وأما في الاصطلاح: فلا يكون إلا حسنا، وإن لم يكن لطفا؛ لأن اللطف واجب، والقبيح لا يجب؛ لأنه لا يكفي في حسن الفعل وجب من المصلحة فيه وهو أنه يدعو إلى واجب، ولم ينفر عن وجوه القبح جميعا، وكذلك لابد في الاصطلاح من أن يكون الملطوف فيه فعل واجب ومندوب، أو ترك قبح أو مكروه، فإن كان يدعوا إلى فعل قبيح أو ترك واجب، فهو مفسدة، فإن قيل: إذا كنتم تشترطون في اللطف أن يكون حسنا فما يقولون فيمن علم الله تعالى من حاله أن له[46ب] لطفا قبيحا هل يكلف الملطوف أم لا، فالجواب عن ذلك أن هذه المسألة قد اختلف كلام شيوخنا فيها، فقال أبو هاشم في (الجامع الصغير): يكلف بالملطوف، ويصير بمثابة من لا لطف له، وقال في غيره من كتبه: لا يكلف لملطوفه.
وقال الشيخ أبو عبدالله المصري: يكلف الملطوف ذلك اللطف، وسواء بين ذلك وبين من لطفه في إتخاذ ما لا يتناهى، فحكم بقبح تكليفه في الحالتين جميعا، وفصل قاضي القضاة في ذكر من يأمر التفصيل، فقال: إذا كان لطفه في أمر قبيح فقد صار لطفه في المقدورة، فلا يكلف بالملطوف مالم يحصل اللطف، وإن قدر أن لطفه فيما لا غاية له قد حول في ذلك في الوجود محال، فيكلف هاهنا المطلوب فيه؛ لأن اللطف في ذلك ليس في المقدور، ويجري مجرى من لا لطف له، ففرق بين ما لا يكون في المعدود وبين ما لا يكون كذلك، وحقيقته على ماذكر الشيخ (رحمه الله تعالى) هو ما يكون المكلف معه أقرب إلى أداء الواجبات واجتناب المقبحات، وهذه الحقيقة معترضة من أربعة وجوه:
مخ ۸۳