404

وعطف إلى غزنة مميلا الرأي بين أن يشتو ببلخ مستجما، ولغابر السنة بالقرار «11» مستتما، وبين أن يركب نية يمينية «12» في غزوة تقشع باقي ضبابات الكنود، عن ديار الهنود، مجهزا على من «1» كان يضرب بذنبه في مهربه كالوزغة المثخنة «2» لا تلبث أن تموت، فأبت عليه حمية الإسلام أن يسيغ على القعود جريضه «3»، أو يستبقي في محابس الأغماد بيضه. وثنى عنانه نحو الهند في رجال يرون منتهى الشهوات صهوات الخيول، وقصوى اللذات ملاقاة الفحول، ويجتزئون «4» بالظهور أسرة مرفوعة، [230 أ] وبالأكوار وسائد موضوعة، وبالسموم رياحين مقطوفة، وبالآجن الطرق «5» صهباء موصوفة «6»، وبالعرق السائل ماء ورد، وبالقسطل الثائر مثار عنبر وفتات ند، وبالليل سكنا وقرارا، وبالنجوم ندامى وسمارا. فمن ينمه نسب فإن آباءهم المشرفيات بواتك، وأمهاتهم «7» الزاعبيات «8» فواتك، وأعمامهم القسي جوازع، وأخوالهم النبال قوازع. ومازال يخوض أنهارا «9» هائجة، [وبحورا مائجة] «10»، وأودية هادية «11»، لم تضمن قط عن غرقاها دية. وعين الله ترعاه، في كل سعي يسعاه، حتى اقتحم مغارات أولئك المغاوير، بل ديارات أولئك المدابير؛ فظلت رذايا «12» الفل يضجون بالويل والثبور، ضجيج النوق رواجع «13» بيت الله ومازال السلطان يصفح عمن «1» آمن وأطاع، ويفضح من أظهر الامتناع، بعد أن أصاب غنائم لا يضبطها حساب، ولا يطعمها ماء ولا تراب، حتى انتهى به المسير إلى ماء يعرف ب (راهب) غائر المخاض، حمى ء «2» القرارة كالخضخاض «3»، يبلتع الخف والحافر، ويقتلع الدارع «4» كما يقتلع الحاسر «5»، فإذا ببروچيبال من تلك الجيزة في رجال [230 ب] كالصريم «6»، وأفيال تحت الأديم «7»، و«8» قد أخذ من فاجى ء الركضة حذره، وأسند إلى زاخر النهر ظهره. ورام أن يمنع السلطان عبوره، ويشغل عن اقتحام الغمر جمهوره، حتى إذا اكتحل الليل بقاره «9»، مر في ذمة أستاره «10»، مرور مروان على حماره «11». فلما علم السلطان ذلك من قصده، ورأى استعداده واحتشاده لصده، أمر بالأطواف فهيئت «12» للعبور، وأهاب بعدة «13» من غلمانه للركوب، فامتثل الأمر ثمانية منهم يبتدرون العدوة القصوى، ويلتزمون كلمة التقوى، فلما رأى بروچيبال استقلال الماء بهم، رماهم بخمسة من فيلته المجففة «1»، وفوج من رجاله المصففة، فأراد الله تعالى «2» أن يحقق قول نبيه الأمي الأمين، ورسوله المؤيد بالتمكين حيث قال صلى الله عليه وسلم: «زويت لي الأرض فأريت مشارقها ومغاربها وسيبلغ ملك أمتي ما زوي لي منها» «3». فألهم تلك العدة أن استوقفوها على أماكنها خرزا لأطراف هاتيك الأخفاف بالنبال «4»، وغرزا لها بعد في وجنات أولئك الضلال، معجزة لم يسمع بمثلها قبلها «5». ثمانية تجزع سيلا، وتدفع فيلة وخيلا.

وبدر من [231 أ] لفظ السلطان، عند عيان ذلك البرهان، أن قال: من قدر على السباحة فليتعب «6» اليوم للراحة، فإذا «7» بخاصته ومعظم عامته خائضين، ولصعب الماء رائضين، فتارة يسبحون بالأطواف، وأخرى يستريحون إلى الأعراف «8»، حتى لفظهم النهر سالمين، لم تشجب لهم جنيبة، ولم تعطب لهم «9» حريبة، ولم تذهب- بحمد الله- سبيبة.

وحمل السلطان بهم وقد نزوا إلى الظهور، حملة توزعتهم بين عقير سكران من عقار الحدود، وأسير حيران من أسر القدود، وطريد يخاف وقع القواضب، وقتيل بمرأى النجوم الثواقب، وصار ما حصل في الوقعة من عدد الفيلة مائتين وسبعين «10»، ثقال الأجسام كثقال الغمام. وطار الكافر هزيما، لا يملك عزيما، ولا يقدر تأخيرا وتقديما.

مخ ۴۲۲