وترامت إليه أثناء ذلك مكاتبة خلف بن أحمد أيلك الخان، مرهفا من غربه «1»، ومغريا إياه بحربه، طمعا في بست ونواحيها، وغزنة وما يليها. [110 ب] وانضافت إليه بلاغات وقوارص «2» برقت له من جانبه في أمر أبي علي، وإظهار الندامة على ما سبق من عونه عليه، والإفصاح على رؤوس الأشهاد، معرضا بأن اجتياح الملوك شؤم، واستباحة البيوتات لؤم، وضعف في الرأي معلوم.
فطار الغضب بناصر الدين كل مطار، وحدثته نخوة الاقتدار بالبدار إلى أرض سجستان، لإطفاء الغليل، وشفاء الداء الدخيل. فثناه كاتبه أبو الفتح [علي بن محمد] «3» البستي عما نواه بالقول الرفيق، والرأي المؤيد بالتوفيق، ورش ماء التلطف على ذلك الحريق. وأراه أن بعض البلاغات زور، وأن القابل كالقائل مأخوذ بها موزور. وأن قلوب الرجال وحوش نافرة، وطيور في بحور الجو سابحة، فما يستمكن منها إلا بإعمال الحيل في نصب الحبائل، وتمكين الجوارح، ورمي البنادق، وبث الحبوب والمطاعم، ثم لا شى ء أيسر من إفلاتها عن حبالة القانص، وإرسالها من شرك الصائد، كذلك لا تصاد القلوب إلا بأشراك الصنائع والعواطف، ولا تقاد إلا بأزمة الأيادي والعوارق، ولا تستفاد إلا بابتذال التوالد والطوارف. ثم [111 أ] الكلمة الجافية تهيج وادعها، وتطير واقعها، وتكدر عليها مشارعها. وتلا عليه قوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبإ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين «4». ثم فسرها حتى نزل عن ظهر التعجل «5» إلى أرض التمهل.
مخ ۲۰۳