢، ثم عزل عنها سنة ٣١٦.
ووليها في هذه السنة هلال بن بدر أبو الفتح، غلام المعتضد وكان أمير دمشق قبل ذلك، ثم عزل عن حلب، وولي قطربّل وسامرا في سنة ٣١٩. ووليها في هذه السنة وصيف البكتمري ثانية.
ومات بحلب على ولايته يوم الثلاثاء لثمان خلون من ذي الحجة سنة ٣١٧.
وكان كاتبه عبد الله والد أبي العباس أحمد بن عبد الله الشاعر المعروف بابن الكاتب البكتمري، فوليها الأمير أحمد بن كيغلغ ثانية إلى سنة ٣١٨.
ثم ولى مؤنس المظفر غلامه طريف بن عبد الله السبكري الخادم في سنة ٣١٩، وكان ظريفًا شهمًا شجاعًا، وحاصر بني الفصيص في حصونهم باللاذقية وغيها، فحاربوه حربًا شديدًا حتى نفذ جميع ما كان عندهم من القوت والماء، فنزلوا على الأمان فوفى لهم وأكرمهم، ودخلوا معه حلب مكرمين معظمين، فأضيفت إليه حمص مع حلب.
ثم إن القاهر قبض على مولاه مؤنس المظفر وتولى طريف قبضه وأحضره إلى القاهر في سنة ٣٢١، فرأى له ذلك.
وولى القاهر بشير الخادم دمشق وحلب، وسار إلى حلب ثم إلى حمص، فكسره ابن طغج وأسره، وخنقه، ووصل أبو العباس ابن كيغلغ إلى حلب فاتفق مع محمد بن طغج وحالفه.
وولي الخليفة الراضي بعد القاهر. وكان الراضي قد خاف على بدر الخرشني من الحجرية أن يفتكوا به، فقلده حلب وأعمالها وهي بيد طريف سنة ٣٢٤، وأمره بالمسير من يومه. فسار وبلغ طريف، وأنفذ صاحبًا له إلى ابن مقلة، وبذل له عشرين ألف دينار ليجدد له العهد، وأن لا يصرف من حلب. ووصل الخرشني فدافعه طريف، رجاء أن يقضي ابن مقلة وطره، فرجع بدر الخرشني، والتقى طريف في أرض حلب، فانهزم طريف من بين يديه.
وتسلم بدرٌ حلب، وأقام بها مدة يسرة ثم كوتب من الحضرة بالانصراف، فرجع إلى الحضرة، وقلّد طريف حلب مرة ثالثة، فقلد طريف السبكري من جهته حلب والعواصم فأقام بها إلى سنة ٣٢٤. وكان قاضي حلب عبيد الله بن عبد الرحمن بن أخي الإمام.
ثم ولي حلب أبو العباس أحمد بن سعيد بن العباس الكلابي ومدحه أبو بكر الصنوبري. وكان بها نائبًا عن أبي بكر الإخشيد محمد بن طغج بن جف في غالب ظني فإن الإخشيد استولى على الشام إلى سنة ٣٢٨.
وفي ولاية أبي العباس، وردت بنو كلاب إلى الشام من أرض نجد، وأغارت على معرة النعمان، فخرج إليهم والي المعرة معاذ بن سعيد بجنده، وتبعهم إلى البراغيثي، فعطفوا عليه، وأسروه وأكثر جنده، وأقام فيهم مدة يعذّبونه، فخرج إليهم أبو العباس أحمد بن سعيد الكلابي والي حلب فخلصه مهم. وكان ورودهم في سنة ٣٢٥.
ثم إن الراضي قدم الموصل، وكان أبو بكر محمد بن الرائق ببغداد، وبينه وبي بجكم وحشة، فأنفذ الراضي أبا الحسين عمر بن محمد القاضي إلى أبي بكر محمد بن الرائق يخيره في أحد البلدين واسط أو حلب وأعمالها، فاختار حلب، وأراد بذلك البعد عن بجكم، فأجابه الراضي إلى ذلك، وخلع عليه أبو جعفر وأبو الفضل ابنا الراضي وعقدا له.
1 / 16
وجعل بجكم يحث الراضي على الوصول إلى بغداد، ويتأسف على خروج ابن الرائق منها ليشفي غيظه؛ فقال له الراضي: هذا الأصلح، رجل قد أمنّته، وقلّدته ناحية من النواحي، فسمع وأطاع وما أمكنك منه.
فخرج أبو بكر بن الرائق في شهر ربيع الآخر من سنة ٣٢٧. وقيل: دخل حلب في سنة ٣٢٨، وسار عنها إلى قتال الإخشيد محمد بن طغج بن جف الفرغاني، وولى في حلب نيابة عنه خاصة محمد بن يزداذ.
وجرت بين أبي بكر بن الرائق والإخشيد وقعة. وانهزم فيها الإخشيد، وسلّم دمشق إلى بن رائق، واقتصر على رملة ومصر.
ثم وقع بينهما وقعة أخرى في الجفار أسر فيها أبو الفتح مزاحم بن محمد بن رائق، فرجع في عدة يسيرة حتى يخلّص ابنه، فقتل أبو نصر بن طغج، فكفّنه ابن رائق، وجعله في تابوت. وأنفذه إلى أخيه الإخشيد مع ابنه مزاحم، وقال: ما أردت قتل أخيك وهذا ولدي قد أنفذته إليك لتقيده به. فخلع الأخشيد عليه وأعطاه مالًا كثيرًا في سنة ٣٢٩.
ثم إن أبا بكر محمد بن طغج الإخشيدي سير كافورًا الخادم من مصر ومعه عسكر وفي مقدمته أبو المظفر مساور بن محمد الرومي، أحد قواد الإخشيد، فوصل إلى حلب، فالتقى كافور ومحمد بن يزداذ الوالي بحلب من قبل ابن الرائق، فكسره كافور وأسره، وأخذ منه حلب، وولى بها مساور بن محمد الرومي، وعاد كافور إلى مصر.
وهذا أبو المظفر مساور بن محمد الرومي مدحه المتنبي بقوله:
أمساورٌ أم قرن شمسٍ هذا ... أم ليت عابٍ يقدم الأستاذا
يريد بالأستاذ: كافور الخادم، وذكر فيها كسره ابن يزداذ. فقال:
هبك ابن يزداذ حطمت وصحبه ... أترى الورى أضحوا بني يزداذا
ومساور هو صاحب الدار المعروفة بدار الرومي بالزجاجين بحلب، وتعرف أيضًا بدار ابن مستفاد، وهي شرقي المدرسة العمادية، التي جددها سليمان ابن عبد الجبار بن أرتق بحلب، وهي المنسوبة إلى بني العجمي.
وأظن أن قاضي حلب في هذا التاريخ كان أبا طاهر محمد بن محمد بن سفيان الدباس، أو قبل هذا التاريخ.
ثم اتفق الإخشيد ومحمد بن الرائق بأن يخلي الإخشيد حمص وحلب ويحمل إليه مالًا، وزوج الإخشيد ابنته بمزاحم بن أبي بكر بن رائق.
وقتل ناصر الدولة أبو محمد الحسن بن عبد الله بن حمدان أبا بكر بن رائق في رجب سنة ٣٢٠، بين يدي المتقي يوم الاثنين لتسع بقين منه.
وكان ابن رائق شهمًا مقدامًا سخيًا جوادًا، لكنه كان عظيم الكبر، مستبدًا برأيه، منزوعًا من التوفيق والعصمة والتسديد.
وكان أحمد بن علي بن مقاتل بحلب من جهة أبي بكر بن الرائق ومعه ابنه مزاحم ابن محمد بن رائق فقلد ناصر الدولة علي بن خلف ديرا مضر والشام، وأنفذ معه عسكرًا، وكاتب يانس المؤنسي أن يعاضده.
وكان يانس على ديرا مضر من قبل ناصر الدولة. فساد إلى جسر منبج وسار أحمد بن مقاتل ومزاحم إلى منبج، فالتقوا على شاطئ الفرات.
وسيّر يانس كاتبه ونذيرًا غلامه برسالةٍ إلى ابن مقاتل، فاعتقلهما، ووقعت الحرب بين الفئتين، ولحق يانس جراح كادت تتلفه فعدل به إلى قلعة نجم ليمدد ونظر نذير غلامه وهو معتقل في عسكر ابن مقاتل، على بغل إلى شاكريّ ليانس معه جنيبة من خيله، فأخذ سيف الشاكري، وركب الجنيبة، وصار إلى ابن مقاتل فقتله وانهزم عسكره.
وأفاق يانس المؤنسي، فسار وعلي بن خلف متوجهين إلى حلب. وتلاوم قواد ابن مقاتل على هزيمتهم، فعادوا إلى القتال في وادي بطنان، فانهزموا ثانية، وملك علي بن خلف ويانس المؤنسي حلب في سنة ٣٣٠.
ثم إن علي بن خلف سار منها إلى الإخشيد محمد بن طغج، فاستوزره وعلا أمره معه، إلى أن رآه يومًا، وقد ركب في أكثر الجيش بالمطارد والزي، ومحمد جالس في متنزه له، فأمر بالقبض عليه، فلم يزل محبوسًا إلى أن مات محمد ابن طغج فأطلق. وبقي يأنس المؤنسي واليًا على حلب في سنة ٣٣١.
وكان يانس هذا مولى مؤنس المظفر الخادم وتولى الموصل في أيام القاهر، وكان يلي ديار مضر من قبل ناصر الدولة إلى ان كان من أمره ما ذكرناه. فاستأمن إلى الإخشيد ودعا له على المنابر بعمله.
واتفق ناصر الدولة بن حمدان وتوزون في سنة ٣٣٢ على أن تكون الأعمال من مدينة الموصل إلى آخر أعمال الشام لناصر الدولة، وأعمال السّنّ إلى البصرة لتوزون، ومما يفتحه مما وراء ذلك، وألا يعرض أحد منهما لعمل الآخر.
1 / 17
فولى ناصر الدولة حلب وديار مضر والعواصم أبا بكر محمد بن علي بن مقاتل صاحب ابن رائق في شهر ربيع الأول سنة ٣٣٢، ووافق ناصر الدولة أبا محمد بن حمدان على أن يؤدي إليه إذا دخل حلب ثلاثين ألف دينار.
فتوجه أبو بكر من الموصل ومعه جماعة من القواد، ولم يصل إليها، فوقع ببين الأمير سيف الدولة بن حمدان وبين ابن عمه أبي عبد الله الحسين بن سعيد بن حمدان كلام بالموصل وأراد القبض عليه.
فقلد ناصر الدولة أبا عبد الله الحسين بن سعيد بن حمدان أخا الأمير أبي فراس، حلب وأعمالها وديرا مضر والعواصم وكل ما يفتحه من الشام، فتوجه في أول شهر رجب سنة ٣٣٢ ودخل الرقة بالسيف لأن أهلها حاربوه مع أميرها محمد ابن حبيب البلزمي، فأسره وسلمه، وحرق قطعة من بلده وقبض على رؤساء أهلها، وصادرهم.
وتوجه إلى حلب ومعه أبو بكر محمد بن علي من مقاتل، وبحلب يانس المؤنسي وأحمد بن عباس الكلابي، فهربا من يديه من حلب، وتبعهما إلى معرة النعمان ثم إلى حمص. فهرب أمير حمص إسحاق بن كيغلغ بين يديه، وملك هذه البلاد ودانت له العرب، ثم عاد إلى حلب، وأقام بها إلى أن وافى الإخشيد أبو بكر محمد بن طغج بن جف الفرغاني.
وإنما لقب بالإخشيد لأن ملك فرغانة تسمى بذلك، وكان أبوه من أهل فرغانة.
وقدمها الإخشيد في ذي الحجة سنة ٣٣٢. ولما دنا الإخشيد من حلب انصرف الحسين بن حمدان عنها لضعفه عن محاربته إلى الرقة.
وكان ابن مقاتل مع ابن حمدان بحلب، فلما أحس بقرب الإخشيد منها وتعويل ابن حمدان على الانصراف استتر في منارة المسجد إلى أن انصرف ابن حمدان ودخل الإخشيد فظهر له ابن مقاتل، واستأمن إليه، وقلده الإخشيد أعمال الخراج والضياع بمصر.
وأما الحسين بن سعيد، فإنه لما وصل إلى الرقة وجد المتقي لله بها هاربًا من توزون التركي وقد تغلب على بغداد، وسيف الدولة أبو الحسن علي بن عبد الله بن حمدان مع المتقي بالرقة، وقد فارق أخاه ناصر الدولة لكلام جرى بينهما. فلم يأذن المتقي لأب عبد الله الحسين في دخول الرقة، وأغلقتن أبوابها دونه، ووقعت المباينة بينه وبين ابن عمه سيف الدولة وسفر بينهما في الصلح، فتم. ومضى إلى حرّان، ومنها إلى الموصل.
وقدم الإخشيد عند حصوله بحلب مقدمته إلى بلاس. وسار بعدها، فسير المتقي أبا الحسن أحمد بن عبد الله بن إسحاق الخرقي يسأل الإخشيد أن يسير إليه ليجتمع معه بالرقة ويجدد العهد له، ويستعين به على نصرته، ويقتبس من رأيه.
فلما وصل أب الحسن إلى حلب تلقاه الإخشيد وأكرمه وأظهر السرور والثقة بقر المتقي، وأنفذ من وقته مالًا مع أحمد بن سعيد الكلابي إلى المتقي، وسار فراسله المتقي بالخرقي، وبوزيره أبي الحسين بن مقلة، فعبر إليه يوم الخميس لثلاث عشرة ليلة خلت من المحرم سنة ٣٣٣.
ووقف بين يدي المتقي لله. ثم ركب المتقي لله، فمشى بين يديه، وأمره يركب فلم يفعل، وحمل إليه هدايا ومالًا كثيرًا، وحمل إلى الوزير أبي الحسين بن مقلة عشرين ألف دينار، ولم يدع أحداُ من أصحاب المتقي وحواشيه وكتابه إلا برّه ووصله. واجتهد بالمتقي لله أن يسير معه إلى الشام، فأبى فأشار عليه بالمقام مكانه، وضمن بأن يمده بالأموال فلم يفعل، إلى أن كاتبه توزون، وخدعه، وقبض عليه، وبايع المستكفي.
وكتب المتقي عهدًا للإخشيد بالشامات ومصر، على أن الولاية له ولأبي القاسم أنوجور ابنه إلى ثلاثين سنة.
وكتب الإخشيد في هذه السفرة إلى عبده كافور الخادم إلى مصر وقال له: ومما يجب أن تقف عليه أطال الله بقاءك أنني لقيت أمير المؤمنين بشاطئ الفرات فأكرمني، وحباني، وقال: كيف أنت يا أبا بكر أعزك الله، فرحًا بأنه كناه والخليفة لا يكني أحدًا.
دخول سيف الدولة حلب
وعاد الإخشيد من الرقة إلى حلب، وسار إلى مصر. وولي بحلب من قبله أبا الفتح عثمان بن سعيد بن العباس بن الوليد الكلابي، وولى أخاه أنطاكية. فحسد أبا الفتح إخوته الكلابيون، وراسلوا سيف الدولة بن حمدان أن يسلموا إليه حلب، وقد كان طلب سيف الدولة من أخيه ناصر الدولة ولاية، فقال له ناصر الدولة: الشام أمامك، وما فيه أحد يمنعك منه.
1 / 18
وعرف سيف الدولة اختلاف الكلابيين، وضعف أبي الفتح عن مقاومته فسار إلى حلب؛ فلما وصل على الفرات خرج إخوة أبي الفتح عثمان بن سعيد بأجمعهم للقاء سيف الدولة، فرأى أبو الفتح أنه مغلوب إن جلس عنهم، وعلم حسدهم له، فخرج معهم.
فلما قطع سيف الدولة الفرات، أكرم أبا الفتح دون إخوته وأركبه معه في العماريّة، وجعل سيف الدولة يسأله عن كل قرية يجتاز بها: ما اسمها؟ فيقول أبو الفتح: هذه الفلانية، حتى عبروا بقرية يقال لها إبرم وهي قرية قريبة من الفايا. فقال سيف الدولة: ما اسم هذه القرية؟ قال أبو الفتح: إبرم. فظن سيف الدولة أنه قد أكرهه بالسؤال. فقال: إبرم من الإبرام. فسكت سيف الدولة عن سؤاله. فلما عبروا بقرية كبيرة. ولم يٍسأله عنها علم أبو الفتح بسكوت سيف الدولة. فقال أبو الفتح: يا سيدي يا سيف الدولة، وحق رأسك، إن القرية التي عبرنا عليها اسمها إبرم، واسأل عنها غيري. فعجب سيف الدولة بذكائه. فلما وصل حلب أجلسه معه على السرير.
ودخل سيف الدولة حلب يوم الاثنين من شهر ربيع الأول سنة ٣٣٣.
وكان القاضي بها أحمد بن محمد بن ماثل، فعزله. وولي أبا حصين علي بن عبد الكريم بن بدر بن الهيثم الرقي، وكان ظالمًا، فكان إذا مات إنسان أخذ تركته لسيف الدولة. وقال: كل من هلك فلسيف الدولة ما ترك، وعلى أبي حصين الدّرك.
ثم إن الإخشيد سيّر عسكرًا إلى حلب مع كافور ويانس المؤنسي، وكان الأمير سيف الدولة غازيًا بأرض الروم قد هتك بلد الصفصاف وعربسوس فغنم، ورجع فسار لطيته إلى الإخشيدية، فلقيهم بالرستن. فحمل سيف الدولة على كافور فانهزم وازدحم أصحابه في جسر الرستن، فوقع في النهر منهم جماعة.
ورفع سيف الدولة السيف، فأمر غلمانه أن لا يقتلوا أحداُ منهم. وقال: الدم لي والمال لكم. فأسر منهم نحو أربعة آلاف من الأمراء وغيرهم، واحتوى على جميع سواده.
ومضى كافور هاربًا إلى حمص، وسار منها إلى دمشق، وكتب إلى الإخشيد يعلمه بهزيمته، وأطلق سيف الدولة الأسارى جميعهم، فمضوا وشكروا فعله.
ورحل سيف الدولة بعد هزيمتهم إلى دمشق، ودخلها في شهر رمضان سنة ٣٣٣. وأقام بها يكاتب الإخشيد، يلتمس منه الموادعة، والاقتصار على ما في يده. فلم يفعل. وخرج سيف الدولة إلى الأعراب، فلما عاد منعه أهل دمشق من دخولها، فبلغ الإخشيد ذلك، فسار من الرملة وتوجه يطلب سيف الدولة، فلما وصل طبرية عاد سيف الدولة إلى حلب بغير حرب، لأن أكثر أصحابه وعسكره استأمنوا إلى الإخشيد، فابتعه الإخشيد إلى أن نزل بمعرة النعمان. في جيش عظيم، فجمع سيف الدولة، ولقيه بأرض قنسرين في شوال سنة ٣٣٣.
وكان الإخشيد قد جعل مطارده، وبوقاته في المقدمة، وانتقى من عسكره نحو عشرة آلاف، وسماهم الصابرية فوقف بهم في الساقة.
فحمل سيف الدولة على مقدمة الإخشيد فهزمها، وقصد قبته وخيمه وهو يظنه في المقدمة، فحمل الإخشيد ومع الصابرية فاستخلص سواده. ولم يقتل من العسكرين غير معاذ بن سعيد والي معرة النعمان، من قبل الإخشيد، فإنه حمل على سيف الدولة ليأسره، فضربه سيف الدولة بمستوفى كان معه فقتله.
وهرب سيف الدولة فلم يتبعه أحد من عسكر الإخشيد وسار على حاله إلى الجزيرة فدخل الرقة. وقيل: إنه أراد دخول حلب فمنعه أهلها.
ودخل الإخشيد حلب، وأفسد أصحابه في جميع النواحي، وقطعت الأشجار التي كانت في ظاهر حلب، وكانت عظيمة. وقيل: إنها كانت من أكثر المدن شجرًا؛ وأشعار الصنوبري تدل على ذلك.
ونزل عسكر الإخشيد على الناس بحلب؛ وبالغوا في أذى الناس لميلهم إلى سيف الدولة.
وعاد الإخشيد إلى دمشق بعد أن ترددت الرسل بينه وبين سف الدولة، واستقر الأمر على أن أفرج الإخشيد له عن حلب وحمص وأنطاكية، وقرر عن دمشق مالًا يحمله إليه كل سنة.
وتزوج سيف الدولة بابنة أخي الإخشيد عبيد الله بن طغج وانتظم هذا الأمر على يد الحسن بن طاهر العلوي وسفارته، في شهر ربيع الأول سنة ٣٣٤.
فسار الإخشيد إلى دمشق وعاد سيف الدولة إلى حلب، وتوفي الإخشيد بدمشق في ذي الحجة سنة ٣٣٤، وقيل: في المحرم سنة ٣٣٥.
وملك بعده ابنه أبو القاسم أنوجور، واستولى على التدبير أبو المسك كافور الخادم.
1 / 19
وكان سيف الدولة فيما ذكر؛ قد عمل على تخلية الشام، فلما مات الإخشيد سار كافور بعساكر مولاه إلى مصر من دمشق، وكان قد استولى على مصر رجل مغربي، فحاربه كافور، وظفر به.
وخلت دمشق من العسكر، فطمع فيها سيف الدولة وسار إليها فملكها، واستأمن إليه أنس المؤنسي في قطعة من الجيش. وأقام سيف الدولة بدمشقٌ، يجبي خراجها، ثم أتته والدته نعم أم سيف الدولة إلى دمشق، وسار سيف الدولة إلى طبرية.
وكان سيف الدولة في بعض الأيام يساير الشريف العقيقي بدمشق، في الغوطة بظاهر البلد، فقال سيف الدولة للعقيقي: ما تصلح هذه الغوطة تكون إلا لرجل واحد. فقال له الشريف العقيقي: هي لأقوام كثيرة. فقال له سيف الدولة: لئن أخذتها القوانين ليتبرأنّ أهلها منها. فأسّرها الشريف في نفسه، وأعمل أهل دمشق بذلك.
وجعل سيف الدولة يطالب أهل دمشق بودائع الإخشيد وأسبابه، فكاتبوا كافورًا فخرج في العساكر المصرية، ومعه أنوجور بن الإخشيد.
فخرج سيف الدولة إلى اللجون، وأقام أيامًا قريبًا من عسكر الإخشيد ب إكسال، فتفرق عسكر سيف الدولة في الضياع لطلب العلوفة، فعلم به الإخشيد، فرجعوا إليه، وركب سيف الدولة يتشرف، فرآهم زاحفين في تعبئة، فعاد إلى عسكره فأخرجهم، ونشبت الحرب، فقتل من أصحابه خلق وأسر كذلك.
وانهزم سيف الدولة إلى دمشق، فأخذ والدته ومن كان بها من أهله وأسبابه، وسار من حيث لم يعلم أهل دمشق بالواقعة، وان ذلك في جمادى الآخرة سنة ٣٣٥.
وجاء سيف الدولة إلى حمص وجمع جمعًا، لم يجتمع له قط مثله من بني عقيل وبني نمير وبني كلب وبني كلاب، وخرج من حمص، وخرجت عسكر ابن طغج من دمشق، فالتقوا بمرج عذراء وكانت الوقعة أولًا لسيف الدولة ثم آخرها عليه، فانهزم، وملكوا سواده، وتقطع أصحابه في ذلك البلد، فهلكوا، وتبعوه إلى حلب، فعبر إلى الرقة، وانحاز يانس المؤنسي من عسكر سيف الدولة إلى أنطاكية.
ووصل ابن الإخشيد حلب في ذي الحجة سنة ٣٣٥. فأقام بها سيف الدولة في الرقة فراسل أنوجور يانس المؤنسي وهو بأنطاكية، وضمن هو وكافور ليانس أن يجعلاه بحلب في مقابلة سيف الدولة، وضمن لهما يانس بأن يقوم في وجه سيف الدولة بحلب؛ وأن يعطيهم ولده رهينة على ذلك فأجابوه.
وانصرف كافور وأنوجور بالعسكر عن حلب إلى القبلة وأتاها يانس فتسلمها. وقيل: إن الإخشيدية عادوا. وأقام سيف الدولة بحلب، فحالف عليه يانس والساجية، وأرادوا القبض عليه، فهرب هو وأصحابه إلى الرقة. وملك يانس حلب.
ولم يقم يانس بحلب إلا شهرًا، حتى أسرى إليه سيف الدولة إلى حلب، في شهر ربيع الأول سنة ٣٣٦، فكسبه فانهزم يانس إلى سرمين يريد الإخشيدية. فانفذ سيف الدولة في طلبه سرية مع إبراهيم بن البارد العقيلي، فأدركته عند ذاذيخ فانهزم، وخلّى عياله وسواده وأولاده، فانهزم إلى أخيه بميّافارقين.
وكان ابن البارد قد وصل إلى سيف الدولة سنة ٣٣٥ وكان في خدمة أخيه ناصر الدولة، ففارقه، وقدم على سيف الدولة.
ثم إن الرّسل ترددت بين سيف الدولة وابن الإخشيد وتجدد الصلح بينهما على القاعدة التي كانت بينه وبين أبيه، دون المال المحمول عن دمشق.
وعمر سيف الدولة داره بالحلبة، وقلد أبا فراس ابن عمه منبج وما حولها من القلاع، واستقرت ولاية الدولة بحلب من سنة ٣٣٦. وهذه هي الولاية الثالثة.
وجرى بينه وبين الروم وقائع أكثرها له وبعضها عليه. فمنها: فتح حصن برزويه في سنة ٣٣٧ من ابن أخت أبي الحجر الكردي. ووقع بينه وبين الروم وقعة فكانت الغلبة للروم وملكوا مرعش، ونهبوا طرسوس، وسار إلى ميارفاقين، واستخلف على حلب ابن أخيه محمد بن ناصر الدولة، وخرج لاون الدمشتق إلى بوقا من عمل أنطاكية. وخرج إليه محمد فكسره الدمشتق، وقتل عسكره خلقًا في سنة ٣٣٨.
ومنها: أنه غزا سنة ٣٣٩، ومعه خلق عظيم، فظفر فيها وغنم غنيمة كثيرة. فلما رجع إلى درب الجوزات وفارقه أهل التغور، اجتمع الروم في الدرب على سيف الدولة، فقتل خلق عظيم من المسلمين، وأسر كذلك.
وما سلم إلا سيف الدولة على ظهر فرسه، وعرفوه، فطلبوه، ولزّوه إلى جبل عظيم، وتحته وادٍ، فخاف أن يأسروه عن وقف أو رجع، فضر فرسه بالمهماز، وقبله الوادي، لكي يقتل نفسه ولا يأسروه، فوقع الفرس قائمًا.
1 / 20