یا اخوتی
يا إخوتي: قصائد مختارة من شعر أنجاريتي
ژانرونه
أيا كان الرأي في هذا الخلاف (الذي أظن أن النقد والنقاد لن يصلوا فيه إلى نتيجة نهائية حاسمة، ربما لا تكون مطلوبة ولا ضرورية؛ لأن الأمر يتوقف في آخر المطاف على تمكن الكاتب من أدواته الفنية التي تستطيع أن تحول تجاربه إلى تجارب ومواقف عامة) فإن شاعرنا أنجاريتي يصر على أن أعماله كلها هي قصة حياة إنسان،
5
بل يؤكد أن الأدباء العظام لم يطمحوا إلى أكثر من أن يتركوا وراءهم سيرا ذاتية جميلة. لنقرأ ما يقول عن ذلك في المقدمة التي كتبها للطبعة الثانية لمجموعته الشعرية «الفرح»، في سنة 1931م:
هذا الكتاب مذكرات يومية، والمؤلف لا يطمح، ويعتقد أن الأدباء الكبار لم يطمحوا إلا لأن يتركوا وراءهم سيرة شخصية جميلة.
لهذا فإن القصائد هي عذاباته الشكلية، ولكنه يريد أن يوضح مرة أخرى، وإلى الأبد، أن الشكل إنما يعذبه؛ لأنه يطلب أن يتطابق مع التغيرات التي اعترت حسه ووجدانه، وإذا كان قد استطاع - كفنان - أن يحقق أي تقدم، فإنه يود ألا يفهم من هذا سوى أنه قد حقق - كإنسان - بعض الكمال. لقد نضج وأصبح رجلا وسط أحداث غير عادية لم يقف أبدا بعيدا عنها، وإذا كان لم ينكر يوما أن الأدب يتوجه إلى العام، فقد كان من رأيه دائما أنه حيث ينشأ شيء (له شأنه وقيمته) فلا بد أن يتطابق العام - من خلال شعور تاريخي فعال - مع الصوت الفردي للأديب ...
كيف نفهم قول الشاعر بأن قصائده يوميات شعرية؟ وكيف نفسر حرصه الدائم على إثبات المكان والوقت الذي دونت فيه كل قصيدة على حدة؟ (وهو ما حرصت عليه أيضا بقدر ما أسعفتني المصادر القليلة). هل نفهم من ذلك أن القصائد تقتصر على وقائع حياة الشاعر وتجاربه المؤلمة؟ لو كان الأمر كذلك لما كانت اليوميات شعرية، ولا كان صاحبها شاعرا؛ ذلك لأن القصائد المقصودة تقوم بالوصف والعلو معا وفي نفس الوقت؛ أي: إنها ترفع الموصوف - بلغة الجدل الهيجلي عن رفع الضدين إلى مستوى أعلى وأكثر خصوبة - إلى سياق شعري تؤخذ فيه الكلمة الشعرية مأخذا مطلقا، وهنا يظهر مرة أخرى تأثير «مالا رميه» رائد الحداثة في الشعر الأوروبي، قبل أن تصبح الحداثة مذهبا وأيديولوجية وكلمة يلوكها لسان كل ثرثار. هذه الكلمة الشعرية التي لم يكن أنجاريتي يمل مراجعتها مع كل طبعة جديدة لمجموعات قصائده، في سعي لا يتوقف لإظهار الجوهري وحذف العرضي والمتزيد، والوصول بجرسها الموسيقي - حتى عدم مراعاة البحر والوزن التقليدي في القصائد الباكرة - إلى الدرجة المرضية لسمعه وإحساسه، وإلى أدق تعبير ممكن وأكثره صدقا ودقة وحيوية وطبيعية. وأكتفي للدلالة على دور الكلمة الشعرية في تمزيق الصمت وملء سكونه بالإشراق المضيء، بتلك القصيدة الشهيرة التي افتتحت بها هذه المجموعة المختارة ولم تزد كلماتها عن كلمتين اثنتين، وتحيرت طويلا في نقلهما إلى العربية حتى استقر رأيي على وضعها في هذه الصورة، تحت العنوان الذي وضعه الشاعر نفسه لها، وهو «صباح»:
أتجلى
باللا محدود.
ولعل النقاد الذين وصفوا الشاعر للأسباب السابقة بأنه «صوت حي»،
6
ناپیژندل شوی مخ