یهود په لومړنیو تمدنونو کې
اليهود في تاريخ الحضارات الأولى
ژانرونه
(1) نصيب اليهود في تاريخ الحضارة
لم يكن لليهود فنون ولا علوم ولا صناعة ولا أي شيء تقوم به حضارة، واليهود لم يأتوا قط بأية مساعدة مهما صغرت في شيد المعارف البشرية، واليهود لم يجاوزوا قط مرحلة الأمم المتوحشة التي ليس لها تاريخ، وإذا ما صارت لليهود مدن في نهاية الأمر، فلما أدت إليه أحوال العيش بين جيران بلغوا درجة رفيعة من التطور، بيد أن اليهود كانوا غاية في العجز عن أن يقيموا بأنفسهم مدنهم ومعابدهم وقصورهم، فاضطروا في إبان سلطانهم، أي في عهد سليمان، إلى الاستعانة بالخارج، فجلبوا منه لذلك الغرض بنائين وعمالا ومتفننين لم يكن بين بني إسرائيل قرن لهم.
وعلى ما كان من هزال تلك القبيلة السامية الصغيرة الكئيبة في نشوئها العقلي، مثلت بالديانات التي صدرت عن معتقداتها دورا بلغ من الأهمية في تاريخ العالم ما يتعذر معه عدم الاكتراث لها في تاريخ للحضارات، ويتألف جزء أساسي في التربية من دراسة فتنها الأهلية وترهات أنبيائها وسلاسل أنساب ملوكها الغامضة، ومع إمكان جهل الرجل المثقف العصري لتاريخ الحضارات العظيمة التي أينعت فوق أرض الهند جهلا تاما، تجده لا يجرؤ على الاعتراف بأنه يجهل أعمال شمشون أو مغامرات يونان (يونس) الذي التقمه الحوت.
وسيبدو، لا ريب، ذلك الشأن الكبير الذي مثله الفكر اليهودي في تاريخ أوروبا المتمدنة منذ نحو عشرين قرنا من المسائل الجالبة للنظر لدى كتاب المستقبل، فإذا ما انقضت بضعة آلاف من السنين ولحقت حضارتنا بالحضارات السابقة في لجة الماضي، وغدت فنوننا وآدابنا ومعتقداتنا من الذكريات، وصار يبحث في أمورنا كما نبحث اليوم في أمور المصريين والآشوريين، أي بما لا تدرك بغيره حوادث التاريخ من الهدوء الفلسفي وتفسر، عد المؤرخ، لا شك، من الحوادث التي تستوقف النظر: خضوع أمدن الأمم في قرون طويلة لديانة مشتقة من معتقدات قبيلة بدو مبهمة، وتذابح شعوب قوية في جميع ميادين الغرب والشرق من أجل هذه المعتقدات، وقيام دول عظيمة وهدم دول عظيمة أخرى في سبيل المعتقدات المذكورة، وهذا إلى قلة عدد حوادث التاريخ الغربية التي تعرض على تأملات مفكري المستقبل كذلك الحادث.
ومن السهل أن نبصر أن مفكري المستقبل أولئك سيكونون على شيء من الارتياب، فبما أنهم يكونون طليقين من الأحكام المقررة المهيمنة علينا، وبما أنهم يكونون أكثر اطلاعا منا على الروابط التي تربط الماضي بالحاضر، وعلى السنن العامة لتطور الأمور، فإنهم يحكمون في ما يساورنا بعيون تختلف عن عيوننا لا ريب، فتبدو لهم المسائل التي نراها معقدة في الوقت الحاضر، بسيطة إلى الغاية؛ لما يعلمون من ردها إلى العناصر التي تتألف منها، ومما لا مراء فيه أن الديانات لا تعد إذ ذاك من صنع رجل واحد، بل تعد وليدة ألوف الرجال، بل تعد نسيج أفكار أحد الشعوب واحتياجاته، ومما لا مراء فيه أنه مؤسسي الديانات لا يعدون إذ ذاك غير أناس من ذوي النفوس العالية، تقمص فيهم المثل الأعلى لإحدى الأمم وأحد الأدوار تقمصا غير شعوري، فيرى في النصرانية والإسلام ما يرتبطان به، من خلال الدين اليهودي في الأجيال البعيدة؛ حيث نشأت الآلهة الآسيوية، ولا يجهل آنئذ أن الأديان تطورت في غضون القرون على الدوام مع احتفاظها باسم واحد، وأن من الوهم الخالص أن يعزى في كل وقت إلى موجديها في الظاهر ما اضطرت إليه من التحولات لتلائم جديد الاحتياجات، وأن الدين إذ كان، كالنظم والفنون، عنوان مشاعر إحدى الأمم، فإنه لا ينتقل من شعب إلى آخر من غير أن يتغير، وأن الهندوس والصينيين والترك مثلا، إذا أمكنهم أن يعتنقوا دينا ذا اسم واحد كالإسلام، فإن هذا الدين بانتقاله من شعب إلى آخر يعاني من التحول العميق، مثل ما تعانيه الفنون واللغة والنظم؛ وذلك ليناسب مشاعر الأمم التي انتحلته، وفي ذلك الحين ينظر بتلك العين، لا ريب، إلى الزنديق المعاصر الذي يقتصر علمه على عمله السهل في بيان النواحي الصبيانية من كل دين، وإلى المؤمن المعاصر ذي البصيرة النيرة في الموضوعات العلمية الذي ينحني أمام الخرافات الصبيانية. أجل، إن الإنكار سهل كالتصديق، ولكن الذي يطالب به كاتب المستقبل هو أن يفهم ويفسر على الخصوص، وستغيب إلى الأبد الأزمنة التي يرى المؤرخ فيها اضطراره إلى المحاكمة وإلى الحنق، فهنالك لا يكون التاريخ من صنع الأديب، بل من صنع العالم.
وسيختلف تاريخ اليهود والأديان التي صدرت عنهم عن التاريخ الذي لا يزال مدونا في الكتب اختلافا كبيرا لا ريب، وبيان الأمر أن مؤسس النصرانية، كما صنعته القصة، كان أقل الساميين سامية، فلم يكن من غير سبب أن كفر به وأن صلب، وأن هذا المتهوس الكبير مثل في التاريخ دورا كان يتعذر عليه أن يبصره، فأوجبت أحوال مستقلة عنه حاملة لاسمه ظهور آمال للعالم عندما لاح نجمه، وليس في الإحسان العظيم العام والتشاؤم القاتم اللذين قام عليهما مذهبه في البداءة، كما قام عليهما مذهب بدهة «بوذا» قبله بخمسمائة سنة، شيء من السامية، فما كان لمبادئ كهذه أن يتمثلها ذلك الشعب اليهودي الصغير المتعصب الأناني الصلف المغرور المفترس، وإنما نبتت هذه المبادئ على مبدأ التوحيد المحلي الذي مالت إليه، على الدوام، روح الساميين - من أنصاف البرابرة كاليهود والعرب
1 - الفطرية الخاثرة.
ولما يحل الوقت الذي ترسم فيه يد الإنصاف تكوين تلك المعتقدات الكبرى، ولا يكاد فجر ذلك الزمن يلوح، ولا يزال المؤمنون والملحدون يقيمون بدوائر من التصديق أو الجحود على غير برهان، ولا يزال الرجل المعاصر يئن تحت عبء الوراثة الثقيل، ولا تزال متماسكة المؤثرات الإرثية التي حصرت نفوس الغرب في قوالب منذ ألفي سنة، وإن أخذت هذه المؤثرات تنحل؛ فقد ترك الماضي في نفوسنا آثارا يجب أن تمر عليها أمواج الزمان غير مرة حتى تمحوها.
وعلى ما تراه من نشوء المذهب العقلي الحديث الذي لا يكاد يتفتح فوق أرض أوروبا، لم تزل أوروبا نصرانية إلى درجة لا يدركها الباحثون الواقفون عند حد الظواهر، وما يصدر عن حرية الفكر من مفاجآت يثبت وحده، بما يوجبه من مقاومة، عمق الأسس النصرانية التي لم تنفك مجتمعاتنا تقوم عليها.
نعم، إن الشعب اليهودي لم يكن غير ذي نصيب ضئيل جدا في شيد ذلك البناء القديم، غير أن القرون بلغت من تجسيم شأنه الظاهر ما لا تبصر معه سوى أناس قليلين، حتى بين أشد الناس ارتيابا، تحرروا من سلطان الماضي فاستطاعوا أن يضعوا بني إسرائيل في مكانهم الصحيح.
ناپیژندل شوی مخ