وفي هذه الظروف ظهر تيار الشعوبية الذي يناصب العرب العداء، كرد فعل على احتكارهم للسلطة والثقافة ولكل الأمور العامة منذ بداية الدولة الإسلامية. وقد تعامل الأعاجم بحساسية شديدة مع اللغة العربية واضطروا لإعلاء شأنها بل والمزايدة في ذلك؛ نظرا لأنهم يريدون التأكيد على صحة إسلامهم وتمسكهم بالدين.
هنا أخذت اللغة تصطبغ بصبغة دينية مقدسة، وبدأت فكرة أن العربية هي لغة القرآن وأنها للمسلمين دون غيرهم من أبناء البشر. وظهرت مقولة أن «العربية لا تتنصر.» وفكرة أن النصرانية والبيان العربي لا يجتمعان.
ويروي بطرس البستاني في كتاب «أدباء العرب» (ج3: الأندلس وعصر الانبعاث) أنه عندما طلب داوود باشا صاحب العراق من الشاعر الشيخ صالح التميمي أن يعارض قصيدة للمعلم بطرس كرامة اعتذر بقوله:
عهدناك تعفو عن مسيء تعذرا
ألا فاعفنا من رد شعر تنصرا
ولفظة «رد» هنا بمعنى معارضة. ومن الواضح أن صاحب هذا البيت لا يرضى بأن يقدم مسيحي على كتابة الشعر؛ فالشعر واللغة في نظره حكر على المسلمين وحدهم، وليس من حق المسيحيين أن يخوضوا فيهما.
وعندما اكتملت سيطرة العناصر غير العربية على الدولة في العصر العباسي، كادت دراسة اللغة تقتصر على المسلمين وحدهم؛ نظرا لأنها تتم في المساجد والمدارس الدينية، وارتبطت بحفظ القرآن.
ولجأ المسيحيون إلى العلوم فبرعوا فيها وظهرت أجيال من الأطباء والفلاسفة وعلماء الرياضيات استعان بهم الخلفاء والأمراء. أما المسلمون فكادوا يغيبون عن ساحة العلم ودراسته في مناخ من التردي الحضاري.
وقد حاول بعض المسيحيين محاكاة الكتاب المسلمين فنظموا القصائد والبديعيات في مدح السيد المسيح وحوارييه باللغة العربية. وكان أشهر هؤلاء المطران جرمانوس فرحات والخوري نيقولاوس الصائغ صاحب أول بديعية مسيحية باللغة العربية. •••
ولم يقتصر إسهام المسيحيين في الجاهلية على نظم الشعر والارتفاع باللغة العربية إلى مستويات أرقى، فقد لعبوا دورا في غاية الأهمية في بلورة الكتابة. وكما هو معروف فإن الأمية كانت غالبة على العرب في جاهليتهم، ولم يكن عرب البادية يشعرون بأهمية الكتابة. وكان أكثر من اهتم بالكتابة أهل اليمن وعرف خطهم باسم المسند الحميري.
ناپیژندل شوی مخ