فقال في هدوء: أحس شرا يا مولاي.
فانصرف أبرهة عنه وهو يغمغم بكلمات حانقة حتى خرج من خيمته وسار على الهضبة، وحركته تنم عن قلقه. •••
ومضى يومان ولم يعد نفيل بن حبيب، وكان أبرهة يشرف بين كل حين وآخر من قبته العالية، ينظر نحو المدينة الخالية ويقلب بصره في الأفق، ثم يجيله بين الخيام المتزاحمة، ويستمع إلى ضجيج الجيش ويناجي نفسه قائلا: «لم يعد نفيل.»
وظهرت على أفق الجنوب سحابة سوداء تلتمع في حواشيها بروق تعقبها رعود، تتدهدى من بعيد كأنها صخور هائلة تتهاوى في باطن الأرض. وكانت الشمس تتكبد السماء، وسكنت الريح، فكأن الفضاء يتقد في أتون.
وكانت الرمال ترسل وهجا ثقيلا تكاد الأنفاس تحترق فيه.
وكان عدوة واقفا أمام خيمة الملك وفي يده حربة طويلة، وهو بين آن وآخر يسير في خطوات بطيئة واسعة، ويتطلع في الآفاق عابسا، وكان في قوامه الفارع الدقيق ووجهه الجاهم ورأسه المرفوع ما يدل على أنه محارب حانق.
وبدأت الريح تشتد وتسفو الرمال في وجهه، وهزيم الرعد يكاد يصم أذنيه. وناداه أبرهة مرة بعد مرة حتى بلغه الصوت بعد حين، فسار في خطاه الواسعة إلى داخل الخيمة وحياه ثابتا.
فقال أبرهة في حنق: أما تسمع؟
فأجاب: معذرة يا مولاي ...
وانطلق الرعد مرة أخرى فأغرق تتمة قوله.
ناپیژندل شوی مخ