234

ومس عسكر جرجان ضيقة لا نقطاع المير والمواد عنهم، فاستعصموا بالنفوس الشريفة، وتبلغوا «8» طول تلك الأيام بالبلغ الخفيفة، مؤثرين شرف المقام على شبع الطعام، ورد الشجاعة على سد المجاعة، وأصاب الآخرين تلك الضيقة، فانقلبوا من الفضاء بقبر الداعي إلى جانب محمدآباد «1»، اتساعا في العلوفات من جهة چناشك «2»، فتداركت عليهم الأمطار «3»، حتى أعوزهم الامتيار «4»، وماجت عليهم الأقطار «5» بالطوفان، فتساقطت الخيام، وساخت القوائم والأقدام. وعند ذلك «6» برز أنصار شمس المعالي أهل الحقائق من وراء الخنادق، وأججوا نار الوغى كضارية القشاعم، وداهية الأراقم. وثبت بعضهم للبعض «7» من مطلع الفلق إلى مسقط الشفق، محكمين متون الصوارم في شؤون «8» الجماجم [132 أ]، وذوابل الصعاد «9» في مناهل الأكباد، وزرق الزانات «10» في سواد «11» المهجات، حتى إذا زلت قدم العصر، أتى أمر الله بالنصر، فحمل الجيل على الديلم حملة لم تستبق منهم طالب ثأر، ولا نافخ نار، وأسر من عظمائهم أسفهسلار بن كورنكيج «12»، وزرهوا «13»، وجستان «14» بن أشكلي، وأخوه حيدر بن سالار، ومحمد بن وهسودان «15». واشتملت المعركة على ألف وثلثمائة رجل ممن أضجعتهم الحتوف، وسطحتهم على الأرض السيوف. وأفاء الله على الجيل غنائم لا يستوعبها بيان، ولا يستثبتها بنان.

ثم رأى شمس المعالي أن يوعز بمداواة الجرحى، والفك عن الأسرى، وصرفهم وراءهم بالخلع والكرامات، والأحبية والصلات، شكرا لنعمة الله فيما أولاه، وإكبارا لقدر منته في تحقيق ما رجاه.

وأنشدني أبو منصور الثعالبي أبياتا له «1» في ذكر هذا الفتح الذي نظمه الله في سلك أيامه، والحق الذي أقره منه في نصابه:

الفتح منتظم والدهر مبتسم ... وملك شمس المعالي كله نعم

والعدل منبسط والحق مرتجع ... والشعب ملتئم والجور مصطلم [132 ب]

ألقت مقاليدها الدنيا إلى ملك ... مازال وقفا عليه المجد والكرم

شمس المعالي وغيث المشرقين ومن ... به يليق العلى والملك والحشم

هو الإمام هو القرم الهمام هو ال ... بدر التمام هو الصمصام والقلم

هو الغمام الذي تخشى صواعقه ... قهرا وترجوا نداه العرب والعجم

هو المقيم وقد سارت مآثره ... كأن علياه من دنياه تنتظم

والماء من جوده المبذول «2» منسكب ... والنار من بأسه المرهوب تضطرم

والأرض من صدره والريح من يده ... والروض من خلقه للخلق يبتسم

الله جارك يا من جار حضرته ... يلقى السعود عليه الدهر تزدحم

أبشر فقد جاء نصر الله مؤتنفا ... وعاشر الفتح منشورا له علم

يا من إذا اعتصمت صيد الملوك به ... أمسى وأصبح بالرحمن يعتصم

مخ ۲۴۳