وجاء النبي المنتظر
وجاء النبي المنتظر
خپرندوی
الجامعة الإسلامية
د ایډیشن شمېره
الثانية
د چاپ کال
١٤٠٥هـ
د خپرونکي ځای
المدينة المنورة
ژانرونه
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة:
الحمد لله الذي كرمنا بالإسلام، وأعزنا بالإيمان، وأنعم علينا بنبيه محمد ﷺ فهدانا من الضلال، وجمعنا من الشتات، وألف بين قلوبنا، فاهتدينا بهديه وسعدنا باتباعه، وأصبحنا بفضل الله إخوة متحابين متعاضدين ...
نحمد الله على هذه النعمة، ونسأله المزيد منها، والتوفيق فيها، والشكر عليها.
أما بعد فإن الله سبحانه خلق الخلق لعبادته، وهو غني عنهم. وحصر التكليف في الإنس والجن من مخلوقاته، لما ركبه فيهم من العقول. وجعل العقل بعد بلوغ الإنسان سن الرشد مناط التكليف. قال سبحانه: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالأِنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ، مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ. إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ﴾ سورة الذاريات ٥٦. ٥٧، ٥٨.
والعقل وحده كاف في الاستدلال على وجود الخالق ومعرفة بعض صفاته. بيد أنه قد يزيغ أو يغلب عليه الهوى، أو ما أشبه ذلك. لذا أرسل الله سبحانه الرسل إلى الناس، لئلا يكون لهم حجة على الله. أضف إلى ذلك أن الإنسان لا يمكن أن يصل بالعقل وحده إلى معرفة الأمور الغيبية، من وجود البعث بعد لموت والحشر والحساب والجنة والنار وغير ذلك. كما لا يمكنه أيضا أن يصل إلى الطريقة المثلي لعبادة الله. فاقتضت حكمة الله ورحمته أن يصطفي من البشر أناسا
1 / 3
طيبين صالحين، عرفوا بالصدق والأخلاق ورجاحة العقل، وغير ذلك من الصفات الكريمة، ويجعلهم رسلا بينه وبين سائر خلقه. قال سبحانه: ﴿رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ﴾ سورة النساءء١٦٠، وجعل لكل أمة رسولا منهم خاصا بهم، قال تعالى: ﴿وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلا خَلا فِيهَا نَذِيرٌ﴾ وسورة الطور ٢٤، وقال ﷻ: ﴿وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ﴾ سورة النحل ٣٦.
والأنبياء جميعا يدعون إلى أصول مشتركة، لا تختلف في حقيقتها وجوهرها، ويبنون أحكامهم على أسس متناسقة. قال سبحانه: ﴿شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ﴾ سورة الشورى ١٣.
فالأصل والهدف واحد، أما تفاصيل الشرائع والأحكام وفروعها، فتختلف من أمة إلى أمة، بحسب اختلاف زمان الناس وأحوالهم واستعداداتهم، وما يحيط بهم من عوامل وملابسات. قال تعالى: ﴿لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجا﴾ وسورة المائدة ٤٨. وقال سبحانه: ﴿لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا هُمْ نَاسِكُوهُ﴾ سورة الحج ٣٤،. وقد استهدفت جميع الشرائع السماوية في عباداتها وتشريعاتها وأحكامها ما يحقق مصالح الناس في الدنيا، ويهيئهم للظفر بسعادة الآخرة، ويجلب لهم المصالح ويدفع عنهم المضار.
1 / 4
وقد أخذ الله سبحانه عهدا على كل نبي أرسله أن يؤمن بمحمد خير خاتم الأنبياء، والرسل إلى الناس كافة، وأن يشر قومه به، وينعته لهم ببعض صفاته، وأن يأخذ عليهم العهد، لإن جاء وهم أحياء ليتبعنه وينصرنه. قال سبحانه: ﴿وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشاهِدِينَ﴾ سورة اهـ عمران ٨١،. وهكذا توالت البشارات والعهود من نبي إلى نبي، ومن جيل إلى جيل بالنبي المنتظر خاتم الأنبياء والرسل، المرسل رحمة للعالمين. حتى إذا أظل زمانه تاقت قلوب الطيبين ونفوسهم للقائه والإيمان به ونصرته، فضربوا في الأرض يستقصون الأخبار.
وجاء النبي المنتظر مشتهى كل الأمم رحمة مهداة للعالمين. جاء أحمد ﷺ فسعد به أناس، وتنكب له متعنتون، فأظهره الله عليهم، ثم أظهر أمته من بعده على سائر الأ مم، وامتد دينه شرقا وغربا، تماما كما وصفه الله سبحانه في الكتب التي أنزلها على أنبياءئه السابقين صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين بيد أن التاريخ ما عرف فاتحا أرحم من المسلمين كما قال"غوستاف لوبون".
وقدر الله سبحانه لي أن أعيش في مدينة فيها نسبة من النصارى، وأن أعمل مدرسا في ثانوية تقع في حي كذلك. وكنت أظن أن الاحترام المتبادل هو السائد بيننا وبينهم، كما توحي بذلك ابتساماتهم وحلاوة الألفاظ التي يعطونها من طرف ألسنتهم. بيد أن الحقيقة بعكس ذلك تماما عند أكثرهم،.. وهالني ما رأيت من تصديهم للصغار في مواضيع
1 / 5
حساسة للغاية تتعلق برسالة محمد ﷺ وصدقه، بقصد تشكيكهم في دينهم ... ولو أن قسا منهم اتصل بعالم من المسلمين بهدف البحث عن الحق كله لأكبرنا ذلك. ولكنهم قصروا دعوتهم للنصرانية على الصغار والحيارى، فركزوا عليهم، ووزعوا كتبهم المقدسة جهارا في الشوارع. وكنت ممن وزع عليهم الكتاب المقدس عندهم، والصادر عن المطبعة البولسية في فريحا بلبنان.
وبسبب الأسئلة التي كانت تنهال علي من طيبين وحائرين بدأت أطالع الكتب التي تبحث في مناظرة النصارى والرد عليهم مثل الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح لا بن تيمية، وهداية الحيارى في أجوبة اليهود والنصارى لابن القيم، وإظهار الحق للشيخ رحمة الله الهندي، وقصص الأنبياء لعبد الوهاب النجار، ومحاضرات في النصرانية لمحمد أبو زهرة ... إلى غيرما هنالك من الكتب القديمة والحديثة. كنت أقرأ وألخص وأضع عنوانا جزئيا لكل فكرة.
وشاء الله أن أرى نسخة من كتاب إنجيل برنابا في إحدى المكتبات، فاشتريته وفرحت به، وطالعته بدقة وشغف وأحصيت أماكن البشارات برسول الله ﷺ الموجودة فيه.
ثم شرعت أقرأ في كتبهم المقدسة، حتى التي تحتوي على الأحكام الشرعية لديهم مثل شرح التلمود. وعجبت لمن بيته من زجاج رقيق لا يكاد يحتمل الريح اللطيفة، كيف يرمي بالأحجار على القلاع والحصون؟ كان ذلك في أوائل السبعينيات من التاريخ الميلادي. وفي عام١٤٠٤ هـ ١٩٨٤ م كانت أسئلة كثير من طلاب الجامعة الإسلامية
1 / 6
تحوم حول هذا الموضوع، فتذكرت عمل دعاة النصرانية في آسيا وأفريقية، ورأيت حاجة الطلاب إلى تلك المعلومات، فراجعت من الملخصات ما يقتصر على البشارات بالنبي المنتظر ﷺ وأعدت النظر فيها، وأضفت إليها شواهد إيضاحية. كم كنت أتمنى أن تكون تلك المصادر بجانبي لأزيد في بعض النصوص والشواهد من كتبهم ذاتها. ولكن قدر الله وما شاء فعل، فالحمد لله على كل حال.
وإني إذ أنشر هذه البشارات بالنبي محمد ﷺ، أعلم حق العلم أن نبوته ﷺ ليست مفتقرة إلى تلك الإثباتات أو الشهادات، ولكن ردا للحجر من حيث جاء، وإظهارا للحق، وليزداد الذين آمنوا إيمانا مع إيمانهم، والله ولي التوفيق. وصلى الله وسلم وبارك على خاتم الأنبياء محمد، وعلى آله وصحبه ومن تبعه إلى يوم الدين والحمد لله رب العالمين.
عبد الوهاب عبد السلام طويلة
المدينة المنورة ٢٥ من شهر ذي القعدة عام ١٤٠٤ هـ
1 / 7
وجاء النبي المنتظر:
قال سبحانه: ﴿وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ﴾ سورة البقرة ٨٩.
وقال تعالى: ﴿الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أبناءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ﴾ سورة البقرة ١٤٦.
وقال رسول الله ﷺ "إن الله نظر إلى أهل الأرض فمقتهم، عربهم وعجمهم، إلا بقايا من أهل الكتاب" أخرجه وسلم في صحيحه بالسند المتصل.
1 / 8
شروط صحة الكتاب المقدس:
قال الشيخ رحمة الله بن خليل الهندي في كتابه إظهار الحق١: اعلم أرشدك الله تعالى أنه لابد لكون الكتاب سماويا واجب التسليم:
- أن يثبت أولا بدليل تام أن هذا الكتاب كتب بوساطة النبي الفلاني.
- ووصل بعد ذلك إلينا بالسند المتصل، بلا تغيير ولا تبديل.
والاستناد إلى شخص ذي إلهام بمجرد الظن والوهم، لا يكفي لا إثبات أنه من تصنيف ذلك الشخص اهـ.
ونحن على ضوء هذه القاعدة سنرى مدى صحة الكتب المقدسة لدى أهل الكتاب. ولكن قبل ذلك أحب أن أذكر لمحة موجزة عن توثيق المسلمين لنصوصهم:
قسم علماء مصطلح الحديث يأتيهم عن رسول الله ﷺ إلى ثلاثة أقسام:
_________
١ إظهار الحق طبعة المغرب ١/٥٦.
1 / 9
١- الحديث الصحيح: وهو ما يرويه شخص من رجل أو امرأة عدل أي مسلم معروف بالثقة والأمانة ضابط لما يسمعه حفظا وفهما، أو كتابة وفهما عن مثله ممن عاصره وسمع منه. وسلم الحديث وسنده أي رجاله من شذوذ أو علة.
٢- الحديث الحسن: وهو ما اجتمعت فيه شروط الحديث الصحيح، بيد أن رواته أدنى ضبطا وحفظا من رواة الحديث الصحيح.
وكلاهما يؤخذ منه ويحتج به، غير أن الصحيح أقوى وأثبت.
٣- الحديث الضعيف: وهو ما اختل فيه شرط من الشروط السابقة، كأن يوجد فيه راو مجهول، أو كان فيه انقطاع في السند أو غير ذلك.
وهو غير صالح للاحتجاج به، ولا يؤخذ منه حكم.
وهذه المعلومات يحفظها صغار طلاب العلم.
والحديث الصحيح درجات في القوة بم فهناك أصح الأسانيد، وما اتفق عليه البخاري ومسلم، وغير ذلك. وأقوى الأحاديث هو المتواتر، وهو الذي يرويه ويتناقله جمع عظيم من الناس عن جمع عظيم آخر في كل جيل من الأجيال، بحيث يستحيل في العادة تواطؤهم على الكذب.
1 / 10
توثيق النص القرآني:
لقد انفرد القرآن الكريم من بين الكتب المقدسة التي سبقته بتوثيقه توثيقا مكينا وصل إلى الذروة. وهذا هو سر خلوده وأحد مفاتيح إعجازه.
كان النبي ﷺ دقيقا كل الدقة، وحريصا كل الحرص على كتابة القرآن، فكان له كتاب وحي يتلقفون ما ينزل عليه، فيكتبونه في وعي وإدراك، ودقة وإتقان.
وكان الصحابة ﵃ يتلقون هذا القرآن من فم النبي ﷺ ويتسابقون إلى حفظه، ويتبارزون في تلاوته، والنبي ﷺ بينهم يعرضون عليه ما حفظوا، ويسمعون منه تلاوة القرآن في الصلوات الجهرية وغيرها مع بيان أحكامه وكشف معانيه. وقد شارك النساء الرجال في هذه المنافسة والشرف العظيم.
وكان حفظ القرآن وكتابته يسيران جنبا إلى جنب، ليلتقي المكتوب بالمحفوظ، فكلاهما توثيق للآخر.
لقد كان الحفظة كثيرين جدا، قتل منهم في"بئر معونة"قرابة سبعين، وكتاب الوحي بلغ عددهم تسعة وعشرين كاتبا، منهم الخلفاء الخمسة الأوائل.
1 / 11
وهكذا تواتر نقل القرآن حفظا وكتابة من جيل إلى جيل في مشارق الأرض ومغاربها حتى وصل إلينا مصونا من أي تحريف، منزها عن أي تغيير، سالما من أي نقص.
وما خوف أبي بكر وعمر ﵄ حين استحر القتل بالقراء يوم اليمامة، إلا من زيادة الحرص على القرآن وحفظه، لأن طريقة أدائه لا تتأتى إلا عن طريق التلقين والرواية.
ولا يشك أحد في أن محمدا ﷺ أتى به، وأخبر أن الله أوحى به إليه، وأن من اتبعه أخذه عنه حفظا وكتابة بشكل متواتر، ثم أخذ عنهم، حتى وصل إلينا.
1 / 12
الكتاب المقدس لدى النصارى:
تعريفه:
يدعي النصارى أن كتابهم المقدس هو مجموعة الأسفار الإلهية التي كتبت بإلهام"الروح القدس"خلال الحقبة الزمنية الممتدة من القرن السادس عشر قبل الميلاد، حتى آخر القرن الأول بعده.
أقسامه:
يقسم كتابهم المقدس إلى قسمين كبيرين:
العهد القديم أو العتيق وقد يطلق عليه مجازا"التوراة".
العهد الجديد. وقد يطلق عليه مجازا"الإنجيل".
وسندرس كل قسم على حدة:
١- العهد القديم:
ويزعمون أن هذا القسم وصل إليهم بوساطة الأنبياء الذين كانوا قبل عيسى ﵊ ويعرفون منه أخبار العالم في عصوره الأولى وأجياله القديمة، كما يعرفون منه البشارات بالأنبياء اللاحقين، والشرائع الاجتماعية، وغير ذلك من شعر وحكمة ومواعظ.
1 / 13
أجزاء العهد القديم:
يتألف هذا القسم من ستة وأربعين سفرا. منها خمسة أسفار تسمى التوراة.
والتوراة كلمة عبرية، تأتي بمعنى التعليم أو الشريعة.
أما خمسة الأسفار فهي ما يلي:
أ- سفر التكوين أو الخليقة:
ويبحث عن قصة الخليقة وقصة نوح ﵊ وعن السلالات البشرية. وينتهي بسرد قصة يوسف ابن يعقوب عليهما الصلاة والسلام.
ب- سفر الخروج:
ويروي قصة نشأة موسى ﵊ وظهوره، وما وقع له في مصر، وخروجه منها على رأس بني إسرائيل، إلى أن يصل إلى احتلال فلسطين وارتحال موسى ﵊.
ج- سفر الأحبار أو اللاوديين
د- سفر العدد.
هـ سفر التثنية أو الاستثناء.
وتبحث هذه الأسفار في أمور دينية واجتماعية ومواعظ ووصايا وتشريعات.
أما ما تبقى من أسفار العهد القديم، فهو خليط عجيب
1 / 14
من الروايات والقصص التاريخية والاجتماعية والسياسية والأخلاقية. وهي تفتقر بمجملها إلى الأمانة والجدية.
ومن الجدير بالذكر أن نسخة التوراة لدى اليهود تخالف نسخة التوراة لدى النصارى، وأن بعض الأسفار الهامة عند اليهود مرفوضة عند النصارى لعدم اعتقادهم بصحة الوحي فيها.
وكذلك، فإن نسخة التوراة لدى طائفة السامرة من اليهود مخالفة لنسخة جمهور اليهود، ولنسخة النصارى أيضا. كما أن بعض طوائف النصارى لا يسلمون بجميع هذه الأسفار. فالتوراة إذا نسخ متعددة، لا تعرف لواحدة منها شبه سند من الرواة.
وقد بحث علماء التاريخ عن مصدر التوراة، وتقصوا حقيقة ما ورد فيها. وكان الحافز بهم لذلك ما يزخر به هذا الكتاب من قصص وروايات بلغت من القرابة حد الأساطير. ولما كثرت المكتشفات العلمية الحديثة، وظهرت للوجود حقائق تاريخية كانت مجهولة، انكشف الستار عن كثير من الأحداث التاريخية التي شيد اليهود أكثرها عبر الزمن.
هذا، ويرى كثير من العلماء المعاصرين أن التوراة كتبت بعد قرون عديدة من عهد موسى ﵊.
1 / 15
٢- العهد الجديد:
ويزعم النصارى أن هذا القسم كتب بالإلهام بعد عيسى ﵊ ويتألف من سبعة وعشرين سفرا، منها الأناجيل الأربعة المعترف بها لديهم وهي:
أ- إنجيل متى. ويتألف من سبعة وعشرين إصحاحا.
ب- إنجيل مرقس. ويتألف من ستة وعشرين إصحاحا.
ج- إنجيل لوقا. ويتألف من أربعة وعشرين إصحاحا.
د- إنجيل يوحنا. ويتألف من واحد وعشرين إصحاحا ويذكر في هذه الأناجيل كما يدعون خلاصة حياة السيد المسيح ﵊ وتعاليمه التي تشتمل على العقيدة.
ولفظ الإنجيل مختص بهذه الكتب. وقد يطلق مجازا على مجموع كتب العهد الجديد كما مر.
والإنجيل كلمة يونانية تأتي بمعنى البشارة والتعليم، كما تأتي بمعنى الإخبار بخبر.
أما ما تبقى من أسفار العهد الجديد فتشتمل على أعمال لبعض مقدسيهم ورسائل لهم. كما تُعنى أيضا بالناحية التعليمية التي تبين ديانتهم.
1 / 16
هذا، والنصارى مختلفون في هذه الأناجيل، فلا يسلم جميعهم بها، وأكثرهم رفضا لكثير منها طائفة البروتستانت١.
أين الإنجيل الذي أنزل على عيسى؟
الشواهد متضافرة على أن الله تعالى أنزل على عيسى ﵊ الإنجيل، وأنه كتاب فيه هدى ونور. قال تعالى: ﴿الم. اللَّهُ لا إِلَهَ إلا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ. نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنْزَلَ التَّوْرَاةَ وَالأِنْجِيلَ. مِنْ قَبْلُ هُدىً لِلنَّاسِ وَأَنْزَلَ الْفُرْقَانَ﴾ سورة اهـ عمران.
وقال سبحانه: ﴿مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَآتَيْنَاهُ الأِنْجِيلَ فِيهِ هُدىً وَنُورٌ وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَهُدىً وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ﴾ سورة المائدة.
فأين هذا الإنجيل؟
إن الإنجيل الذي أتى به المسيح عليه الصلاة
_________
١ انظر إظهار الحق ص ٥١ ٥٥ و٥٧-٧٥، الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح لابن تيمية ١/٣٩٣٩-٣٩٤، محاضرات في النصرانية لمحمد أبو زهرة ص ٣٨-٣٩-٦٧، المفسدون في الأرض لـ س. ناجي ص ٩- ١٠و١٤، المسيح عيسى ابن مريم ص ٤٦-٤٨، نشرته دار الكتب بالقاهرة، العهد الجديد المطبوع بلبنان حريصا سنة ١٩٦٤ المقدمة ص أ-ب، قصص الأنبياء لعبد الوهاب النجار.
1 / 17
والسلام وسلمه إلى تلاميذه، وأمرهم أن يبشروا به لا يوجد الآن. وليس هو أحد الأناجيل الأربعة الآنفة الذكر بإقرارهم. فهو ضائع. والدليل على ذلك من كتبهم ما يلي:
١- جاء في إنجيل مرقس الإصحاح الأول: وبعدما أسلم يوحنا، جاء يسوع إلى الجليل يكيرز ببشارة ملكوت الله ويقول: قد كمل الزمان وأقترب ملكوت الله، فتوبوا وآمنوا بالإنجيل.
فجاءت كلمة الإنجيل بلا إضافة لأحد.
ب- وجاء في رسالة بولس إلى الرومانيين:
١-١ من بولس المدعو ليكون رسولا المفروز لإنجيل الله، الذي سبق فوعد به على ألسنة أنبياءئه في الكتب المقدسة.
١-٩ فإن الله الذي أعبده وفي بعض النسخ أخدمه بروحي في التبشير بإنجيل ابنه، يشهد لي بأني أذكركم بلا انقطاع.
١٥-١٦ لأكون خادما للمسيح يسوع لدى الأمم، وأقوم بخدمة إنجيل الله المقدسة.
ج- وجاء في رسالته إلى أهل تسالونيكي:
٢-٨ هكذا إذا كنا حانين إليكم، كنا نرضى أن نعطيكم لا إنجيل الله فقط، بل أنفسنا أيضا.
١-٩ فإنكم تذكرون أيها الإخوة تعبنا وكدنا إذ كنا نكرز
1 / 18
لكم وفي بعض النسخ نبشركم بإنجيل الله.
فهذه النصوص التي تسلم بها الكنيسة تبين أن المسيح ﵊ جاء بكتاب هو الإنجيل. ولاشك أن الإنجيل المذكور في هذه النصوص وفي غيرها، ليس واحدا من الأناجيل الأربعة، لأنها لا تضاف إلا إلى أصحابها باتفاق النصارى، ولأن المسيح ﵊ قد وعد بهذا الإنجيل، ولم يكن واحد منها قد وجد في عهده بالاتفاق، وليس من المعقول أن يعظ هو بأقوال تلاميذه أومن بعدهم.
إذا، ضاع إنجيل المسيح الذي فيه هدى ونور على مر الزمان، وتمسك النصارى بكتب ألفها أناس نسبت إليهم وأضيفت لهم.
ولو أن هذا الكتاب وصل إلينا كما كتبه ولا يكتب إلا ما أنزل إليه لكان من أهم الكنوز وأغلاها١.
لمحة عن الأناجيل والأدوار التي مرت بها:
فُقد إنجيل المسيح ولم يعد له وجود، وإنما يوجد الآن قصص ألفها التلاميذ وغير التلاميذ، لم تسلم من المسخ والتحريف بالزيادة والحذف، كما هو واضح لدى مقارنتها ببعضها.
_________
١ انظر إظهار الحق ١/٥٢، وقصص الأنبياء للنجار ص ٣٩٩، المسيح عيسى ابن مريم ص ٤٩-٥١ و٦٩، محاضرات في النصرانية ص ٥٤-٥٥، العهد الجديد لبنان حريصا المقدمة ص أوالرسائل ص ٢٩٣ و٤٠٢، العهد الجديد جمعية الكتاب المقدس ص ٣٣١.
1 / 19
ويطلق اسم الإنجيل عرفا الآن على هذه القصص التي وجدت بعد زمان المسيح ﵊ تقص أحواله وأعماله وأقواله التي وعظ بها، ومعجزاته التي أجراها الله على يديه.
ومكان الأناجيل في النصرانية مكان القطب والعماد، لأنها تشتمل على أخبار المسيح من وقت الحمل إلى وقت الصلب، كما يزعمون وقيامته من قبره بعد ثلاث ليال، ثم رفعه بعد أربعين ليلة، وهي بهذا تشتمل على عقيدة ألوهية المسيح بزعمهم والصلب والفداء.
والأناجيل المقدسة عندهم الآن والتي تعترف بها الفرق النصرانية وتأخذ بها هي الأربعة الآنفة الذكر. والتي لم يكتب شيء منها في زمن المسيح، ولكن بعد انتهاء أمره من الأرض، قام بعض التلاميذ وكتبوا قصصا كثيرة، وكل واحد منهم يسمي ما كتبه إنجيلا.
وقد كثرت الأناجيل كثرة فاحشة حتى أربت على المائة، ويروي التاريخ أنه كانت هنالك أناجيل أخرى أخذت بها فرق قديمة في العصور الغابرة، وراجت عندها، بحيث لم تعتنق كل فرقة إلا إنجيلها. ونذكر منها على سبيل المثال ما يلي:
١- عند كل من أصحاب مرقيون وأصحاب ديصان إنجيل يخالف بعض هذه الأناجيل.
1 / 20
٢- ولأصحاب ماني إنجيل يخالف هذه الأربعة، وهو الصحيح عندهم.
٣- هناك إنجيل يقال له إنجيل السبعين، ينسب إلى تلامس. والنصارى ينكرونه.
٤- هناك إنجيل اشتهر باسم التذكرة.
٥- وإنجيل سرن تهس.
٦- وهناك إنجيل يسمى إنجيل الصبوة أو الطفولة.
ذكرت فيه الأشياء التي صدرت من المسيح في طفولته. وهو ينسب لبطرس عن مريم
٧- الإنجيل الأغنسطي، وقد طمست رسومه وعفت آثاره، وهو يبتديء بمقدمة تندد بمقدسهم بولس، وينتهي بخاتمة فيها مثل ذلك التنديد.
٨- وهناك إنجيل برنابا الذي سأتكلم عنه قريبا.
إذا. لقد كثرت الأناجيل كثرة عظيمة، كما أجمع على ذلك مؤرخو النصرانية. ثم بعد أن أفاق النصارى من الاضطهادات التي توالت عليهم. نظروا في تلك القصص فهالهم أمرها.
وفي أواخر القرن الثاني، أو أوائل القرن الثالث، اختارت الكنيسة من بينها القصص التي لا تتعارض مع نزعتها، وسلمت بها، وجعلتها قانونية، ورفضت ما يخالف رغبتها، وأجبرت
1 / 21
الناس على قبولها ولاحقت من يعارض، وتم لها ما أرادت.
ولم تكترث لما بين مضامين هذه الأربعة من التخالف والتناقض، مادام ذلك لا يخالف المنزع العام الذي قصدته، رغم ما فيها من انقطاع في السند، وعدم العلم التام بالمؤلف الحقيقي أو المترجم، ومبلغ أمانته على الدين وحرصه على الصدق، كما لا توجد نسخة بخط تلميذ من التلاميذ، ولا ما يضمن شبهة صحة فيها. فإنجيل متى على سبيل المثال يذكرون في تعريفه ما يلي:"كتب متى إنجيله باللغة الآرامية، وهي فرع عن العبرية ثم نقله إلى اليونانية هو أو غيره"، فمن هو المترجم؟ هذه جهالة في السند لأقدم أناجيلهم، وليس ثمة نسخة أصلية باللغة الآرامية عندهم.
هذا، ولاختلاف مصنفي الأناجيل اختلفت مصنفاتهم اختلافا يفضي إلى أن أحد الأقوال صادق وما عداه كاذب. وبعضهم يذكر في إنجيله حالات، أو عجائب لا يذكرها الآخر، وكثيرا ما يروى الخبر الواحد في إنجيل ما بعبارة تناقض بالزيادة والنقصان ما ذكر في الآخر.
ويذكر بعض المؤرخين أنه لم توجد عبارة تشير إلى وجود إنجيل متى ومرقس ولوقا ويوحنا قبل آخر القرن الثاني. وأول من ذكر هذه الأناجيل الأربعة أرينوس سنة ٢٠٩ م.
1 / 22