وأما إبطال قول البغداديين من أن معرفة الله تعالى أول
الواجبات، فيقال لهم: ما تريدون بقولكم إنها أول الواجبات، فإن أردتم بذلك أنها الأصل في وجوب النظر ولولا وجوبها وكون النظر طريقا إليها لما وجب فهذ مسلم، ولكن لا يخرج النظر عن كونه أول الواجبات على المكلف؛ لأنه الموجب للمعرفة، والسبب المولد لها، والمعلوم أن السبب الذي هو النظر يفعل أولا تولد العلم في الوقت الثاني وإن أردتم بذلك أن أول ما يجب فعله هو المعرفة بها محال؛ لأن المسبب لا يفعل قبل سببه، والأقرب أن الخلاف في هذه المسألة خلاف في عبارة وأن المعنا متفق عليه؛ لأن البغداديين لا يمكنهم أن يدعو أن أول ما يجب على المكلف بفعله هو المعرفة بمعنا أنه يفعلها أولا قبل النظر مع تسليمهم أن النظر هو الطريق إليها، وإنما أرادوا بقولهم إن المعرفة أول الواجبات بمعنى أنها الأصل في وجوب النظر، وأنها متقدمة عليه في الوجوب لا في الفعل لأنه لولا وجوبها لما وجب ذلك مما سلمه البصريون فقد عاد الخلاف إلى الوفاق فعلى هذا يكون النظر متقدما في الوجود متأخرا في الوجوب، وتكون المعرفة متقدمة في الوجوب متأخرة في الوجود.
[الباب الثاني]
وهو الكلام في التوحيد
فالكلام منه يقع في أربعة مواضع:
أحدها: في حقيقة التوحيد في أصل اللغة، وعرف اللغة، والاصطلاح.
والثاني: في قسمة مسائل.
والثالث: في ترتيبها.
والرابع: في الكلام في كل مسألة منها.
أما الأول: فالتوحيد في أصل اللغة عبارة عما يصير به الشيء واحدا، ولهذا يقال إذا قطع أغصان الشجرة وأبقى أصلها أنه وجدها، فكما في التسويد والتحريك والتسكين، فإنه عبارة عما يصير له الشيء أسود ومتحركا وساكنا.
وأما في عرف اللغة فهو الخبر عن كون الشيء واحدا، ويقال: إن من قال إن الله تعالى واحدا، وقال لاإله إلا الله فقد وحد الله، وفي قولنا: فلان وحيد زمانه ووحيد دهره أنه توحيد له لما أخبر عن كونه واحدا.
مخ ۱۳۲