قد كان ذلك الأمير على ما خص به من المناقب، والرأي البصير بالعواقب ، والمجد المنيف على النجم الثاقب، مر السياسة، [198 أ] لا يستاغ كأسه، ولا يؤمن بحال سطوته وبأسه. يقابل زلة القدم بإراقة الدم، ولا يعرف في أدنى درجات العثار، وإن لم يقصد إليه مراد، ولم يشترك في كسبه اعتقاد، غير حر الانتقام «1» بحد الحسام، والتفليق «2» عن مركب الهام، لا يذكر العفو عند الغضب، ولا يعرف معنى السوط والخشب، ولا يرى الحبس إلا ما بين الصفائح والترب. وهلك على خشونة هذا المش «3»، وصعوبة هذا البطش، فئام من حاشيته لو كان «4» استبقاهم على خفة أجرامهم، لكان أشبه بالجلالة، وأليق بالأصالة والعدالة.
فما زالت هذه حاله «5» حتى استوحشت النفوس منه، وانقلبت القلوب عنه، وشحنت الصدور عليه، ومالت عنه «6» الأهواء المائلة إليه، إذ كان أحد لا يأمن العثرة، ولا يملك العصمة. ومتى كان العقاب ملحقا بالخطأ اليسير صارت النفوس مجتاحة، والأرواح مستباحة، والمرء من البشر لا من ورق الشجر، فهو إذا مات فقد فات، وليس مما يعود بعد ما عري «7» العود.
مخ ۳۶۴