وكانت بلاد قصدار «8» قد وقعت من وراء بيضته «9». ومرد عليه واليها، لحصانة أطرافها ونواحيها، وخشونة مصاعدها ومهاويها، وظن «10» أن بعد الشقة، وحزونة «1» المضرب، وضيق المدخل، ووعورة التغلغل، مانعته من الدمور «2» عليه، وقاطعته دون الوصول إليه، فلم يرعه إلا صيحة الغارة، وإحداق الخيول به كالخط في الاستدارة، وقد طوى الأمير إليه تلك الطرق القاصية، والقلل «3» العاصية «4» المتناصية «5»، في ركضة لم ينل فيها جنبه قرارا، ولا عينه غرارا، ولا خيله جماما إلا لماما «6» فهجم عليه في ربعه بنفسه وصحبه، فأخذه كما قيل:
فأخذته أخذ المقصب شاته ... عجلان يشويها لقوم نزل
وكان صباحه كما قيل:
إذا خرس الفحل وسط الحجور ... وصاح الكلاب وعق الولد
ثم رأى أن يمن عليه، ويرجع إليه ما كان بيديه، فأطلقه تطولا وإنعاما، وأعاده إلى مكانه إحسانا وامتنانا، وواقفه على مال يعجله، وآخر في كل سنة يحمله. فعمرت باسمه تلك المنابر «7»، واشترك في العلم بحاله الوارد والصادر، والغائب والحاضر.
مخ ۲۹