بأن الله ليس له شريك - أنا أعرف تشبيها كهذا، وهو:
مداهن تبر في أنامل فضة
على أذرع مخروطة من زبرجد
وبينما نحن في مقارنة التشبيهين وإذا بوالدها قد دخل علينا، فنظرت إلى الساعة فوجدتها ستا، ونسيت أن أعود إلى المدرسة في هذه الساعة لتناول العشاء، فاستأذنت من سعادة البك فسألني أن أتناول العشاء معهم، فأبديت له عدم إمكاني لأني لم آخذ إذنا، ولكن إن شاء الله سأعود في الأسبوع الآتي، فلما عرف أن لا بد من ذهابي أذن لي. ولما سلمت على سكينة ضغطت على يدي قليلا، وهمست في أذني قائلة: «دع غرام التي هويتها والتفت إلى أشغالك»، فما كان أصعب هذه العبارة على فؤادي المندمل! فنظرت إليها نظرة تشف عن معان لا يفهمها إلا ذوو الغرام وخرجت. وبعد أن ركبت عربة أمرت السائق أن يسير إلى قصر النزهة فسارت العربة وأنا في عالم آخر عالم الفكر والتخيلات، أتفكر فيما قلته وفيما قالته وفي المدرسة، ولم أستيقظ إلا حين مرت العربة على كوبري السكة الحديد، وسارت في شارع شبرا بين حفيف الأشجار وضوء المصابيح وهبوب نسيم المساء حتى وصلت المدرسة، فنقدت السائق أجرته ودخلت المدرسة فلم أر التلامذة، فظننتهم في المذاكرة، وأن أغلبهم لم يأت من الخارج، فصرت أتمشى في الحوش وأنا متفكر في سكينة وجمالها، حتى وقفت بجوار السياج الموجود بين الحوش ومنزل الناظر تحت شجرة هناك كنت أحب الوقوف تحتها، وكان القمر ساطعا والنسيم عليلا والمنظر لطيفا يؤثر على العقول ويضاعف لواعج العاشق، ويولد روح الشعر والتخيل الجميل كما قال فيه الشاعر الأندلسي الوزير ابن عبدون:
يا نفحة الزهر من سراك وافاني
خلوص رياك في أنفاس آزار
والأرض في حلل قد كاد يحرقها
توقد النار لولا ماؤها جاري
والطير في ورق الأشجار شادية
كأنهن قيان خلف أستار
ناپیژندل شوی مخ