وجودیت: یوه ډېره لنډه مقدمه
الوجودية: مقدمة قصيرة جدا
ژانرونه
يختلف سارتر عن هايدجر من حيث إنه يعتبر «موتي» دخيلا على تجربتي. صحيح أنني أستطيع أن أرى احتضار أحدهم وأتخيل نفسي في هذا الموقف، لكن الأمر يتوقف عند هذا الحد. فموتي كما يسميه سارتر «غير مدرك»؛ لأنه يوجد خارج إطار تجربتي، وهو درس تعلمه بلا شك من أبقراط (341-270ق.م). ومع هذا فهو يربط أيضا بين الصدق ووحدة الحياة. لكن في حالته فإن المشروع أو «الاختيار» المميز بذاته هو الذي يجعل تعددية همومنا كلا واحدا ويفسح المجال لقبولنا الصادق.
سواء أدركنا الأمر تأمليا أم لم ندركه، يؤمن سارتر بأن «الاختيار» الجوهري (الذي سنميزه بعلامتي التنصيص كي نفرقه عن بقية القرارات والاختيارات التي نتخذها في ظل هذا «الاختيار» الموجه للحياة) هو المعنى والاتجاه الموحدين في حياتنا. بهذا المعنى الجوهري يكون «الاختيار» قبل تأملي. إنه ما نكونه وليس فقط ما نفعله. نحن نصل إلى الوعي التأملي بعد اتخاذ هذا «الاختيار» بالفعل. وصوره الملموسة هي الخيارات العديدة التي تمثل هذا المشروع.
يرى سارتر أن «اختيارنا» الأصلي هو سعينا العبثي إلى التطابق الواعي مع هوياتنا. لقد رأينا أن السعي إلى الهوية يتعارض مع وعينا «بعدم» تطابقنا مع هوياتنا. ومع هذا ، يتصرف معظمنا وكأنه يستطيع أن يكون مثل الأشياء في صلابتها وهويتها الثابتة؛ أي إننا نستطيع أن نكون أشياء واعية. وهو يعترض قائلا: إن هذا هو المثل المستحيل للألوهية، وسعينا وراءه يعكس هروبا غير صادق من القلق على حريتنا. فحريتنا هي حرية «عدم» التطابق مع الهوية. أيا ما كنا، سواء كنا ندلا أو جنودا أو نساء في موعد غرامي، وهذه ثلاثة من أمثلته، فنحن نتمتع بكل سمة بأسلوب «أخروي»؛ أي بأسلوب الفاعل الواعي. ولو اتصفنا بأي من هذه السمات في نظرنا أو في نظر الآخرين، فإننا نحافظ عليها عن طريق تجاوزها بقدر ما؛ فنحن مسئولون عن الطريقة التي نحافظ بها على هذه السمات. وحسب عبارة سارتر الدرامية: «نحن محكوم علينا بالحرية.»
لكن بصفة عامة، لو سعى الناس غالبا إلى أمان التطابق مع أدوارهم في الحياة أو مع ما يتوقعه الآخرون منهم، على الرغم من أن القلق الناجم عن حريتهم المكبوتة لا يمكن إخماده، فإن كل شخص يعبر عن «خياره» الوجودي بشكل معين يتطابق مع واقعية موقفه. يؤمن سارتر بأن «الواقع الإنساني» وحدة كاملة، وليس أجزاء مفككة. مرة أخرى، نحن قصة لم تكتب بعد، ولسنا مجموعة منفصلة من الأحداث مرصوصة جنبا إلى جنب وحسب. هذا «الخيار» أو «المشروع» المميز للحياة هو الذي يوحد تجاربنا وتعددية خياراتنا القائمة على هذا «الاختيار».
يستتبع هذا أنه من المفترض أن يكون المرء قادرا على اكتشاف طريقته المميزة للاتفاق مع نفسه عن طريق مراجعة الخيارات الفردية التي تصف حياته حتى هذه المرحلة. يطلق سارتر على تفسير هذه الخيارات التي تكشف «الخيار» الجوهري اسم «التحليل النفسي الوجودي». لا يستعين هذا التحليل النفسي باللاوعي القامع للحرية، لكن سارتر يقر بأن هذا التحليل يحتاج إلى شخص مثل فرويد. وعلى الرغم من أنه يعترف بإمكانية «التحول الجذري»؛ حيث «يختار» المرء أن يعيش وجودا قلقا ناجما عن حرية صادقة دون السعي إلى التطابق مع الذات، فإن هذه التغيرات الجوهرية في اتجاه الحياة نادرة.
ومع هذا فسواء كان استثنائيا أم لا، فإن خلق الصدق - مثل ذلك الذي وعد به سارتر في إحدى حواشي كتاب «الوجود والعدم» - أمر ممكن. وأي شخص يسعى إلى تفاصيله، من منظور سارتر، يستطيع قراءة كتابه المنشور بعد وفاته «مذكرة في فلسفة الأخلاق»؛ ففيه سيجد سارتر يعبر عن فرضيات، ويشير إلى رؤى، ويحدد عناصر فلسفة أخلاقية لم يصغها ككل. وهذا اختلاف شاسع عن صورة الوجودي التقليدي الذي جسد في كتاب «الوجود والعدم». أهذه إشارة إلى تحول جذري؟ كلا، ليست كذلك، لكنها تقدم نظرة على الجانب الإيجابي للأخلاقيات الوجودية التي ستنشأ بمجرد تفكيك «المجتمع المتسم بالجفاء» الموصوف وصفا فينومينولوجيا في الكتاب الأول.
يتمثل المنظور الوجودي للإنسان، الذي كثيرا ما يعبر عنه دراميا حسب الصورة الخيالية التي يوحي بها الموضوع، في أن الاحتمالية تتخلله؛ احتمالية كتلك التي اختبرها روكوينتين في «الغثيان». ومثل رؤية هايدجر في مواجهة فناء الذات أو رؤية نيتشه عن «الأرواح الحرة» التي ترحب في شجاعة بالتكرار اللانهائي للماضي، فإن الفرد الصادق، في نظر سارتر، هو من يعتنق هذه الاحتمالية ويعيشها بالكامل. (7) أخلاقيات الصدق
غالبا ما ينظر إلى الصدق باعتباره أداة أخلاقية لحفظ التوازن تساعد المرء على البقاء في حالة سقوط أخلاقي نيتشوية (نسبة لنيتشه). لو كان الشخص الصادق «مبدعا» من الناحية الأخلاقية وتجاوز المنارة الأخيرة للأمان الأخلاقي، ولو عطل الفاعل - مثل شخصية إبراهيم لكيركجارد، أو الروح الحرة لنيتشه - القواعد الأخلاقية التقليدية باستعانته بالقواعد العالمية بناء على القول السائد «ماذا لو فعل الجميع هذا؟» من أجل ما هو فريد وغير مسبوق وموقفي، فلأي معيار إذن يحتكم المرء كي يثبت الادعاء بأنه يلعب اللعبة الأخلاقية من الأساس؟ سيبدو أن الإبداع الأخلاقي المزعوم مجرد غطاء للعدمية، أو على الأقل قناع للانتهازية البحتة. ومع هذا فلقد ذكرنا أن الوجوديين يضعون الاعتبارات الأخلاقية في أعلى مرتبة. فأي نوع من الأخلاق تراهم يقترحونه؟
لقد أشير إلى أن ما يعرضه الوجوديون علينا على المدى البعيد هو «أسلوب» أخلاقي أكثر منه محتوى أخلاقيا. قد ينصحوننا بالكيفية التي نعيش بها ، لكنهم - مثلما تصر دي بوفوار - لا يعرضون علينا وصفات أخلاقية. وهذا ليس ادعاء غير مبرر. لقد شدد نيتشه بالتأكيد على أهمية الأسلوب مقارنة بالجوهر، الذي اعتبره ميتافيزيقا فاسدة، وهو ينصح القادرين على تنفيذ هذه النصيحة بأن يصنعوا من حياتهم تحفة فنية. وشبه سارتر الخيار الأخلاقي بعملية تصميم عمل فني من حيث إن الفن والخيار الأخلاقي لا يخضعان للقواعد الصارمة. لكن على عكس نيتشه ومثل كيركجارد، أضفى سارتر على الأحكام الأخلاقية صبغة «عالمية». تعلق دي بوفوار قائلة: «إن أخلاقيات الغموض ترفض إنكار الأمر البديهي القائل إن الموجودات المنفصلة يمكن أن تكون - في الوقت نفسه - متصلة بعضها ببعض، وإن حرياتها المستقلة يمكن أن تصوغ قوانين تصلح للجميع.» في واقع الأمر، تواصل دي بوفوار تشديدها على «أهمية هذه الغاية المطلقة والعالمية التي تنطوي عليها الحرية نفسها».
تشكل الحرية القيمة المطلقة للوجوديين تماما مثلما أن الصدق هو فضيلتهم الأساسية. لكن، كما تشير دي بوفوار، ليست هذه حرية فاترة جوفاء (حيث «كل شيء مباح»)، لكنها أيضا ليست «الحرية» الخاضعة ل «الإنسان الجاد» المقيد بالقوانين الذي يحجب حريته انصياعا لإملاءات المجتمع. ومثل نيتشه، فهي تجد جذور العدمية مترسخة في فشل روح الجدية هذه. فعندما يرفض الناس التصنيفات الأخلاقية الصارمة التي تتسم بها التقاليد الدينية أو الفلسفية، ينتهي الحال بهم رافضين أي قيم مطلقة من الأساس، وهو موقف يسمى ب «العدمية». لكن على العكس من ذلك، أولئك الذين يشعرون بسعادة الوجود وينعمون بنفحاتها (أي: أولئك الذين يعتنقون احتماليتهم في سعادة)، فإنها تقترح أنهم سيصمدون أمام عاصفة العدمية التي أثارها نيتشه ب «موت الإله». بعبارة أخرى: فإن «محتوى» الخيار الوجودي هو الحرية نفسها التي تتجسد باعتناق احتماليتها المطلقة، أي فقدانها تطابق الذات. مرة أخرى، أيا ما كنت، فأنا لا أكونه؛ أي إنني لست مقيدا به وأحاول تجاوزه واعيا.
ناپیژندل شوی مخ