فقاطعته قائلا: «وهل اسمه شريف؟» فقال: «نعم».
فما كان أفرحني عند ذلك! فقال الخادم: ومتى تحققنا أنه شريف أخبرناه بسر المسألة، ولكنا نخاف على أنفسنا. - يقولون عنكم إنكم لا ترهبون الموت، فممن تخاف؟ وهل يجبن الإنسان عن القيام بعمل شريف مثل هذا؟ هيا بنا ودع الجبن.
ثم قمت ولبست عباءة سوداء، وتقلدت سكينا وريفلفرا، وكانت الساعة الخامسة بعد الغروب. وبعد ذلك خرجنا في الظلام الحالك وكنا في آخر الشهر، ولما وصلنا باب البيت فتحه الخادم بسهولة، وحين صرنا خارج البيت قلت للخادم: هل أنت مستعد للدفاع عن نفسك؟
فقال: وهل تظنني أخرج بدون سلاح؟ ومع ذلك فإن سلاحي لا يفارقني أبدا. - إني أخاف أن يكون ذلك الشاب قضى نحبه بأن تعجل في المجيء إلى المنزل؛ فإن العاشق يعد الثواني متى كان بينه وبين حبيبته ميعاد، وربما ذهب قبل حلول الوقت بزمن طويل. - لا تخف من ذلك؛ فإن عادته أن يأتي لها في منتصف الليل، حيث ينام من في المنزل، ويكونان هما على مأمن من الرقباء، ومن عادتهما أن يمضيا الوقت في كوخ تسكنه الخادمة التي أغروها على دعوته، ولا شك أنه لم يأت للآن، ولكن لا بد من السرعة خوفا من فوات الفرصة.
وكنا نسير في ذلك الوقت ونحن لا نكاد نرى بعضنا، والبرد قارس لأن مكة في سهل معرض لهواء الشمال، غير أن المسافة لم تكن بعيدة؛ لأن منزل الحريم وراء منزل الرجال، ولكن توجد بيوت تمنع الإنسان من الإتيان إلى منزل الحريم إلا بعد دورة حولها. وبعد أن سرنا قليلا قال الخادم: هنا سيدي فلنقف لأننا بقرب الباب الموصل إلى الحديقة، ولكن البرد قارس. - لنصبر قليلا فإننا قاربنا على منتصف الليل، ولا يبعد أن يأتي ذلك الشاب. ولكن هل تعرفه إذا رأيته؟ - أعرفه تمام المعرفة. - هل يمكنك أن تشرح لي هيئته، وتذكر لي عمره؟ - عمره ما بين الثامنة عشرة والعشرين، معتدل القامة، جميل الطلعة، أسود الشعر والعينين، أقنى الأنف، له خال على خده الأيمن، يجذب العقول بسحر ألحاظه وبلاغة ألفاظه، وعلى العموم فلم يره أحد بمكة إلا أعجب بآدابه وأخلاقه، حتى إنهم استدلوا بطباعه على شرف أصله، ومما يقال عن أصله إن مولاي شرف الدين وجده طفلا ملقى على قارعة الطريق، فأخذته الشفقة عليه وأخذه إلى منزله وأحسن تربيته، وهو يحبه كثيرا لما له من الخصال الشريفة، وأنا أقول لك إنه أشبه الناس بك.
فخالج ضميري أن ذلك الشاب لا شك شقيقي؛ لأن عمره كما أخبرتني مربيتي يكون تسع عشرة سنة، وله خال على خده الأيمن كما يستدل في وصية والدي، وجميع أوصافه تطابق أوصافي. وعند ذلك التصور خفق قلبي لقرب رؤيته، وكلما هب النسيم تنسمت فيه ريح شقيقي والأمل ملء قلبي، ولكن كم تحت طيات الزمان خفايا!
فبينا نرى الآمال والسعد مقبلا
وتبصر نجم الحظ مبتسم الثغر
أفلاك تفتر السعادة سيرها
ويكشر ناب الدهر عن مقبل الشر
ناپیژندل شوی مخ