قلنا: إنا لو قلنا ما تجري مجرى الطريقة لأوهم في ذلك أن وقوع الأفعال على الوجوه المختلفة ليست بطريق إلى الحكم شاهدا ولا غائبا وليس كذلك فإنها طريق إليه في كل من يثبت حكمته فتعين أن سببها بما يجري على العلة، وظهر الفرق بينها وبين علة الحكم، وطريقة الحكم الرابعة طريقة الأولى، ومثاله ما يقوله في أنا متى علمنا أن الواحد منا إذا كان عالما يقبح القبائح، وغنيا عن فعلها، وعالما باستغنائه عنها، فإنا نعلم أنه لا يفعل القبيح فإذا علمنا اجتماع هذه الأوصاف في الباري تعالى على أبلغ الوجوه وأوفاها علمنا أنه لا يفعل القبيح أولى وأخرى؛ لأن العلة إذا كانت في الفرع أكمل وأتم كان حصول الحكم فيها أولا وأحق؛ لأنها تابع لها في حصوله ، وإنما قلنا: إنها حصلت في الفرع أكمل وأتم فلأنه تعالى عالم لذاته، والواحد منا عالم بعلم وغني لا يجوز عليه الحاجة، والواحد منا غني بشي عن شيء فكان القديم أبلغ، فجيب ثبوت الحكم في الغائب كثبوته في الشاهد، وإلا أعاد على أصل تلك العلة بالنقض والإبطال، وهاهنا أصل وفرع، وعلة وحكم، فالأصل الواحد منا، والفرع القدين تعالى، والعلة كونه عالما بقيح القبيح، وغنيا عن فعله، والعلم بالإستغنا عنها، والحكم أنه لا يفعل القبيح، فإذا كان الفرع وهو القديم قد شارك الأصل وهو الواحد منا في العلة وهو اجتماع هذه الأوصاف على أبلغ الوجوه وجب العلم بقبح القبيح والغنا عن فعله وجب أن يشاركه في الحكم، وهو كونه لا يفعل القبيح أولا وأخرى، ولم يسم هذه الطريقة علة الحكم، وإن كانت كالطريقة الأولى في وجود حصول حكمها عند حصولها؛ لأن التجوز يعد من وجوه أخر وهو أن العلة هاهنا مركبة من أوصاف ثلاث، ومن حق العلة الحقيقية أن تكون شيئا واحدا؛ لأنها مؤثرة في الحكم، وتأثير بين مؤثرين لا يصح ولو يسميها بما يجري مجرى العلة؛ لأنها دالة على حكمها في الشاهد والغائب وهي أشبه بطريق الحكم غير أنها لما فارقتها في أنها حصلت في الغائب على أبلغ مما حصلت عليه في الشاهد، فرقنا بينهما في الاسم بحسب الفائدة التي اختلفنا فيها فعلنا طريقة الأولى، فهذا هو الكلام في الطريقة الرابطة بين الشاهد والغائب ولا يصح الغنى من واحدة منها، إلا إذا كان حكم الأصل معلوما، وكون العلة علة، ووجودها في الفرع، فحينئذ يقطع على حصول الحكم في الفرع، فأما إذا كان نقض هذه الأوصاف مظنونا فإن حكم الفرع مظنون، ويقبل ذلك في لافروع العملية دون الأصول العلمية، واعلم أنه لا يصح أن يقاس الغائب على الشاهد إلا بأحد هذه الطرق من حصل أحدها ثبت القياس، ولا يصح أن يقاس بمجرد الوجود على صور المسائل نحو ما قدمنا مما ذكر به عوام الملحدة في شبههم في نفي الصانع وتقدم العالم بأن قالوا: إنا لم نجد دجاجة إلا من بيضة ولا بيضة إلا من دجاجة فيجب أن يكون العالم قديم ولا يفتقر إلى صانع.
وأما الموضع الثالث: وهو في تتبع أقوالهم بالإبطال.
أما الذي يبطل قول الفلاسفة فوجوه:
أحدها: أنا نقول لهم إن هذا اثبات ما لا طريق إليه واثبات ما لا طريق إليه يفتح باب الجهالة، ومن أين لكم أن أصل العالم عقول وأفلاك.
الثاني: أنها إذا كانت قديمة كانت متماثلة، وإذا كانت متماثلة وجب أن تكون متصفة بصفة واحدة، وإلا أعاد على القول تقدمها بالنقض والإبطال فتوكن عقولا أجمع وأفلاك أجمع؛ لأنا قد بينا أن القدم صفة من صفة الذات والاشتراك فيه يقتضي التماثل.
الثالث: أن يقال لم اقتصرتم على عشرة ولم يكن أكثر أو أقل؟ وهلا أجب العقل العاشر عقلا وفلكا ونفسا كما أوجب ما قبله؟ أو هلا وقفتم في العقول على الخامس وما الطريق إلى اقتصاركم على العاشر.
الرابع: أن يقال لهم لما جعلتم الوتر هو العاشر ولم يكن المؤثر هو الثاني أو الرابع أو الخامس أو غيرها، وما طريقكم إلى ذلك مع اشتراك الكل في أنها عقول.
مخ ۲۱۵