وكانت جواري يشرن إليه بأصابعهن ويتهامسن فيما بينهن والحياء يخيم فوقهن. أما أنا فوقفت لحظة ورفعت يدي لأحييه، ولكنه لم يلتفت، ولم ينظر إلي فأبغضته جدا، وشعرت بأن الدم يجمد في عروقي من شدة الغيظ، وفارقتني حرارة جسدي حتى صرت باردة كأنما أنا في عاصفة من الثلج هوجاء، وكنت أرتجف بكليتي.
وفي تلك الليلة رأيته في منامي، وقد أخبروني فيما بعد أنني كنت أصرخ صراخا شديدا في نومي، ولم أعرف طعم الراحة في فراشي في تلك الليلة ...
ثم رأيته ثانية في شهر آب، وكان ذلك من خلال نافذتي. فكان جالسا في ظل سروة أمام بستاني، وكان هادئا كأنه تمثال منحوت من الحجارة، كالأنصاب التي رأيتها قبلا في إنطاكية وغيرها من مدن الشمال.
في تلك الدقيقة جاءت خادمتي المصرية وقالت لي: إن ذلك الرجل هو هنا ثانية، وهو جالس هنالك أمام بستانك.
فحدقت إليه طويلا، فارتعشت نفسي في أعماقي لأنه كان جميلا.
كان جسمه فريدا، وقد تناسبت أعضاؤه، حتى خيل إلي أن كلا منها مسحور بحب رفيقه.
وفي الحال لبست أفخر أثوابي الدمشقية، وتركت بيتي وسرت إليه.
هل دفعتني وحدتي أم طيب شذاه حملني إليه؟ وهل مجاعة عيني الراغبة في الجمال، أم جماله الذي كان يفتش عن النور في عيني؟
إنني حتى الساعة لا أعلم.
مشيت إليه بأثوابي المعطرة وحذائي الذهبي، الذي أعطانيه القائد الروماني. نعم ذلك الحذاء بعينه! وعندما وصلت إليه قلت له: أنعمت صباحا.
ناپیژندل شوی مخ